الدوائر الانتخابية في الأردن: نظرة موضوعية (2)

mainThumb

08-07-2021 09:20 PM

يبين تحليل تقسيم الدوائر الانتخابية في الأردن بلغة الأرقام  وبالاستناد الى بيانات الهيئة المستقلة للانتخاب الى جملة من الحقائق منها : 

ارتفاع مستوى التمثيل في المحافظات( الكرك، الطفيلة، معان ، العقبة ) وهي المحافظات التي يتركز فيها  الشرق اردنيين الذين كانوا تاريخيا  العمود الفقري للنظام السياسي  وربما يتم الحديث الان عن تقليص تمثيلها بحجة المساواة مع بقية الدوائر وهذه مساواة كانت ستكون مقبولة لو كانت ظروف هذه المحافظات متشابهة مع محافظات العاصمة او غيرها فالمساواة تكون بين المتساووين .
 
ارتفاع مستوى التمثيل في مناطق البدو ،  وهي المناطق التي تمتاز بالولاء التاريخي للنظام السياسي الأردني . كما أنها مناطق غالبا ما يتم الانتخاب فيها على أسس عشائرية وهويات فرعية وقبلية  وترتفع الان أصوات تنادي بإلغاء هذه الدوائر ودمجها مع محيطها الجغرافي بدعاوي الحداثة واستقرار البدو  او انتهاء عصر البدواة . 
 
لاشك ان المساواة هي قيمة إنسانية نبيلة ولكن المساواة بين غير المتساووين ربما تسبب الظلم والتهميش والحرمات فمساواة الطفيلة ومعان ومناطق البادية بالعاصمة عمان من حيث التمثيل النيابي بالاستناد الى معيار السكان فقط واغفال المعايير الأخرى هو تفكير عقيم ولا يمكن ان  يسوق الا في اطار مشاريع كبرى وعلى حساب الأردن 
ب - معدل التباين في تقسيم الدوائر الانتخابية في الأردن
 
تستند القاعدة الأكثر قبولاً وعلى نطاق واسع لشكل تقسيم الدوائر الانتخابية على انه يجب على الدوائر الانتخابية أن تكون متساوية نسبياً في أعداد  السكان، حيث يعتبر التمثيل من خلال تعداد السكان مبدأً أساسيا من مبادئ الديمقراطية، وتعتبر الدوائر الانتخابية المتساوية في أعداد السكان ضرورية إذا ما أردنا أن يتحلى الناخبون بأصوات ذات وزن متساوي في عملية الانتخابات.    
 
يتضح من استعراض نسبة الانحراف في المحافظات المختلفة  وفق بيانات الهيئة المستقلة للانتخاب انه كانت أعلى معدلات الانحراف في محافظات ( معان، الطفيلة ) حيث بلغ بحدود (10) الاف ناخب في كلتا المحافظتين وبنسبة انحراف عالية جدا بلغت ( 52%) في محافظة معان و(51%) في محافظة الطفيلة ،  تلاها متوسط النسبة في مقاعد البدو في الشمال والجنوب والوسط ( 7738  ناخب )  وبنسبة انحراف بلغت (39%) ،  ثم محافظة الكرك (  7120  ناخب   )  وبنسبة انحراف ( 36%)  ثم محافظة ( العاصمة) وبنسبة انحراف(30%) والمفرق بنسبة انحراف  ( 24%) والزرقاء بنسبة انحراف (18%) ، وهي نسب عالية من الانحراف، وتدل على سوء توزيع الدوائر الانتخابية في المحافظات ذات الكثافة السكانية الكبيرة، 
 
يعد ترسيم حدود الدوائر الانتخابية رابطاً جغرافياً متيناً بين الناخبين وممثّليهم، مما يتيح لهؤلاء الناخبين محاسبة نوّابهم على أفعالهم.
 كما يبين ترسيم الدوائر الانتخابية مدى المساواة في التصويت من خلال مقارنة نسبة الناخبين على الممثّلين عبر مختلف الدوائر وفي انتخابات عام (1989 ) كان هناك (20 ) دائرة انتخابية ، ونظام انتخابي مفتوح ( نظام القائمة المفتوحة (الكتلة) ، مما أتاح للأحزاب الأردنية الإسلامية واليسارية الفوز ب( 37) مقعدا في انتخابات  ، وقد تميز برلمان عام (1989 ) بالقوة في تكوينه وفي مظاهره وفي شخصياته السياسية وبذلك كان مزعجا للنظام السياسي . 
 
  
الخلاصة التي نصل اليها في النهاية انه  اتسمت العملية الانتخابية في الأردن بالهشاشة وعدم النضوج، فقد أدى استمرار تغيير قوانين الانتخاب والأنظمة الانتخابية وعدم عدالة توزيع المقاعد الانتخابية من ناحية ، واستمرار العبث بالانتخابات من ناحية أخرى إلى فقدان العملية الانتخابية الجدوى والمصداقية، فأصبحت انتخابات بلا ديمقراطية أو حتى مشاركة شعبية واسعة ، كما أدى إنشاء الهيئة المستقلة للانتخاب  إلى إضفاء شرعية شكلية أو منقوصة على العملية الانتخابية ، فقد كان من المفترض أن تكون الهيئة مسؤولة عن نزاهة وسلامة العملية الانتخابية ، إلا أن الهيئة لم تكن بمستوى الطموح أو المسئولية، ففقدت الكثير من مصداقيتها ، كما أنها فشلت في بناء علاقات جيدة مع الشركاء الأساسين وخصوصا  الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والمجتمع الأردني بشكل عام .  
 
 وخلال ربع قرن من إقرار قانون الصوت الواحد الذي اتخذ أشكال متعددة ، وما رافقه من تلاعب في تقسيمات الدوائر الانتخابية ، لم تفرز الانتخابات النيابية مجالس نيابية تحظى باحترام وقبول المجتمع الأردني . فقد فشلت كل اللجان والندوات والحوارات الحكومية في التوافق على إيجاد قانون انتخاب عصري ، وتوزيع عادل للدوائر الانتخابية ينص عليه القانون صراحة ، ولم يتم بلورة إطار قانوني كامل يعمل على ضمان التمثيل العادل للمواطنين  وضمان استقلالية ونزاهة العملية الانتخابية ومحاسبة العابثين بسلامة الانتخاب،  وتعزيز المسيرة الديمقراطية في البلاد .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد