الدوائر الانتخابية في الأردن: نظرة موضوعية (1)

mainThumb

07-07-2021 03:08 PM

أدرك الغرب مبكرا أهمية جغرافية الانتخابات وتقسيم الدوائر الانتخابية وذلك لارتباطها بشكل مباشر بعدالة التمثيل، فالاهتمام بالنظام الانتخابي لتحسين مستويات التمثيل ، مسالة حظيت باهتمام المفكرين والباحثين والمشرعين في الغرب منذ زمن طويل ، من اجل الارتقاء بالمعايير الأساسية للانتخابات. 
اما في العالم العربي فان موضوع جغرافية الانتخابات قد تأخر الاهتمام به على مستوى الوطن العربي، ولم يحظ بالدراسات الكافية أو الاكتراث اللازم، و لم تتمتع مسالة تقسيم الدوائر الانتخابية في العالم العربي بكثير من الاهتمام ، فلم تشكل في يوم من الأيام  حدثا  يستقطب اهتمام الباحثين أو وسائل الإعلام  أو السياسيين، إذ تنفرد السلطة التنفيذية في رسم معالم السياسة العامة للانتخابات ومن ضمنها تقسيم الدوائر الانتخابية  ، ويعزى ذلك إلى  هشاشة الديمقراطية من ناحية، وصعوبة توضيح البعد المكاني للانتخابات ،ولعدم توفر المعلومات الكافية حول النتائج ، والخوف من طرق هذا الموضوع لأسباب سياسية ترتبط بالأنظمة السياسية نفسها ، من ناحية ثانية . إلا أن ذلك بدا بالتغيير منذ قيام ثورات الربيع العربي حيث بدأت مسائل  قوانين الانتخاب ، وتقسيم الدوائر الانتخابية  ونزاهة  وحرية الانتخابات تعتبر  عناصر أساسية في عملية التحول الديمقراطي، وخصوصا أن بعض الباحثين و الفعاليات السياسية بدأت تسوق  أن تغيير الواقع  الاجتماعي وتعزيز عملية التحول الديمقراطي  يتطلب إعادة النظر بتقسيمات الدوائر الانتخابية كجزء من عملية الإصلاح  الانتخابي . 
 وفي الأردن ما زال النظام السياسي يتلاعب بتقسيم الدوائر الانتخابية استنادا إلى الإطار القانوني مع إغفال الجغرافيا والديموغرافيا والتنمية والبعد او القرب من العاصمة وغيرها من معايير  في تقسيم الدوائر الانتخابية ، ويرافق كل ذلك عجز وافلاس  وردائه  في الخطاب السياسي في تبرير او قناع الراي العام بشرعية  او صواب موقف النظام السياسي.
وتأتي هذه المقالة وما سيليها من اجل القاء الضوء على هذا الموضوع بالغ الاهمية و التعرف على التقسيمات الخاصة بالدوائر الانتخابية و العوامل المؤثرة في هذا التقسيم .وكذلك التعرف على المشكلات الخاصة  بتوزيع الدوائر الانتخابية ، وذلك بأسلوب علمي وموضوعي  نظرا لحساسية واهمية الموضوع  وخصوصا في وقت يشهد الأردن فيه مرحلة حراك سياسي كثيف حيث شكل الملك عبدالله الثاني لجنة برئاسة سمير الرفاعي ، وهو رئيس وزراء سابق ومن عائلة تجسد ما يمكن ان نعتبره الاقطاع السياسي في الاردن  في القرن الحادي والعشرون، ولذلك لا تحظى باحترام او قبول الشارع الاردني لأسباب يخرج المقال عن التطرق اليها  ،  ومن ما زاد الطين بلة ان لجنة الرفاعي تكونت من 92 شخصية ،علاقة بعض اعضاءها بالمهمة الموكول اليها، اشبه بعلاقة جدتي المتوفية في منتصف الثمانينات من القرن الماضي ، بأحداث 11 ايلول عام 2011 ، ومع كل هذا التلوث الاصلاحي ،  تتجه الانظار لتلك اللجنة بان تضع تصور او مسودة قانون انتخاب ديمقراطي عصري  ، ويضمن التمثيل العادل للمواطنين ، الامر الذي دفع البعض للمطالبة بإعادة النظر في  توزيع الدوائر الانتخابية ، واعادة تقسيمها و إعادة النظر بعدد أعضاء مجلس النواب وتقليصه من 150 الى عدد اقل باعتبار ذلك نوع من الإصلاح الانتخابي المتأمل ان يودي  يودي الى احداث نقلة نوعية في الحياة السياسية والبرلمانية ، ويؤسس لحياة حزبية فاعلة في البلاد ويضمن التمثيل العادل للمواطنين . 
 ان مسالة تقسيم الدوائر الانتخابية في الاردن ، حيث تنفرد السلطة التنفيذية في رسم وتقسيم الدوائر الانتخابية كجزء من هيمنتها وتحكمها بالسياسة العامة للانتخابات  بما في ذلك  التحكم بنتائج الانتخابات قبل اجرائها ، مسالة فيها الكثير من التعقيد والاشكاليات ، وتثير الحساسية داخل المجتمع ، يرى البعض انه طالما بقيت الدوائر الانتخابية مقسمة بطريقة لا تراعي الزيادة السكانية والمكانية بحيث يكون مجلس النواب ممثلاً حقيقيا  للشعب،  فان أي حديث عن الاصلاح الانتخابي يبقى منقوصا ، ويرى كاتب هذا المقال ان البعض ينظر للمسالة بمنطق ولا تقربوا الصلاة ، ويقول كلمة حق يراد بها باطل ، ومع تزايد وتيرة الاحتجاجات على  اداء مجلس النواب وقوانين الانتخاب وتوزيع المقاعد الانتخابية ، بدا يتبلور الاهتمام بتقسيم الدوائر الانتخابية وعدد المقاعد النيابية المخصصة لكل دائرة ، حيث بدأت بعض الفعاليات السياسية تنادي بان تغيير  الواقع الاجتماعي  يتطلب ليس فقط اعادة النظر بقانون الانتخاب ، وانما ايضا بتقسيمات الدوائر الانتخابية ، كجزء من عملية الاصلاح السياسي  واعادة النظر في الترتيبات الانتخابية ، وفي هذا المناخ  من المتوقع ان يتم وضع مسودة قانون جديد للانتخابات يتضمن تغيير جوهري لقانون الانتخاب ، وربما بعض التعديلات على نظام التمثيل او تقسيم الدوائر الانتخابية من ناحية ، والتأكيد على اجراء انتخابات دورية حرة ونزيهة ، ومحاسبة العابثين بسلامة الانتخابات من ناحية اخرى    . 
الإطار  العام النظري لتحليل الدوائر الانتخابية 
يتم تحديد أو رسم معالم الدوائر الانتخابية من خلال القوانين المتعلقة بالعملية الانتخابية في بلد ما ، ونجد في الديمقراطيات الناشئة  بشكل خاص اهتمام  كبير بتطوير إطار قانوني متكامل يعمل على ضمان  حرية ونزاهة الانتخابات، وكذلك تحقيق العدالة في توزيع الدوائر الانتخابية ، وتعزيز مبادئ المساواة بين المواطنين مما ينعكس إيجابا على مشاركتهم  بفعالية في العملية الانتخابية وخصوصا الشركاء الاساسيين من  الناخبين والأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني ، وبشكل عام يستند الإطار القانوني للدوائر الانتخابية إلى مجموعة من المصادر، من بينها ( المواثيق الدولية، كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان  ، الدستور ، القوانين الوطنية ، اللوائح والضوابط والأنظمة  الموضوعة من قبل السلطات  الوطنية المخولة بذلك ، القرارات الإدارية الصادرة عن الإدارات الانتخابية او الجهات المختصة ) .
اما بالموضوع الثاني وثيق الصلة بالدوائر الانتخابية فهو  أنماط تقسيم الدوائر الانتخابية، اذ تمثل الدوائر الانتخابیة إحدى صور التنظیم المكاني للمجتمع ، ف?ي تقسیمات إداریة یقصد ب?ا تعیین حدود لكل منطقة جغرافیة أو إداریة داخل إقلیم الدولة بصورة واضحة حتى یتسنى تمثیل كافة قطاعات السكان في المجالس النیابیة بعدد من النواب یتناسب وحجم القوة التصویتیة لكل منطقة ، مع الاخذ بعين الاعتبار العوامل الجغرافية والاقتصادية والتنموية . 
وتقتضي معظم النظم الانتخابية تقسيم الدوائر الانتخابية وتحديد عدد المقاعد والناخبين في كل دائرة، وكيفية حساب الأصوات، إضافة إلى العديد من الجوانب الأخرى التي تتسم بها العملية الانتخابية  بطريقة شفافة ووفق اسس منطقية منطقية ،فقد تتبع حدود الدوائر التقسيم الإداري وقد تتم على أسس أخرى ، وبما أن لعملية تقسيم الدوائر تبعات سياسية هامة، فيجب تنظيمها في القانون الانتخابي ، أو يتم إعادة ترسيم الدوائر بصورة جزئية ضمن قانون خاص يصدر عن رئاسة الوزراء كما هو الحال في الأردن أو ضمن نفس القانون كما هو حال القانون الانتخابي المصري .
  ومن الأسس العالمية المعتمدة في تنظيم عملية ترسيم حدود الدوائر الالتزام الدولي الخاص بالاقتراع المتساوي وذلك وفقا لنصوص المادة 25 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، حيث جاء فيها يكون لكل مواطن دون أي وجه من وجوه التمييز الحق ان ينتخب وينتخب، في انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري، تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين، وبناء  عليه لا يجب أن تؤثر عملية ترسيم الدوائر في أصوات الناخبين المنتمين إلى مجموعة معينة أو القاطنين في مكان معين من الدولة ويتخـذ توزيع وتقسيم الدوائر الانتخابية نمطين رئيسين هما على النحو التالي :
أ‌- عدالة التوزيع : ويتمثل في التناسب بين عدد السكان في الدائرة وعدد المقاعد المخصصة لها . ويأخذ سوء التخصيص شكلين: الأول منهما تكون نسبة المقاعد المخصصة أكبر من نسبة السكان، أي أن عدد السـكان في الدائرة أقل من عددهم في الدوائر الأخرى التي خصص لها نفس العدد من المقاعد، وهو ما يعرف بارتفاع مستوى التمثيل .أما الثاني عكس الأول حيث تكون نسبة المقاعد المخصصة أقل من نسبة السكان، أي أن عدد السكان في الدائرة يكون أكبر من عددهم في دائرة أخرى لها نفس العدد من المقاعد، وهو ما يعرف بانخفاض مستوى لتمثيل . وهذه الأسس تفترض المساواة بين السكان في العوامل الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والتنموية الخ .
ب‌- تناسب توزيع الدوائر الانتخابية: بحيث  يستند رسم حدود الدوائر الانتخابية  إلى اعتبارات حزبية سياسية أو اعتبارات جغرافية كالاهتمام بسكان الدائرة نتيجة خصائصهم العرقية والدينية واللغوية والأثنية وتوزيعهم الجغرافي .  
ترسم حدود الدوائر الانتخابية تقسيماتٍ جغرافية بهدف تمكين الشعب من انتخاب ممثّليه. وتتشكّل هذه الدوائر من مجموعات فرعية تضمّ كافة الناخبين المؤهلين في الدولة، محدّدةً الأشخاص الذين يستطيعون الإدلاء بأصواتهم لانتخاب من يمثّل منطقتهم الجغرافية ومصالحهم الاجتماعية والسياسية. وتكون الدوائر الانتخابية مستندةً عادةً إلى مبادئ التصويت المتساوي والنسبية في حال التساوي في الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، مما يعني أنّه في حال كانت دائرتان تنتخبان مقعداً واحداً لكلٍّ منهما في البرلمان، يجب أن تضمّ هاتان الدائرتان عدداً مماثلاً من الناخبين، كي يملك كافة الناخبين فرصةً متساوية في تحديد حكّامهم. في هذا الإطار، تعتبر البيانات السكّانية أساسية لترسيم حدود الدوائر الانتخابية. ويمكن أن تكون عبارة عن إحصاءات سكّانية مستندة إلى بيانات تسجيل الناخبين.  ويوفّر الوصول إلى البيانات المتعلقة بترسيم الدوائر الانتخابية فرصةً لتقييم "مدى المساواة في التصويت" من خلال مقارنة نسبة الناخبين على الممثّلين عبر مختلف الدوائر. فضلاً عن ذلك، يمكن للمجموعات أن تحدّد، بعد الاطلاع على بياناتٍ بشأن حدود الدوائر الانتخابية، أوجه التمييز عند ترسيم الحدود أو أدلةً على "تقسيم كيفي للدوائر، وتؤسس الدول عادة مجموعة من القواعد الرسمية أو المعايير الخاصة بترسيم حدود الدوائر الانتخابية. وتندرج هذه القواعد عادة في قانون الانتخابات، وقد توجد في بعض الأحيان في دستور الدولة. وهناك العديد من المعايير الأساسية التي تأخذ بها كثير من دول العالم عند تقسيم الدوائر الانتخابية ومن أهمها: المساواة في عدد السكان في الدوائر المختلفة وـ التطابق مع الحدود الإدارية في الدولة واحترام الحدود الطبيعية والخصائص الجغرافية والمساحة الجغرافية للدائرة الانتخابية وغيرها 
وهناك بعض المؤشرات التي يمكن من خلالها الكشف عن مظاهر سوء التقسيم الجغرافي للدوائر الانتخابية:
أولا: قياس درجة التطرف : وذلك برصد العلاقة بين عدد الناخبين في أكبر الدوائر وأصغرها ، فمثلاً : إذا كانت الدائرة الأكبر تضم عدداً من الناخبين يبلغ 60000 ناخبٍ والدائرة الصغرى تضم عدد من الناخبين يبلغ 20000 ناخبٍ ؛ فإن ذلك يشير إلى أن كل صوت في الدائرة الثانية يعادل ثلاثة أمثال نظيره في الدائرة الأولى . 
ثانيا: قياس معدل الانحراف: عن طريق مقارنة حجم كل دائرة بالمتوسط العام للدوائر الانتخابية الذي يمكن الحصول عليه بقسمة عدد الناخبين على المستوى القومي على العدد الكلى للمقاعد. 
فإذا كان المجموع الكلى لعدد الناخبين  2.272.182مليون ناخب ، وعدد الدوائر الانتخابية 117  دائرة ؛ فإن متوسط عدد الناخبين في كل دائرة يكون 19420 ألف ناخب ، وإذا لم يكن هناك انحراف عن هذا المتوسط (أي أنه يساوى صفراً) فلا يكون هناك سوء توزيع جغرافي للناخبين بين الدوائر الانتخابية ، أما إذا كانت الانحرافات كبيرةً عن المتوسط فهذا يعنى سوء توزيع جغرافي للناخبين بين الدوائر الانتخابية . ويصدق هذا المقياس في حالة التطبيق على أي من النظامين الانتخابيين (القائمة – الفردي. 
وتتراوح نسب الانحراف العالمية بين الحد الادني المطبق في الولايات المتحدة والذي لا يتجاوز 1% فيما الحد المتوسط للانحراف 3%  إلى 10%  ، كما هو الحال في استراليا ومقدونيا وألبانيا، ونسبة انحراف في حدها الأعلى من 15-25 % كما هو الحال في  ارمينا وألمانيا،  وكندا والمملكة المتحدة 
ثالثا: قياس نسبة الانحراف : وذلك بحساب نسبة سكان كل محافظة إلى العدد الكلى للسكان ونسبة المقاعد في كل محافظة إلى العدد الكلى للمقاعد ، والاختلاف بين النسبتين يعطى نسبة الانحراف بالسلب أو بالإيجاب عن التخصيص الأمثل
 
يتبع  ان شاء الله  .
 
 
*الكاتب أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك وخبير دولي بدراسات الديمقراطية وحقوق الانسان 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد