خواطر ثقافية .. أغرب استثمار

mainThumb

29-01-2022 01:32 PM

(1)
"المرآة المعتمة"
 
وقف أمام مرآة زوجته التي واراها الثرى قبل أيام.
 
ورغم الحزن الذي توشحه قلبٌه المكلوم؛ إلا أن الدهشة داهمت رأسه فجأة، وهو يتخيل فقيدة روحه تستنطق رغباته المكتومة كدأبها معه في حياتهما الجميلة.
 
بدت أمامه في المرآة باهرة الجمال، بشعرها المسترسل، وعيونها الآفلة، وكأن روحها ترفرف من حوله، تراقبه بقلق، تعاند مصيرها وتستنجد بحبيبها عساه يستعيدها من الغياب. كأنها تغار عليه من الصبايا إذا ما داهمه النسيان. تخيلها تحرك شفتيها ببرود. اللون الليلكي يزهو بابتسامات الياسمين وهي تغامز قلبه المتلظي وجعاً على فراقها، حتى أحضرها الشوقُ إليه وهو في غمرة البحث عنها في غياهب المرآة التي كانت غارقة في العتمة؛ إلا من طلته الحزينة وعينيه اللتين انتفختا بأسئلة الرجاء المستحيلة الصادمة. 
 
وها هي ذاكرته المتعبة تنتفض من الغبار، فتظهر أمامه في صورة مرتبكة مهتزة.
 
تهمس معاتبة:
 
"إن غاب القط العب يا فأر.. أراك تراجع حساباتك بعد موتي! هل تفكر بأخرى!"
 
لكنه أجهش بالبكاء حينما تذكر بأنها لبثت حية في قلبه وكدأبها كلما باغتته أثناء ارتدائه طقماً جديداً!
 
فهو يحبها ويشتاق إلى مماحكاتها البريئة.. فكيف سيقوى على العيش بدونها! وقد باعد بينهما الغياب الأبدي.
 
وحينما أشاح بوجهه عنها كانت تُسْمِعَهُ آخر عبارة لم يتسع قلبه لها، فمصابه جلل وهذا ليس وقته:
 
" لا بأس إن تزوجت صديقتي خلود! فلا أستأمن عليك أحداً غيرَها!"
 
لم يركز كثيراً على الأمر فالحزن ما لبث يسود حشاياه.. حتى أنه غيب زميلتهما خلود عن تخيلاته رغم أنه سيلتقيها في مكتبه بعض انقضاء إجازته.. فهي زميلته في ذات المكتب الذي كان يجمع ثلاثتهم.
 
ولا شك أنها ستواسيه وتكفكف دموعه.. وسيفعل معها ذات الشيء فهي أختها التي لم تلدها أمها.
 
وكأن الحكاية بدأت من هنا...!
 
(2)
 
"هرمنا"
 
احتفال العائلة بعيد ميلادي وهذه الأجواء الآسرة.. وكل عام وأنتم بخير
 
في أجواء الشتاء الحميمية احتضننا بيت العائلة القديم.. بديكوراته المستوحاة من الماضي الذي تحول إلى متحف عائلي يضم المقتنيات القديمة التراثية الخاصة بالعائلة ويعرض ذكريات الماضي المادية والمعنوية للجيل الجديد، ومن المنتظر إضافة ركن لطاولتي البلياردو والتنس لتحويل الدارة إلى نادي صغير متكامل للأسرة يجمع ما بين الماضي واللمسات الحداثية.
 
وقد صدح المذياع الكلاسيكي بأغاني أم كلثوم وفريد الأطرش انسجاماً مع أجواء استحضار ماضي الأسرة وذكرياتها. وكانت نار الموقد تعلك حطب الزيتون والجوز فتعبق المكان بروائح البخور وشواء الكستناء والبطاطا الحلوة. ودارت أحاديث الماضي كارتشاف القهوة المنكهة بالمحبة والحنين وسط أجواء احتفالية تخللتها أدوار من تدخين الأراجيل. وقد سجل شقيقي عثمان لقاءً مطولاً مع والدي للحديث عن ذكريات قرية الدوايمة عام ثمانية وأربعين ودوره في تفكيك الألغام وزرعها في طريق ناقلات جنود الاحتلال، كان يومها فتًى يافعاً، وبذلك يكون قد انتقم لجدي الذي اغتاله الصهاينة بعيد مذبحة الدوايمة بعام، وذكر لنا والدي الذي أنهكه المرض، أسماء بعض من مارس هذا النوع من النضال الفردي مثل المرحوم مصطفى أبو خضره الذي كان يتزود بالألغام مما كان يخبئها والدي في البئر المهجورة بجوار البيت.
 
وفي هذه الأجواء الحميمية قمنا باستعراض مئات الصور العائلية القديمة على الشاشة المقابلة لآلة العرض الحديثة المتدلية من السقف فكان يوماً لا ينسى. وقد تكرر الأمر في هذا الأسبوع ثلاث مرات ما بين مناسبة استقبال شقيقي المهندس عثمان العائد من السعودية، ثم تكرار المناسبة برغبة من الجميع بسبب هطول الأمطار التي كانت دافعاً لهذا الجمع العائلي الجميل.
 
وأمس الأول في 21 يناير احتفلت العائلة في نفس المكان وبنفس الطقوس، بعيد ميلادي وعلى إيقاع الماضي وكانت مفاجأة سارة من صبايا العائلة لا يمكن أن أنساها.. أجواء نتمناها لكل الأصدقاء .. وكل عام وأنتم بخير
 
(3)
 
أغرب استثمار.. تسعيرة مجنونة وفيفي عبدة
 
إذا كانت للصورة الحسية التي تلتقط إلى جوار الفيل أو اللبؤة في السيرك سعراً، فقد أصبح للراقصة فيفي عبده سعراً ربما يضاهي التقاط الصور مع دب الباندا النادر.. ولا نريد أن نصف الوضع بالدعارة المقنعة في مواخير الرياء.
 
هذا إعلان مجاني لمن تهمه المظاهر الكذابة، لكل من يؤمن بأن العالم ما هو إلا سيرك كبير والبشر بيادق فيه، وأن الجوهر لا ثمن له مقابل السعر البخس للشكل الذي سيغير الزمن من معالمه ويتركه جيفة للدود.
 
وحتى لا أطيل عليكم إذ شوقتكم إليه وكأنها دعوة لزيارة كوكب زحل الراقص في هذا الكون الممتد فيما تتحلق الكويكبات من حوله في حلقة دائرية مدهشة.
 
وإليكم الإعلان الذي انتشر في الفضاء الرقمي كما النار في مكب النفايات والمتضمن قائمة بأسعار "التقاط صورة" ليست مع الحمار الوحشي الأفريقي، ولا الأفعى المرقطة من فصيلة الجرس والتي تتلوى كالراقصة قبل أن تودي بحياة ضحيتها؛ بل مع الراقصة فيفي عبده التي شارفت على السبعين من عمرها وفق تقديرات رواد النوادي الليلية والمواخير.
 
فمن يجد في نفسه هذا المستوى من الرخص والانحدار فعليه أن يستجدي عطف الراقصة المتفجرة أنوثة والمفرغة من المحتوى؛ لالتقاط صورة معها حتى يبصق عليه كل من لم يبارك له هذا الإنجاز المدهش.
 
فإذا كان من حق فيفي عبده أن تلوث عيوننا بمثل هذا الإعلان التاقه، فمن حقنا إزاء ذلك أن ندرجه في السياق الذي يتناسب معه.. أي مكب النفايات ومصارف المياه العادمة.
 
فيهمنا "عنجد" أن تزعل فيفي عبدة وتتأفف لأن أبناءنا معرضون للانزلاق على تضاريس جسمها المشدود وكأنهم يمتطون هودج فيل أخذ يدب على ساحات السيرك المحاطة بعيون الجماهير الصادحة دون شفقة أو رحمة.. يراقص الوهم يدور حول نفسه ثم ينخضُّ خضاً كأنه قربة مترعة بالنبيذ الفاسد.. فلا فرق بين الفيل وراقصة كفيفي عبدة وضعت لنفسها تسعيرة لكل من يتصور إلى جانبها..
 
عجبي!
 
(4)
 
"هدى اليرغول"
يقتفي 
أثر الوشاية
في الفلا.. 
مسلوب الحجا 
يهذي..
كأن به
مس من الجنون..
تراوغه الأراجيف..
وقبل ولوجها 
بوابة الجحيم..
يصغي إلى 
دقات قلب 
غزالة الوجد..
فيسموا طائعاً 
هدى اليرغول..
 
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد