ما لا تعرفه عن قصة الطفل المغربي الملهم الراحل ريان وعلاقته بجيسيكا!

mainThumb

07-02-2022 08:45 PM

 الاستعدادات في المغرب ما زالت مستمرة على قدم وساق، لتشييع جثمان الطفل ريان، في جنازة عسكرية رسمية مهيبة تشارك بها الجماهير المغربية بحضور ملك المغرب لمراسيمها.

وكان الديوان الملكي قد أعلن في بيان أصدره مساء أمس الأول السبت، بأن الملك محمد السادس أجرى اتصالاً هاتفياً مع والديّ ريان، وأعرب عن أحر تعازيه لأفراد الأسرة كافة، كما أعرب عن تقديره لجهود السلطات الدؤوبة خلال عملية إخراج ريان من البئر.

حيث تم ذلك عن طريق عمل حفره عمودية موازية للبئر ومن ثم الحفر أفقياً وصولاً إلى التجويف الذي يوجد فيه الطفل ريان، وتم إنقاذه عبر أنبوب اسمنتي.
 
وانشغل العالم أجمع بعملية إنقاذ ريان، البالغ من العمر 5 سنوات، والعالق في منتصف بئر عمقها 32 مترا ولا يتجاوز قطرها 30 سم، في ضواحي مدينة شفشاون، بشمال المغرب.
 
حيث نشر مغردون على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، صور الطفل وأرفقوها بتدوينات بلغات مختلفة، ودشنوا العديد من الهاشتاغات.
 
وقضى الطفل نحو مائة ساعة داخل حفرة ضيقة في البئر، عانى خلالها من نزيف في رأسه بسبب ارتطامه بالصخور أثناء سقوطه، كما أظهرت المعاينات الطبية التي أجراها الفريق الطبي الذي دخل إلى النفق لاستخراج الطفل ريان، أنه كان يعاني من كسور في الرقبة والعمود الفقري.. ما تسبب له بألم شديد ناهيك عن وحشة القبور التي عاناها من وحدة وجوع وبرد قارس. 
 
وترقب الملايين في المغرب والعالم العربي نهاية سعيدة لمحنة الطفل الذي جلبت قصته تعاطفاً دولياً واسعاً، وحرضت القصص المأساوية لأطفال فلسطين واليمن وسوريا وليبيا والمشردين في المدن الفقيرة المنتشرة في أصقاع الأرض للمثول أمام الضمير العالمي وطرح الأسئلة المحرجة الصادمة عليه! لكن الفاجعة شاءت لها الأقدار أن تسود خاتمة الموقف بعد أن لفظ الطفل الملائكي أنفاسه الأخيرة وحيداً قبل وقت قليل من وصول فرق الإنقاذ إليه.. فضم والداه رفاته بعد معاناة من الألم الذي رافقها شعور بفرج من الله؛ لكنها الخاتمة التي قدر لها أن تكون.. فاستسلما لها راضيْن.
 
لقد صدم نبأ وفاة الطفل الملائكي ريان الشعب المغربي الذي عايش تفاصيل معاناته القاسية.
 
ما حدث صبيحة الأربعاء الماضي كان أكبر من مجرد بئر عميقة للمياه سقط في فتحتها الضيقة الطفل ريان حيث كان يلعب بالقرب منها في بلدة تمروت، على بعد 100 كيلومتر من شفشاون؛ بل بالفزعة التي شهدها الموقف من خلال تكاتف الجهات الرسمية المغربية على أعلى المستويات، والمتطوعين ميدانياً ومؤازرة الناس بكل أطيافهم واضعين همومهم الشخصية وخلافاتهم البينية جانباً وقد جيشوا كل طاقاتهم لإنقاذ رمز المغرب الجديد، ريان وقد عزز كل الجهود المبذولة موقف إعلامي عالمي مؤازر بأعلى المستويات، وكتي في قضيته أكبر الكتاب في العالم حيث تعاملوا معه كفكرة أماطت اللثام عن خبايا الطفولة المعذبة في عالم منشغل عنها بمصالحه المتضاربة التي أدت إلى نزاعات مستفحلة.
 
نعم.. الطفل ريان تحول إلى فكرة إنسانية عظيمة يجتمع عليها الشعب المغربي بكل فئاته الطائفية والجهوية والعرقية بمؤازرة عربية وعالمية جماهيرية ساحقة وغير مشهودة إلا في حالة الطفل الفلسطيني محمد الدرة الذي قتله الجنود الصهاينة في قطاع غزة في الثلاثين من سبتمبر عام 2000، في اليوم الثاني من انتفاضة الأقصى.. عسى الله يجمعهما في الفردوس الأعلى مع الطيور الخضر.. أو جسيكا الأمريكية التي سنأتي إلى ذكرها نهاية المقال.
 
إن الأفكار العظيمة ملهمة فلا تموت بفناء صاحبها، فالطفل ريان أصبح ذكرى عزيزة وفكرة ملهمة ولدت من رحم الأرض، موصولة بحبل سري تجاوز طوله الاثنين وثلاثين متراً ، ومتصلاً بالمستقبل الذي ينتظر من المسؤولين استغلال حالة التعاضد التي يشهدها المغرب لتنفيذ مشاريع إنسانية تحمل اسم ريان، وهذا مطلب أخلاقي مرده أن كل هذه الجهود التي أخفقت في إنقاذه بقيادة مديرية الحماية المدنية المغربية منذ مساء الثلاثاء يجب ألا تذهب سداً.. فمن يكفكف دموع والديّ ريان السخية من شأنه أن يريح ريان في قبره، وضمائرَ المغاربة ويفتح منافذ الرحمة على كل الموجوعين من أطفال الفقراء المشردين في أرجاء المغرب والعالم، وقد تلهم المؤسسات المعنية باللاجئين المنتشرين في وطننا العربي الكبير، والمدفونين تحت الركام في اليمن وسوريا وفلسطين السليبة وخاصة غزة المحاصرة.
 
من هنا وفي هذه اللحظة يجب أن تكون الفكرة مبذورة في عقول المسئولين في المغرب للإعلان رسمياً عن تأسيس مؤسسة خيرية كبرى تناط بها عدة مهام ميدانية وحثية تجري الدراسات المسحية لتحديد حجم الفقر في البلاد والتركيز على مخرجات ذلك فيما يتعلق بالأطفال، ومن ثم جمع التبرعات على نطاق عالمي باسم ريان لدعم برامج إنقاذ الأطفال الفقراء بدءاً من قريته تمروت فولاية شمشاون "غرناطة المغرب" لتنداح دوائر خدماتها حتى تغطي ربوع المغرب وقد تفتح لها أفرع في محيطها العربي تحت إشراف لجنة ملكية مستقلة وبالتنسيق مع وزارة التنمية المجتمعية في المغرب .. فهذا الاسم "ريان" الذي آزره العالم يجب أن يتحول إلى فكرة ملهمة راسخة في الضمير العالمي حتى لا ننسى بأن ثمة أطفال يعيشون معاناة شبيهة بما عاناه الطفل ريان وهو في حبسه الانفرادي وحيداً، جائعاً متألماً في قاع البئر العميقة، بعيداً عن حضن أمه الرؤوم التي تقدد قلبها ألماً لفراقه وذرفت الدموع سخية لأجله، وقلبها الشفوق يلهج بالدعاء إلى الله كي يفرج كربه.
 
مستذكرين ما قاله الشهيد غسان كنفاني قبل عقود واصفاً حال الأم الأم الفلسطينية في مخيمات الشتات قائلاً: "كل دموع الأرض لا تستطيع أن تحمل زورقاً صغيراً يتسع لأبوين يبحثان عن طفلهما المفقود"
 
فما بالكم حين يُفقد ويموت ؟! وكأن كنفاني حاضر في مشهد رحيل ريان بل جز من تداعياتها.
 
ومن الضروري أن يستلهم الكتاب قصة ريان وتحويلها إلى فلم سينمائي يؤرخ لهذه القصة الملهمة ولا بأس أن يستعان بالطفلة الأمريكية جسيكا ماكلور لتتحدث عن تجربتها حيث عاشت نفس ظروف ريان، إذ سقطت في بئر موجودة بالحديقة الخلفية لمنزل خالتها في ميدلاند في ولاية تكساس الأمريكية في 14 أكتوبر 1987 في عمر 18 شهر (تبلغ الآن من العمر 36 عاماً). حيث عمل رجال الإنقاذ حينها لمدة 56 ساعة (نصف المدة التي قضاها ريان) لتحريرها من البئر التي بلغ عرضها 20 سنتمتر وعمقها 6.7 متر تحت الأرض.
 
واكتسبت القصة حينذاك اهتماماً عالمياً، قبل ظهور الشبكة العنكبوتية وتفرعاتها الرقمية... واستقبلها بوش الأب (العقل المدبر لاغتيال العرق وطناً وشعباً) حينها في البيت الأبيض احتفاءً بسلامتها.
وقد تحولت القصة إلى موضوع لفيلم تلفزيوني ملهم من إنتاج شبكة إيه بي سي عام 1989 بعنوان "طفلة الجميع: إنقاذ جيسيكا ماكلور".
 
فهل ستشهد المغرب ولادة مشاريع إنسانية وثقافية باسم ريان صاحب أكثر القصص تأثيراً وتحريضاً على التكاتف والرحمة في المغرب وربما عالمنا العربي الذي بات فيه الطفل المنكوب آخر اهتماماته.. والفرصة متاحة للدول العربية لاستلهام الفكرة فالفرصة متاحة قبل أن يطمسها الفاسدون الوصوليون المطبعون بعد أن يركبوا على موجتها.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد