آخر الشهداء

mainThumb

19-05-2021 07:45 PM

قصة قصيرة

 المجد والخلود لشهدائنا الأبرار ، قرأ هذه العبارة عندما كان طفلا، عندما تعلم فك رموز الأحرف، حينها لم يكن يعرف ما معنى أن يكون المرء شهيدا، حتى أنه لم يكن يدرك أن للعمر نهاية، وأن المرء يموت.

 

مرت الأيام وفهم مغزى العبارة ، وازداد إيمانا بحقه السليب … ادرك أن تمسك المرء بحقه يجعله يبذل من نفسه الكثير، وقمة البذل الشهادة ، تمنى أن يصبح شهيدا، ابتسم عندما أدرك أن ما يفكر فيه الآن هو نزوة عابرة، فلكي يصبح شهيدا عليه أن يتسلح بوعي فكري ناضج، عليه أن يحب الأرض، أن يعشق ترابها، أن يرفض الظلم، أن يعشق الحرية، أن يحترم الإنسان ويحافظ على كرامته، لكن هذه الخصال ليست بعيدة عنه، فلماذا لا يكون شهيدا؟ ضحك رغما عنه، ضحك ببساطة لأنه منغمس في هموم الحياة اليومية، كان همه أن يؤمن احتياجات منزله، هو الآن زوج وأب لطفل، علّمه العبارة المنقوشة في ذاكرته ووجدانه، لم يعلمه مغزاها، هو على يقين أنه سيدركها بالفطرة والبديهة كما أدركها هو …
 
نظر حوله … الشارع يغص بالمارة، وبرغم كثرة الشهداء، الناس يتناسلون ويزدادون تمسكا بحقهم وأرضهم ، وذات يوم من أيام تتكرر، توزع فيه الأطفال في الشوارع يقذفون الحجارة، نظر إليهم بلهفة ولوعة، إذ حتما سيسقط منهم شهداء، لكن هل تسلح الطفل منهم بوعي ونضج فكري يصنع منه شهيدا؟ أم هو الغضب الموروث؟ أم البحث عن طفولة ضائعة؟ أم هو حلم محطم يبحثون عن بقاياه؟ هو كل هذه الأشياء وأشياء كثيرة غيرها تستغلق علينا نحن الكبار، والأهم من ذلك أن الطفل الشهيد يسقط نتيجة اعتداء شرس من عدو مستهتر، نظر إليهم بإعجاب وإكبار ، أدرك أنهم في تمردهم كسروا حاجز الخوف، حلقوا فوق الظلم. وهزموه، حث خطاه نحو بيته يتفقد طفله، لم يجده بالبيت، انقبض صدره، لام زوجته كيف سمحت له أن يخرج في هذا اليوم المأزوم ، صدق حدسه ، إذ جيء بولده محمولا يتضرج بدمائه، نظر إليه بذهول ، ثم أدرك أن طفله تفوق عليه، أحس بالجبن والخنوع، وأزفت اللحظة ليعلن تمرده، وفي التو خرج إلى الشارع كالمجنون بغية الانتقام، لكن كيف؟ نظر حوله … شباب يهتفون محتجين، رافضين منددين، والعرق يتصبب من جباههم وفورة الغضب تقودهم نحو مصير مجهول، وفي الحال انضم إليهم وفي لحظة حازمة، امتطى كتفي زميل له ورفع عقيرته بالهتاف لما كان يتمتع به من صوت جهوري جميل، صدح صوته، كان محملا بالبغض والحقد والكراهية والانتقام ، كان ينفس عن غضب مكبوت لازمه طيلة أيام حياته، وآن الأوان ليعلنه، بعد أن نكأ ولده جرحه، انطلق صوته عاليا… عاليا… قنصته رصاصة استقرت في صدره، ابتسم رغم ألمه، ابتسم لأنه أصبح جديرا أن يكون أبا لطفل شهيد، سبقه بإعلان شهادته، وعلمه كيف يكون المرء شهيدا، ابتسم لأن هناك من سيتلو العبارة على روحيهما (المجد والخلود لشهدائنا الأبرار) أغمض عينيه بعد أن سُجي على الأرض التي عشقها، فاضت روحه … هو لن يكون آخر الشهداء، ولكن يوما ما يلوح في الأفق ، نتأمله وننتظره ، حتما سيحث خطاه إلينا ، في هذا اليوم سنحتفل بشهيدنا الأخير … ثم نبتسم .
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد