الانتخابات والحروب

mainThumb

23-03-2022 10:24 AM

قد يرى البعض أن الانتخابات بعيدة جداً عن الحروب، من حيث أن الحروب تحتوى على أسلحة ونتائجها دمار وقتل وتشريد، والانتخابات عكس ذلك تماماً، فهي أداة صحيحة لممارسة الأمة سلطانها، وتفويض الشعب حقه في حكم نفسه لأشخاص يملكون الكفاءة والنزاهة والإخلاص، لكن المتفحص للانتخابات وخاصة في بلاد الضياع، يستطيع أن يشاهد الدمار والقتل والتشريد المعنوي الذي يقود الى الدمار المادي، وقد يكون الدمار المعنوي أبلغ وأصعب من الدمار المادي والنتائج واحدة، لسوء تنفيذ الانتخابات، ودخول متغيرات كثيرة أخرجتها عن مقصودها.. من حيث آلية التنفيذ وطريقة الترشح، والأشخاص والجماعات وطموحاتهما الذاتية.
 
لذلك هناك رابط قوي بين الانتخابات والحروب استناداً الى ممارسات "الناس البعيدين عن التعقل"، "وليس كل الناس طبعاً" وهذه بعض أوجه الشبه بينهما.
 
- الانتخابات والحروب تنخرط بها كل فئات المجتمع لكن يحصد نتائجها فئة قليلة، ويتلقى ويلاتها الجميع..
 
- اذا جاءت الحرب تشمر لها، تجار الحروب والمتكسبون من ويلاتها، كذلك الانتخابات إذا جاءت فلها رجالها، يلعبون على حبالها، يخدعون الغافلين والمتحمسين ليجنوا المال والمكاسب الشخصية سواء كانوا مرشحين أو داعمين..
 
- الحروب والانتخابات كالصيف تُخرج كل ذوات الدم البارد من جحورها ك"الوزغات والأفاعي والحرابي وما شاكلها"، فتمارس نشاطها بالتكسب المغلف بالكذب والفتنة ما دام الصيف فإذا رحل عادت الى سباتها الطويل.. 
 
- ناشطو الحروب والانتخابات ذاتيون مستعدون أن يخربوا بيوت الناس جميعاً من أجل أن يكسب الواحد منهم خمسين ديناراً.. 
 
بناء على ما تقدم، قد يكون الأكثر حماساً في الحروب والانتخابات، هو الأقل اهتماما بالنتائج، لأن ما يهمه يحصل عليه قبل النتائج، فإذا جاءت و"صرح اللبن عن الزبد" انتهى دوره وانتهت فرصه في الحصول على المال، إلا إذا فاز مرشحه حينها يستمر مصدر رزقه، فترة وجيزة ثم يطرده واقعه المعروف للجميع، الذين سكتوا عنه خوفاً من فتنته.. 
 
أقول هذا الكلام وقد وضعت الانتخابات أوزارها مؤقتاً، وقد كسب من كسب وخسر من خسر، وسيرتاح الناس قليلاً ثم تستفزهم الحكومات لانتخابات ثانية، تقض مضاجعهم وتعيدهم سيرتهم الأولى حيث التنافس والتناجش، وحيث الغفلة عن مصالحهم وروابطهم الاجتماعية الصحيحة التي يعبث بها العابثون حتى يستمر الضياع والغفلة عن مقدراتهم لتأكلها الغربان، ليت مجتمعاتنا تعي واقعها، وتتعلم من تجاربها في الانتخابات المتعاقبة، وتحافظ على تماسكها، وتترك الانتخابات وبخاصة المقبلة للمستفيدين منها وتجنيب المجتمعات فتنها وخرابها،  الى أن تصبح نزيهة ليس في تنفيذها بل في قانونها والقوالب التي تقدم فيها للمجتمعات الغافلة..


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد