سمات شعر الخوارج

mainThumb

25-03-2021 09:11 PM

السوسنة - ازدهر الشعر في العصر الأموي  و اتسعت آفاقه و تعددت مراميه ، تبعًا لحالة العصر الجديد والحراك السياسي النَّشط المتمثل بالأحزاب السياسية  و الحراكات القبلية و المذهبية ، التي قد تتحول  في بعض الأحيان إلى صراع عنيف تُراق فيه الدماء . فدافع كلّ حزب عن مبادئه و معتقداته بشتّى الوسائل و الطرق ، و دعت الأحزاب الأنصار إليها مستخدمة كافة الوسائل الدعائية لكسب التأييد و الدعم ، فكان الشعراء هم أول من خاض غمار هذه المرحلة ، إذ إنهم صفوة المجتمع و خاصته ، و ذوو الفكر والثقافة ، فانبرَوا يدافعون عن جماعاتهم السياسية و يرثون شهداءهم و يمدحون زعماءهم  .
 
        و قد امتاز شعر كل حزب  بميزاتٍ تحاكي الحالة الفكرية و العقدية  بل و الاجتماعية أيضا لكل حزب ، فالحِجاج و المنطق و القول بالإمامة و التقية نجدها في شعر الشيعة ، و نفتقدها في شعر الزبيرين على قلته ، أما عند الخوارج فالإنسان هو المحور الأساسي فالخارجي يضحي بروحه في سبيل عقيدته التي يؤمن إيمانًا لا يُخالجه شك أو ريبة ، لنرى الشعر الخارجي تغلب على موضوعاته الرثاء و يندر فيها المدح للزعيم أو القائد فالجماعة الخارجية هي التي تستحق المدح و الثناء ، و هذا نابع من إيمانهم القوي بمعتقداتهم ، فهم يؤمنون بالفكرة لا بالأشخاص   . 
 
العوامل المؤثرة في شعر الخوارج : 
 
       كما أسهمت عدة عوامل في تكوين الصورة النهائية للقصيدة السياسية الخاصة  بكل حزب ، فظهر شعر الخوارج خاضعًا لمؤثرين قويين  الانتماء العقدي الديني ،  و الانتماء القبلي البدوي ، إذ  ينتمي معظم الخوارج إلى قبائل  تميم وطيء و بكر و شيبان  ، فالطرماح القحطاني من طيء ، وهو الخارجي الوحيد الذي جمع شعره في ديوان ، و قطري بن الفجاءة شاعر الموت من تميم ،  و عمران بن حطان الشيباني الذي اعتنق المذهب الخارجي و صار من أعلامه  .
 
      سمات شعر الخوارج : 
 
         لما كان معظم شعرائهم من القبائل العربية البدوية التي خاضت معارك خلّدها التاريخ العربي، اتسم شعرهم  بقوة الأسلوب ، و شيوع اللفظ الغريب ، و اتباع الأسلوب الجاهلي ،  و العاطفة الدينية البسيطة الخالية من المنطق والجدل .
 
       و لأن معظم شعراء الخوارج  من حفظة القرآن والشعر و الحديث ،  ففصاحة اللّسان و بيانه أهم ما يتّسم به العربي الخارجي ، و هم الذين قال فيهم عبيد الله بن زياد  عندما حكموه في شأنهم: " لكلام هؤلاء أسرع في قلوب الناس من النار إلى اليراع " .
 
      و لما  كان شعراؤهم هم قادتهم و المتكلمون باسم جماعاتهم ، طغت قوة الأسلوب على شعرهم ، فكما هم أقوياء في ساحات القتال يتخيرون موقع الضرب بقوة ، نراهم يتخيرون موقع اللفظ  متمكنين من سبك الكلام كما هم متمكنين في ساحات المعارك ، و شعرهم يخاطب عاطفة المستمع بالدرجة الأولى . 
 
    و رغم قوة أسلوبهم الشعري إلا أنه يخلو من الصور الفنية و المحسنات ، فشعرهم أغلبه قيل في ساحات المعارك  ، فلم تكن لهم الفرصة  غالبا للاعتناء بالصورة الشعرية .
       و شعرهم تسيطر عليه سهولة اللفظ و ألفتها ، إلا أن الأثر البدوي للفظ لم يغب ْ  في شعرهم و هذا ما يبدو واضحا في شعر الطرماح  :
 
لذكرى هوى أضمرته القلو           ب بين النوائط والجانحه
ظعائن شِمن  قريح الخريفْ              من الأنجم الفُرغ والذابحهْ
 
و  قوله   :
 
وكأن قِهزَةَ تاجرٍ جِيبت لهُ      لِفُضُول أسفَلِها كِفافٌ أسودُ
هاجت به كُسُبٌ تلعلع للطَّوى    والحرصِ، يدألُ  خلفهُن المؤسدَ
صُعرُ السوالف بالجِراءَ كأنها       خلف  الطرائد خشرمٌ متبددُ
 
       و استخدام الغريب من اللفظ لم يكن في كل المواضع بل في الأبيات التي يعترض فيها الشاعر لوصف البادية و الفلاة  و الحيوانات الوحشية ،  فقصائد المدح و الهجاء تكاد تخلو من الغريب   .
 
      و صحيح أن الشعر الخارجي جاء في معظمه على صورة مقطوعات ، إلّا أنه يمكن تلمس الصورة الجاهليه في بعضه ، و خصوصا في شعر الطرماح ، و  المقصود هنا  ، أن يأتي الشاعر بالقصيدة على النمط الجاهلي  إما في المطلع و إما من خلال  وصف البادية و ما يعترض فيها من الحيوانات الصحراوية  و الوحوش المفترسة ، و يعود سبب هذا التقليد الجاهلي في قصائدهم إلى نشأتهم البدوية ، و هذا ما يبدو واضحا في قول الطرماح :
 
طال في رسم مهدد ربده      و عفا و استوى به بلدُه
 
 و قوله :               شتّ شعب الحي بعد التئام      و  شجاك الربع ربع المقام
 
و قوله  :             وكأن قِهزَةَ تاجرٍ جِيبت لهُ         لِفُضُول أسفَلِها كِفافٌ أسودُ
 
هاجت به كُسُبٌ تلعلع للطَّوى         والحرصِ، يدألُ  خلفهُن المؤسدَ
 
صُعرُ السوالف بالجِراءَ كأنها       خلف  الطرائد خشرمٌ متبددُ
 
و قوله   :          ألا أيها الليل الطويل  ألا أصبحي    ببمّ ، وما الإصباح منك بأروح 
 
       و الخوارج  و إن  ابتعدوا عما يشتت الجماعة من تمسك بغير عقيدتهم إلا أن انتماءهم القبلي لم يثنهم عن عصبيتهم ، فها هو الطرماح  يمدح  أحد رؤساء قحطان لمكانته القبلية لا لشيء آخر ، و هو يمدحة إعلاء لمكانته و مكانة قحطان بين العرب، يقول في مدح يزيد الأزدي: 
 
أيزيدُ يا ابن ذرا الحواصن   والعقائل للعقائلْ
وابن المتوّج للمتوج   والحلاحل  للحُلاحل
 
و من العصبية القبلية أيضا  تعصبه للقبائل القحطانية في قوله  : 
 
منا الفوارس والأملاك ، قد علمت       عليّا معدّ، ومن كل ذي حسب
 
 
 
.........................................
المراجع : 
- إحسان عباس، ( 1974 )  شعر الخوارج، بيروت : دار الثقافة
- لؤي صافي ( 1998 ) العقيدة والسياسة ، معالم  نظرية عامة للدولة الإسلامية  ، فيرجينيا ، المعهد العالمي للفكر الإسلامي ، ط2  
- الطرماح (1994 ) ، ديوان الطرماح، ت: عزة حسن،  ط 2 ،  بيروت : الشرق العربي  
- محمد أبو زهرة  (1996)  تاريخ المذاهب الإسلامية ، ج 1 ،  القاهرة : دار الفكر العربي
 
 
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد