اللغز الكبير والأسباب الحقيقة لقرار قيس سعيد بتجميد البرلمان التونسي

mainThumb

31-07-2021 05:01 PM

المشهد التونسي الراهن
أصدر الرئيس التونسي قيس سعيّد مرسوماً رئاسياً بتجميد البرلمان ورفع الحصانة عن النواب وفق الصلاحيات الممنوحة للرئيس أثناء تعرض البلاد لخطر داهم بناء على الفصل 80 من الدستور التونسي، ويبقى القرار سارياً حتى الشهر أو أقل منه. وتم تعطيل عمل السلطة التنفيذية بعد عزل رئيس الحكومة هشام المشيشي الذي قام بتعيينه بنفسه، وذلك بسبب خضوعه لسيطرة إئتلاف الغالبية النيابية المتمثلة بحزب النهضة وقلب تونس.
وتلا هذا القرار سلسلة من الإجراءات التي قيل بأنها وقائية مثل إغلاق مكاتب الجزيرة في تونس وفرض حظر التجوال.. ولاحقاً تم إقالة مدير التلفزيون التونسي الرسمي بعد منعه صحفيين من دخول مقر القناة.
 
قرارات إصلاحية لمحاربة الفساد
  وقال الرئيس قيس سعيد بأنه سيصدر في وقت لاحق نصاً قانونياً ينظم صلاحيات قانونية تسمح باسترجاع الأموال المنهوبة وذلك أثناء استقباله وزير الصناعة والتجارة         الخميس، منوهاً إلى أن رؤيته تتضمن إلزام من تورطوا في نهب الأموال العامة بتمويل مشاريع في المناطق الفقيرة كما قال إن نواب في البرلمان استغلوا تمتعهم بالحصانة وذلك لتحقيق مصالحهم.. وهذا يفسر قرار رفع الحصانة عن النواب، ويبدو أنه جاء لضغط عليهم أثناء إبرام الصلح الجزائي مع المتورطين من النواب في نهب أموال الشعب.
وقال بأن لديه قائمة بالأسماء، ويجب أن تعود هذه الأموال إلى الشعب من خلال إبرام صلح جزائي وفق ترتيب أسمائهم تنازلياً من الأكثر تورطاً حتى الأقل منهم.. فهل يوحي بذلك إلى ما يقوم به حزب النهضة من نشاطات تنموية في المناطق الفقيرة من باب الاستثمار التي تنحصر عائداتها على الحزب، وخاصة أن المناوئين للحزب يتهمونه باستغلال التبرعات وأموال الصدقات لغايات استثمارية. 
وهذا قد يفسر أيضاً سبب عقد قيس سعيد اجتماعاً مع المجلس الأعلى للجيوش، الذي يضم قيادات أمنية عليا في قصر قرطاج.. ولم تقدم الرئاسة أي تفاصيل عن ذلك.
 
 رئيس جماهيري وأجندة وطنية
وكان قيس سعيد الذي تبنى شعار استقلالية القرار التونسي قد تحصل على 72.71% من الأصوات في انتخابات 2019، متفوقا بذلك على منافسه نبيل القروي المؤيد للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي الذي تحصل على نسبة 27،29%
وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية في دورتها الثانية، 55%. 
 
 المعارضة ترد على الرئيس على النحو الآتي:
أولاً:-  رئيس حزب النهضة، رئيس البرلمان راشد الغنوشي ممثل الأغلبية النيابية وصف قرار الرئيس بأنه انقلاب على الدستور "دكتاتورية دستورية"..  لأن الدستور التونسي وفق التفسير القانوني للفصل أعلاه يلزم الرئيس بتدارس تفاصيل القرار قبل تشريعه، فيما يبقى البرلمان في حالة انعقاد، والرئيس لم يحدد ماهية الأخطار التي استرعت اتخاذ ذلك القرار،  وما حدث جاء خلاف ذلك تماماً.
ثانياً:- توافقت الأحزاب التونسية ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان على ضرورة وضع الرئيس لخارطة الطريق واضحة المعالم لحل الأزمة درئاً للعواقب الوخيمة التي قد يؤدي إليها إبقاء الوضع على حاله.
حتى اللحظة، ليس هناك برنامج سياسي واضح للرئيس التونسي، قيس سعيد، يستطيع من خلاله تحديد أبعاد السياسة الخارجية والداخلية التي سيؤسس على أساسها تحرّكاته. هو يستند فقط إلى أمرين: في السياسة الخارجية، فيما يتعلق بمسألة التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهذا يجعله في مرمى النيران من دولة الاحتلال الإسرائيلي وحلفائها في المنطقة والحكومات الغربية. وفيما يتعلق بالأمر الداخلي، خاصة بالسياسات الاقتصادية. صحيح أن الحكومة هي المنوط بها رسم السياسة الداخلية، ولكن ليست واضحةً بعد معالم الخطة التي سيسير عليها.
 
ثالثاً:-  رفض الرئيس في فبراير الماضي لأداء الوزراء الجدد اليمين أمامه؛ لذلك حاول الائتلاف البرلماني الحاكم (النهضة وقلب تونس) تجاوز مأزق أداء اليمين الحكومي من خلال تعديل قانون تشكيل المحكمة الدستورية - التي فشل النواب في انتخاب ثلث أعضائها منذ سنة 2015 - بغية منع احتكار الرئيس لتأويل المواد الدستورية. 
وهذه محاولة لتحجيم صلاحيات الرئيس الدستورية الأمر الذي من شأنه إفشال خططه التنموية الإصلاحية، فتظل الدولة عرضة للأزمات المتفاقمة ما قد يؤدي بها إلى الإفلاس؛ لذلك رد قيس سعيد القانون إلى البرلمان متعللاً بتجاوز الآجال الدستورية للمصادقة على هذه المؤسسة التي يخول لها تأويل النص الدستوري.. ما أفسح المجال أمام الرئيس التونسي في الظرف الراهن، لتأويل الفصل 80 حتى يتوافق ورؤيته التي شملت قراره المفصلي الأخير الذي فجر المشهد السياسي على حساب الديمقراطية وفق ما تراه المعارضة، ولكن الشريحة الأكبر من الشعب التونسي اعتبرها طريقة ناجحة للعلاج بالكي وإخراج البلاد من عنق الزجاجة؛ لذلك تم تأييد قرار قيس سعيد جماهيرياً خلافاً لغالبية الأحزاب.
 
تونس شارفت على الإفلاس فهل وجد الرئيس طريقه للحل؟
الأعباء الاقتصادية أدخلت تونس في مأزق استلزم من رئيس تونس تعطيل ما يرى بأنها معوقات تشريعية التي من شأنها هدر الوقت، لوضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بالإصلاحات الطارئة، وفي غياب برلماني وإقصاء للمحكمة الدستورية، في ظل أزمة اقتصادية متفاقمة أدت إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3 بالمئة على أساس سنوي خلال الربع الأول 2021، مع استمرار الضغوط الناتجة عن جائحة كورونا، وبطء عمليات التلقيح محليا، واستمرار إغلاق مرافق حيوية.. وتعطل قطاعات رئيسة في البلاد، أبرزها السياحة التي دخلت العام الثاني من التوقف، مع استمرار المخاطر الصحية حول العالم، بينما تباطأت قطاعات كالإنشاءات والخدمات.. وازدادت البطالة إلى معدلات قياسية.
وبعد قرار الرئيس بتجميد البرلمان وتعطيل الحكومة توقفت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي بدأت منذ 18 مايو الجاري، بهدف حصولها على قرض جديد بعدما تدخلت فرنسا لتحقيقه وفق الاتفاقية الفرنكوفونية ووعود فرنسا بتقديم الدعم الاقتصادي لتونس وهو ما يراهن عليه الرئيس قيس سعيد، مقابل تقديم تونس برنامج اقتصادي يتضمن إصلاحات أساسية من بينها إلغاء الدعم وتقليص كتلة الأجور.. وقد توقفت هذه المفاوضات بانتظار خروج تونس من الأزمة الحالية المتفاقمة.
وتقدر حاجة تونس من التمويلات بـ 18.5 مليار دينار (6.72 مليارات دولار) متوقعة في ميزانية 2021، ويمكن أن تصل إلى 22.5 مليار دينار (8.18 مليارات دولار)، نتيجة عدة عوامل من بينها ارتفاع سعر البترول.
واعتبرت المعارضة أن تحقيق نمو إيجابي غير ممكن حاليا، نتيجة توقف محركات الإنتاج وتفاقم العجز في الميزانية واستئثار الدولة بالتمويل، وارتفاع سعر البترول.
 
المَخْرَج الفرنكفوني ورفض تونس للتطبيع مع تل أبيب
فمنذ فوزه بالانتخابات عام 2019، وتشكيل حكومة الياس فخاخ الذي يعتبر من "فتيان الفرنكوفونية" والذي رغم إقالته بضغوطات برلمانية قاده إئتلاف الغالبية (النهضة وقلب تونس) إلا أن علاقته بالسيناريو الفرنسي تجلى بقرار قيس سعيد بالموافقة على عمل اتفاق فرنسي تونسي يقضي بالعودة إلى فتح مكاتب الفرنكوفونية المشروطة بالاستقلالية المطلقة لانعاش الاقتصاد التونسي وإدخال الرساميل إلى تونس والتدخل لدى صندوق النقد الدولي لجدولة ديون تونس وإقراضها من جديد، ويبدو أن قرار قيس سعيد جاء كخطوة عملية لتنفيذ هذا السيناريو الذي يحمل في طياته إنقاذ تونس وفق رؤية الرئيس، بعدما خفت حدة الضغوطات الأمريكية التي مارسها ترامب في وقت سابق لجر تونس إلى التطبيع الذي يعتبر من المحرمات في تونس على المستويين الرسمي والجماهيري.. إلى درجة أن صحيفة يديعوت أحرونوت اعترفت بأنه في "إسرائيل" أيضاً يتابعون التحوّلات في تونس، في أعقاب ما يسمونه ب "الانقلاب" الذي أعلن عنه سعيّد، حيث منع الإسرائيليين من دخول تونس وأوضح أن "كل من يُمسك به وهو يُجري اتصالات مع إسرائيليين أو يهود، سيُعاقب بشدة".
لذلك فهم في "إسرائيل" يخشون من أن يحاول الرئيس التونسي ممارسة تأثيره في البلد الجار، المغرب، لإثارة المعارضة للاتفاقات مع "إسرائيل". 
 لأن دعم القضية الفلسطينية من ثوابت السياسة التونسية والشعب التونسي وقد أقر بذلك الرئيس التونسي نفسه عام 2019 في سياق خطاب التنصيب. 
وأخيراً..
نتمنى الخير والسلام لتونس الخضراء التي تعاني من تشرذم سياسي وأزمة اقتصادية خانقة، ونرجو أن يتمكن الرئيس سعيد من إنقاذ بلاده ومن ثم العودة الى الحياة الديمقراطية بأسرع وقت ونهوضها اقتصادياً دون خضوعها لاجندة التطبيع التي تستهدف تونس! وهذا توجه يقلق أعداء تونس وعلى رأسهم الكيان الإسرائيلي (كما أشرنا آنفاً) وحلفائه، تؤازرهم منظومة الفساد المستشري في تونس، ولنكن أكثر حذراً من تهميش القضية وتبهيتها وتفريغها من محتواها لشرذمة الأسباب الحقيقة للأزمة بتصويره وفق الأجندة الصهيونية بأنه صراع بين الليبراليين تؤازرهم الدولة وحزب الأغلبية، النهضة، الذي يمثل الأخوان المسلمين.. وهذا هراء فالأزمة وعناصرها محلية وتقاطع الأجندات في بلد يتمتع بأهمية استراتيجية كتونس واردة ولا ينكرها إلا جاهل بتفاصيل المشهد التونسي الذي نتمنى أن يصبغ بلون الأمل والنمو الأخضر.. لنتباهى بتونس الخضراء كما رسخت في عقولنا منذ استقلالها..
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد