التنمية في الأردن .. معوقات وحلول

mainThumb

19-06-2021 10:12 AM

أعلن مؤخراً عن تشكيل "اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية" بغية المساعدة في استصدار قوانين إصلاحية لتطوير التنمية المستدامة ووضعها على المسار الصحيح ، رغم أن كثيراً من أعضائها خرجوا إلينا من تجارب سابقة لم تكن موفقة.. ولتمكينها من القيام بما أنيط بها من مهام، لا بد لها أن تدرس تاريخ خطط التنمية في الأردن منذ مائة عام للخروج بمعطيات واقعية للحل العملي في تنمية متعثرة تشهدها البلاد وفي ظل ظروف صعبة.
فقد شهدت مؤشرات التنمية الشاملة في الأردن منذ البداية بالتذبذب بينت نتائجها التباين بين التعثر والنجاح، ولتوضيح ذلك سنعرج إلى بداية خطط التنمية زمن الخطتين التنموييتين الثلاثية والخماسية في القرن الماضي حيث نجحتا نسبياً في إدارة الموارد الشحيحة لبناء البنية التحتية من صرف صحي ومياه وإيصال الكهرباء إلى جميع أنحاء المملكة، وبنية صناعية شملت المدن الصناعية وانتشارها في المحافظات، وبناء الإنسان كأهم مخرجات التنمية فالموارد البشرية الأردنية كانت تتمتع بجودة عالية تفتقر إليها التنمية المستدامة في وقتنا الراهن رغم توفرالإمكانيات الفنية اللازمة، إذ رفدت خطة التنمية المستدامة آنذاك بمعطيات النجاح، وساهمت في بناء دول الخليج العربي باقتدار الأمر الذي وفر لخزينة الدولة احتياطي كبير من العملات الأجنبية.. ثم تأتي خطط التنمية المستدامة وخاصة بعد تحرير التجارة من خلال اتفاقية الجات، والانطلاق نحو الشراكة التجارية مع أمريكا وتوقيع اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة عام 1997، والتي بموجبها استطاعت المنتجات الاردنية المصنعة في هذه المناطق (وغالبيتها من الالبسة والمنسوجات) من الوصول إلى الاسواق الأميركية.. وبعد عام 2010 أصبحت معظم السلع الأردنية معفاة من الرسوم الجمركية والقيود الكمية بموجب تلك الاتفاقية التي وقعت بين الجانبين الأردني والأمريكي عام 2000.. فالولايات المتحدة الأميركية كانت تُعد من اهم الشركاء التجاريين للأردن حيث زادت التجارة البينية بين الأردن وأميركا بنسبة 600 بالمائة حتى عام 2014 وكان القطاع الصناعي هو القطاع الرئيس في زيادة حجم الصادرات.
وبلغ حينها الحجم التراكمي للاستثمارات الأميركية في الأردن حوالي2.2 مليار دولار، تشكل ما نسبته 8 بالمئة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية التراكمية في المملكة والتي تبلغ ما يقارب 28 مليار دولار في العام 2014. 
ثم تأتي الشراكة الأردنية الصينية المتنامية والتي حققت نتائج مثمرة وفق ما صرح به السفير الصيني في عمان  بان ويفانغ  منتصف ديسمبر العام الماضي، في مؤتمر صحفي عقده في مقر السفارة أن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين حققت تقدماً، حيث أصبحت الصين ثالث أكبر شريك تجاري للأردن وثاني أكبر مصدر للواردات، وانه في الأرباع الثلاثة الأولى من العام 2020 ، بلغ إجمالي حجم التجارة الثنائية بين الصين والأردن 3.103 مليار دولار أمريكي، بزيادة سنوية قدرها 27.70 %.. في حين بلغ الإجمالي لواردات الصين من الأردن 356 مليون دولار أمريكي، بزيادة كبيرة على أساس سنوي بلغت 129.61 ٪.
والأهم إستشرافياً هو ما توقعه السفير الصيني في أن يبدأ هذا العام 2021 تشغيلُ مشروع محطة العطارات لإنتاج الطاقة من الصخر الزيتي والذي تستثمر فيه الصين بقيمة 1.6مليار دولار امريكي، حيث سيلبي 10-15٪من حاجة الاردن للكهرباء. 
 
 ومن الطبيعي أن ذلك من شأنه أن يُسَرّعَ من عجلة التنمية المستدامة لارتباط هذا النمو بالطاقة حيث سيقلل من اعتماد الاردن على مصادر الطاقة المستوردة (وقد يؤدي إلى إلغاء اتفاقية الغاز مع دولة الاحتلال الإسرائيلي بعد إيجاد مخرج قانوني بفعل الضغوط الجماهيرية بهذا الاتجاه)، ثم تقليص فاتورة الطاقة وضمان أمن الطاقة وثبات تزويدها للأردن.
وعليه فإن استراتيجية الشراكات التجارية الخارجية مع الأردن أدت إلى رفد خزينة الدولة بالعملات الأجنبية من خلال الاستيراد وجباية المستحقات الضريبة المتنوعة.. 
ومن منظور استشرافي، هناك أيضاً اعتماد "خطة التنمية المستدامة لعام 2030 الشاملة والمتكاملة والتحويلية"، والتي تم اعتمادها في سبتمبر 2015 من قبل جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بهدف القضاء على الفقر، ومكافحة عدم المساواة وتغير المناخ على مدى السنوات ال 15 المقبلة. وتقوم في الاساس على حقوق الانسان لتحقيق التنمية المستدامة.. وتركز على التنفيذ على المستوى الوطني حيث تأخذ الدول الاعضاء زمام المبادرة وتقوم بتكييف الخطة بما يتناسب مع احتياجاتها الوطنية.. وهي خطة قطع في تنفيذها الأردن شوطاً لا بأس به رغم العوائق الككثيرة التي تعترض طريق التنمية المستدامة حيث سنجملها في نهاية المقال.. حدث كل ذلك في غضون ال 100 عام التي شهد خلالها الأردن أزمات كبيرة في إقليم ملتهب تمكن من تجاوزها بحنكة واقتدار .. إذن لماذا هذا التذبذب في معدلات النمو الذي يشهده الأردن منذ بداية خطة التنمية المستدامة؟ 
هذا يقودنا للحديث عن المعوقات التي بدون البحث فيها لا يساعد "اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية" على بناء قاعدة للحل..والتي أجملها بما يلي:
أولاً- اتساع قاعدة الفقر والبطالة في ظل غياب العدالة الاجتماعية، وارتفاع الدين العام وعجز بالغ في موازنة الدولة، لأسباب موضوعية مثل تفشي ظاهرة الفساد في الدولة العميقة وانعكاس ذلك على التنمية، ومحدودية الموارد الطبيعية ما دفع بالإردن للاعتماد على الاقتراض وتلقي المعونات التي رهنت قراره في الشؤون الداخلية نسبياً للدول التي تقدم المساعدات الطارئة للأردن.. 
ثانياً- عدم وجود رؤية واضحة لتلك الخطط مما جعلها تخضع لكثير من القرارات الارتجالية دون التركيز على تحفيز الانتاج لزيادة الحصيلة الضريبية فانحصر التركيز على الجباية الضريبية دون العمل على توفير بيئة آمنة للإنتاج في ظل الأزمات المتفاقمة ومنها انتشار وباء كورونا، ثم الاعتماد على المساعدات الخارجية والدخول في أزمة خدمة الدين وإعادة جدولة الديون للاقتراض من جديد! لأن الاستمرار في زيادة الناتج سيكون بالتأكيد هو السبيل الوحيد لرفع معدل النمو وسد عجز الموازنة ، وليس من أموال الضمان أو من الضرائب أو إصدار سندات مالية، ورفع الأسعار للمحروقات والكهرباء مما أثر سلبياً على المستوى المعيشي للمواطنين حيث أسبح يشكل تهديداً للاستقرار السياسي والأمني للدولة والاجتماعي.
ثالثاً:- معاناة الاقتصاد الأردني من جملة تحديات كبيرة على رأسها: 
- تفشي وباء كورونا وانعكاس ذلك على كل مفاصل التنمية سلبياً .
-أزمة اللاجئين العراقيين والسوريين المتفاقمة.
 -اتفاقية وادي عربة وانعكاساتها السلبية على كل نواحي الحياة ما أزم الثقة بين الشعب الأردني والحكومة.. والبدء بمعالجة أخطر مخرجاتها بإلغاء اتفاقية الغاز بعد تشغيلٌ مشروع محطة العطارات لإنتاج الطاقة من الصخر الزيتي في إطار الشراكة مع الصين والمزمع الشروع بتنفيذه هذا العام.
- محدودية السوق المحلي ، وخاصة الأسواق التقليدية للمنتجات الصناعية ، والارتفاع الحاد في محتوى الاستيراد للمنتجات الصناعية على حساب القاعدة الإنتاجية والتحفيز على المنافسة الإيجابية.. والارتفاع في كلّف التمويل لمدخلات الانتاج. 
-التواضع في الإنفاق على البحث والتطوير والدراسات التقييمية والاستشرافية. وتوفير قاعد بيانية تساعد المستثمرين على التجاوب مع حزم القوانين التي تحفز على جذب المستثمرين من باب توفير البيئة الآمنة لهم.
وللخروج من عنق الزجاجة لا بد من خارطة طريق إصلاحية تتشارك فيها كافة القطاعات من أجل تنمية حقيقة تقود البلاد إلى مشارف النجاح، وخاصة أن الزمن لا ينتظر أحداً والتنافس الدولي على أشده، والبقاء للأقوى.. والفرص متاحة لو أحسنت الدولة استغلال الموارد الممكنة ووظفت القروض في أبوابها الصحيحة وسدت المنافذ على الفساد، مستغلة دعم مشروع الأمم المتحدة للقضاء على الفقر بما يسمى "خطة التنمية المستدامة لعام 2030 الشاملة والمتكاملة والتحويلية، والتي تم اعتمادها في سبتمبر 2015 من قبل جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بهدف القضاء على الفقر، ومكافحة عدم المساواة وتغير المناخ على مدى السنوات ال 15 المقبلة ومعالجة ملف حقوق الإنسان وتطوير التعليم عن بعض من خلال توظيف التكنولوجيا، وزيادة التنسيق الفاعل بين وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بزيادة كفاءة شبكة الألياف الضوئية الوطنية بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم، والتي تهدف إلى تنفيذ شبكة ربط التعليم الجامعي والبحث العلمي الجهات والمؤسسات الحكومية ودعم إنشاء الشبكة الحكومية الآمنة.. فالطريق أمام "اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية" عسير وطويل.. ولكن البداية الصحيحة لا بد وتنتحي بمخرجات يمكن بناء الإصلاحات المنشودة عليها.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد