سر بئر الطويل بين مصر والسودان

mainThumb

13-08-2021 04:36 PM

 حصاد أحلامه بدأ من هذه الفكرة المجنونة.. حينما عثر على كنزه المتواري في الصحراء بين الحدود المصرية السودانية.. فبعد خروج الاحتلال البريطاني من وادي النيل، ظلت هذه المنطقة خارج منطقة الخلاف بإرادة المستعمر حينما تركها فُتَاةً خارج موائد اللئام، لتسد جوع حالم أراد أن يلبي رغبة ابنته الصغيرة في أن تصبح أميرة..

أميرة! في زمن الممالك المتناحرة التي لا يوجد مداس لأمثاله في رياضها المحتكرة للأقوياء! 
وحينما وقعت عيناه على ذلك الكنز الدفين حبك خيوط لعبته المدهشة دون أن يعترض على تفاصيلها أحد.
بدأت القصة من سؤال بسيط من الطفلة الصغيرة “إيميلي” عندما كانت تُلاعب والدها “جيريمايا هيتون” في عام 2014، حيث قالت له هل يمكنني أن أكون أميرة يوماً ما فأجابها بالطبع ستصبحين، ولأن الأب لا يحب أن يعطي وعوداً كاذبة لابنته المدللة، فقد قام بالبحث وعثر أخيراً على أرضٍ تقع بين مصر والسودان وتدعى “بئر طويل” لينصب بعدها ابنته أميرة عليها. 
تقع (بير طويل) على الحدود المصرية السودانية، وهي قطعة صغيرة من الأرض الفريدة، فلم تطالب بملكيتها أية دولة على الإطلاق، فلا مصر ولا السودان يرغب في ضمها إلى حدود بلاده.. فأين تقع هذه الأرض التي يأنف عن المطالبة بها خصمان لدودان تلتف حدودهما من حولها كأفعيين انشغلا عنها في التناحر على أرض مجاورة تدعى حلايب.. فشتان ما بين أرض يباب وأخرى تداعب أمواج البحر شواطئها!
تتصف أرض (بير طويل) بشكلها الذي يشبه شبه منحرف، وتقدر مساحتها بـ2000 كم مربع، وتقع في أكثر بقع شمال إفريقيا عزلة، فلا يوجد في هذه المنطقة سوى الصخور والرمال، بدون أي طرق معبدة أو مصادر غذائية طبيعية فلا يمكن بذلك لأي شخص أن يعيش فيها.
والغريب في الأمر أن كل من مصر والسودان يرفضان أن يضماها إليهما، لكنها منطقة ساحرة بالفعل، حيث يسود الهدوء في المكان ولا يوجد سوى تحركات بعض القبائل بين الحين والآخر.. ولم يلتقط هذا الجمال إلا الملك القادم إليها من ولاية فرجينيا الأمريكية. 
فبعد عثور الأب الأمريكي “جيريمايا هيتون” على منطقة “بئر طويل” على الإنترنت قام بشد الرحال إليها في رحلة استمرت 14 ساعة، ثم عبر إليها خلال الصحراء المصرية الشرقية طاوياً المسافات تحت الشمس الملتهبة في زمن بليد، والعرق يغسله من رأسه حتى أخمص قدميه، كان يمتطي جملاً متمايل الخطوات وئيد الحركة، ممل الرغاء، في ركاب قافلة من الجِمال والعربات قادماًً إلى مشارف حلمه في رحلة خيالية طويلة، من ولاية “فيرجينيا” الأمريكية حتى وصل الى منطقة “بئر طويل” في رمضاء مصر، وفي ذهنه أن الأحلام التي لا تتحقق تُدْفِنُ صاحبَها في الاكتئاب.. وتميته قهراً.. فلم الانتظار!
وحينما ظفر “جيريمايا هيتون” بضالته، شعر بأنه في حاضرة الفردوس المفقود.. أو مدينة إطلانتس المفقودة.. فسجد على ركبتيه يشكر ربه، ثم انتصب واقفاً كالملوك، وراح يخاطب في خياله أركان مملكته.. مجلس الأمة والأعيان والسلطة التنفيذية والقضاة وعامة الشعب الهاتفين باسمه.. وبصوته الجهوري الذي اهتزت له السماء وارتجفت من وقعه القلوبـ أعلن صاحبنا نفسه ملكاً على "بئر الطويل"، وحقق حلم ابنته “إيميلي” بأن تكون أميرة، وفي عيد ميلادها الواقع في 16 حزيران عام 2014 قام بمفاجأتها برفع العلم الأزرق الذي صممه أولاده الثلاثة وهم الأمراء: “جاستن” و “كاليب” و “إيميلي” ليمثل عائلتهم وهو يتألف من ختم ملكي وعليه ثلاث نجوم وسُمي بعلم “مملكة شمال السودان”. 
على رسلكم يا أصدقائي، إن للقصة بقية..
فعلى الرغم من أن الكثيرين حاولوا السيطرة على منطقة “بئر طويل” وجعلها ملكهم إلا أنهم قاموا بذلك فقط على الإنترنت، ولهذا يعتبر الملك “جيريمايا” هو صاحب الجلالة لأرض كانت يباب فحولها إلى فردوسه الأثير، وظلت إلى الآن يانعة خضراء في خياله الخصب، وفي نظر الآخرين أرض قاحلة يحكمها مجنون فرض نفسه عليها رغم أنها بلا شعب ولا دستور ولا سلطات ثلاث متصارعة على الوهم كدأب الممالك المجاورة.. حصل ذلك في غفلة من العالم.. فقط لأنه الشخص الوحيد الذي يحق له أن يكون ملكاً عليها. 
وفي خطوة عملية لتقريب الواقع من الخيال، وكأنها أولى خطواته الدبلوماسية كوزير خارجية لحكومة مبهمة، باتجاه جلب الدعم والتأييد لخطوته المجنونة، ورغبة منه لجلب السكان كي يشكلوا نواة شعبه في هذه الأرض الرملية النائية والبدعة غير المألوفة في زمن تفوق فيه الافتراض الخيالي على الواقع، وبعد عودة “جيريمايا” من رحلته الى مسقط رأسه ولاية فيرجينيا، قام هو وزوجته بتصميم تاج صغيرة لابنته طالباً من الجميع بمناداتها بالأميرة “إيميلي”، وقام أيضاً بتصميم سريرٍ خاص بها يشبه أسرّة القلاع الملكية. وفي المرحلة القادمة أكد “جيريمايا” أنه ينوي جعِل كل من مصر والسودان أن تعترف بـ”مملكة شمال السودان” وجعلها منطقة زراعية يستفاد منها، كما عبرّت الأميرة “إيميلي” أيضاً عن رغبتها في مساعدة أطفال تلك المنطقة ومدهم بالدعم والغذاء الكافي. تقول “شيليا كارابيشو” بروفيسورة العلوم السياسية والدراسات الدولية في جامعة “ريتشموند”، “أن من الغير ممكن أن تصبح هذه المنطقة تحت سيطرة هذه العائلة من دون أن تعترف الأمم الأفريقية الأخرى بها ومن دون اعتراف شرعي من الدول المجاورة”، كما أضافت أنه “يبقى مجهولاً إن كان أحد يملك أجزاء من هذه الأرض كونها جزءاً من دولة أم لا. فالاعتراف الدولي يتطلب الكثير من الجهود الدبلوماسية”. لكن يبدو أن “جيريمايا” وعائلته لم يأبهوا بهذا الكلام حيث قامت العائلة بخَتم الرسائل بخِتم “مملكة شمال السودان”، وقام أحد الأبناء بصنع أطباق عليها علم المملكة، كما أضاف “جيريمايا” أن الناس سيرحبون بفكرة وجود أمة تهدف الى مساعدة الآخرين، وبذلك يبدو أن “جيريمايا” سوف يفعل المستحيل لإسعاد من يحبهم.
أما لماذا لا يوجد نزاع على أرض حدودية بين بلدين يختلفان على منطقة مجاورة تدعى "حلايب" فحسب أقوال البلدين فهذه الأرض لا تحمل أي فائدة اقتصادية وهو السبب الرئيسي لرفضهما ضمها.. ما أتاح المجال للأب “جيريمايا هيتون” ليبذر أحلامه في حرث هذا المكان النائي المعزول والمحجوب عن أشداق الجشع الإنساني؛ لينصب نفسه ملكاً دون شعب، وليعلن ابنته أميرة عليها، ولا شك سيقيم البنيان والمرافق العامة والخاصة وسيطوف شوارع مملكته وفي يده الصولجان وفي مخيلته المدهشة أن شعبه يصطف على جانبي الطرقات المكتظة بالحوانيت والمركبات والبشر، هاتفين باسمه" عاش الملك". 
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد