الكون كله يغار على توحيد الله

mainThumb

23-12-2021 04:05 PM

                                     بسم الله الرحمن الرحيم

 
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي لم يتخذ والدا، ولم يكن له شريك في الملك، وخلق كل شيء فقدره تقديرا..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد 
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، بلغ الرسالة وأدّ الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين من ربه، تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. 
أما بعد فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدْي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، أجارنِ الله وإياكم من البدع والضلالات. 
 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) الأحزاب: 70_71.
أيها الأحباب الكرام في الله: 
نقف وإياكم في هذه اللحظات الإيمانية مع تعظيم الله جل جلاله، فهو الذي يستحق التعظيم، والتمجيد سبحانه وتعالى.
سبحان من لو سجدنا بالجباه له * على حمى الشوك والمحمى من الإبر
لم نبلغ العـشر من معاشر نعـمته * ولا العُشير ولا عشراً من العشر
هو الرفيـع فلا الأبصـار تدركه * سبحـانه من مليك نافـذ القدر
سبحان من هو أنسي إذا خلوت به * في جوف ليلي وفي الظلماء والسحر
أنت الحبيب وأنت الحب يا أملي *** من لي سواك ومن أرجوه يا ذخر
عباد الله: نعيش دقائق معدودة مع عبودية الكون لله سبحانه، هذا الكون كله من بره وبحره ، من سماواته وأرضه، من جنه وإنسه، من جماده وحيوانه، الكل يذعن بالعبودية لله وحده لا شريك له، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُۥ مَن فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِى ٱلْأَرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ) الحج: 18
هذا الكون كله يسبح بحمده سبحانه وتعالى: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ) الإسراء: 44
معاشر المسلمين الموحدين:
هذا الكون كله يغار على توحيد الله، يغار إذا اتُّخِذ لله ولدا، الكون يفزع كما قال بعض المفسرين، السموات تفزع، الجبال تفزع، الأرض تفزع، كل المخلوقات تفزع إذا اتخذ لله ولدا، إذا اتخذ لله إلها، قال جل وعلا: ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) سورة مريم: 88_ 95 
أيها المؤمنون الموحدون: 
أُمّةُ التثليث يقابلها أُمّة التسبيح، أمة التثليث؛ الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة، كما قال الله عنهم، ( لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (73)
قالت النصارى: المقصود بالثلاثة، الله، والمسيح وأمه، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، ويأتي من المسلمين من يهنئهم بعيدهم كما يدعون، كأنك تقر بما يقولون، وبما يفترون على الله كذبا وزورا، فتهنئة الكفار بعيد الكريسمس أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق ، كما نقل ذلك ابن القيم – يرحمه الله – في كتاب ( أحكام أهل الذمة ) حيث قال : " وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق ، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم ، فيقول: عيد مبارك عليك ، أو تهْنأ بهذا العيد ونحوه ، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثماً عند الله ، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس ، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه ، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ، ولا يدري قبح ما فعل ، فمن هنّأ عبداً بمعصية أو بدعة ، أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه ." انتهى كلامه – يرحمه الله - .
إذا إخوة الإيمان، فأمة التثليث يقابلها أمة التسبيح؛ فأمة التوحيد أمة مسبحة لربها، منزهة له عن كل نقص وعيب، اسمعوا ماذا قال الله لنبيه عيسى - عليه السلام- في أواخر سورة المائدة، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ...) المائدة: 116
فأمة التوحيد كان جوابهم سبحانك، تنزيه الله من الصاحبة والولد، والشريك. 
(وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَٰنُ وَلَدًا ۗ سُبْحَٰنَهُۥ ۚ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ) الأنبياء: 26
 
(وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ). سورة البقرة: (116)
 
بعد أن بين الله سبحانه وتعالى أن له كل شيء في الكون لا يشغله شيء عن شيء .. أراد أن يرد على الذين حاولوا أن يجعلوا لله معينا في ملكه .. الذين قالوا اتخذ الله ولداً .. الله تبارك وتعالى رد عليهم أنه لماذا يتخذ ولدا وله ما في السماوات والأرض كل له قانتون .. وجاء الرد مركزا في ثلاث نقاط .. قوله تعالى: "سبحانه" أي تنزه وتعالى أن يكون له ولد .. وقوله تعالى: "له ما في السماوات والأرض" .. فإذا كان هذا ملكه وإذا كان الكون كله من خلقه وخاضعا له فما حاجته للولد؟
وقوله سبحانه: "كل له قانتون" .. أي كل من في السماوات والأرض عابدون لله جل جلاله مقرون بألوهيته.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية: 
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
معاشر المسلمين الموحدين: 
هناك مشاعر متبادلة بين الكون والإنسان، إيجابا أو سلبا، له أو عليه،  مشاعر متبادلة بين الإنسان وبين السماء والأرض، فالسماء والأرض لا تبكيان على موت الكافرين والطغاة، قال تعالى: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ). الدخان: (29)
بخلاف المؤمن الذي يبكي عليه مصلاه من الأرض، ومصعد عمله إلى السماء، كما ورد عن علي بن أبي طالب، وابن عباس رضي الله عنهم جميعا. 
المسلم قد يتبادل المشاعر مع جبل أصم، فعن أنس رضي الله عنه قال: "نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبل أحد، فقال: إن أحدا جبل يحبنا ونحبه". متفق عليه 
الحجر والشجر يناصران أهل التوحيد: 
حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي ، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ ، إِلَّا الْغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ". رواه مسلم
فحتى الشجر والحجر يوالي ويعادي على أساس الدين. 
خلاصة القول: فأمة التوحيد هي أمة تسبيح وتنزيه لله عن الشريك والصاحبة والولد ، أمة التوحيد تذعن بالعبودية لله وحده لا شريك له.
ينبغي لكل مسلم أن يرفع رأسه ويفتخر بهذا الدين العظيم، فالشرف كل الشرف أن تكون عبدا لرب الأرض والسموات.
ومما زادني شرفا وفخرا*** وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي *** وأن صيرت أحمد لي نبيا ".
عباد الله، صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه.....
 
 
جمع وإعداد: ياسر عبد الله محمد الحوري
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد