مشكلات التعليم العالي فـي الأردن

mainThumb

22-10-2008 12:00 AM

استقلالية الجامعات، دعم البحث العلمي، دور الجامعات في خدمة وتنمية المجتمع المحلي، ضبط الجودة والاعتماد، الشهادات المزورة، وأخيراً برامج الدكتوراه هي أبرز المحطات أو العناوين التي تتناول مسألة التعليم العالي في الأردن.

وجاء لقاء جلالة الملك عبد الله الثاني برؤساء الجامعات الرسمية مؤخراً في الجامعة الأردنية للوقوف عن كثب على هموم الجامعات الأردنية وشجونها وتطلعاتها حيث وضع جلالة الملك الكرة في مرمى رؤساء الجامعات ليتحدثوا بصراحة وشفافية دون خوف أو تردد أو مجاملة، وكان هذا اللقاء قد سبقه قبل عام تقريباً لقاء عقد في البحر الميت أثمر عن وضع استراتيجية متكاملة لتطوير التعليم في الأردن ضمن خطة من (5) خمس سنوات، 2007-2012 إلا أنه لم يتم تنفيذ إلا النزر القليل من هذه الاستراتيجية.

وفي ظل تراجع مستوى التعليم العالي في الأردن وتفاقم العديد من المشاكل والأزمات سواء داخل الجامعات أو بين الجامعات والمجتمع المحلي، تبدو الحاجة ملحة لحوار جاد وعميق ومستمر بين كافة المعنيين بالمسألة، فلا بدّ من الاستماع لرؤساء الجامعات وأعضاء الهيئة التدريسية والطلبة وقادة المجتمع المحلي وأعضاء مجالس الأمناء وأخيراً أولياء أمور الطلبة وذلك لإخراج الجامعات من حالة الأزمة والاحتقان والنهوض بمستوى التعليم في بلادنا. فالحوار ومشاركة الجميع في التفكير في إيجاد آليات مشتركة تخص كافة الجامعات الرسمية والخاصة وتخرج بتوصيات وقرارات موحدة حول مشكلات التعليم العالي في الأردن هي مسؤولية وطنية وواجب أخلاقي من أجل تحقيق الفائدة المرجوة فهذا الحوار الرائع ليس إلا بداية التغيير نحو الأفضل الذي ننتظره ونأمل تحقيقه، وكأحد العاملين في حقل التعليم العالي، تأتي هذه المحاولة المتواضعة من باب المشاركة في النقاش الذي نأمل أن يكون مثمراً، وقد تكون الخطوة الأولى في هذا المجال هي ترتيب الأولويات والإجابة على بعض التساؤلات المشروعة مثل: ما الذي نريده من الجامعات وماذا تريد الجامعات من المجتمع والدولة؟ وذلك من أجل وضع خطة عمل أو تصور واضح حول أبرز التحديات والمشاكل التي تعاني منها الجامعات وأبرز الحلول العملية المقترحة لمواجهة هذه التحديات، فلا شك أن الوقت قد حان للشروع بتحقيق هذا الحلم وترجمته على أرض الواقع ذلك أن التأجيل يضعف من الإمكانات ويجعل من توحيد الجهود أمراً متعذراً يوماً بعد يوم ويزيد من انعزال الجامعات عن المجتمع، وإذا سمح بمعالجة هذا الموضوع فإننا نود التوقف عند (10) عشرة محاور أو عشرة محطات أساسية قد تسهم في إلقاء الضوء على بعض جوانب مسألة التعليم وذلك على النحو التالي:.

1- استقلالية الجامعات بالرغم من طرح مفهوم استقلالية الجامعات في النقاش الدائر حالياً بشكل مكثف، إلا أن المقصود بهذه الاستقلالية غير واضح تماماً أو يكتنفه الغموض، فالجامعات مؤسسات تعليمية مستقلة تقريباً في إدارتها وأنشطتها، وإذا كانت هناك تدخلات خارجية بغض النظر عن مصادرها وأهدافها فهذا وضع طبيعي جداً وتلقائي، فالجامعات ليست قلاع محصنة ومغلقة عصية على المجتمع بعيدة وغريبة عنه وإنما هي كمؤسسات وطنية جزء من المجتمع وجدت بالأساس لخدمته وتنميته وتطويره. وقرار إنشاء جامعات حكومية في أي محافظة أردنية من إربد شمالاً إلى العقبة جنوباً لم يكن من باب الترف في التوسع في إنشاء الجامعات وإنما جاء استجابة طبيعية من الدولة إلى احتياجات المواطنين في تلك المحافظة. وإذا كان لدى البعض حساسية مفرطة تجاه كافة الضغوط والتدخلات فإن الاستجابة لحاجات وتطلعات المواطنين ولا سيما المعقولة والمنطقية دليل على تحقيق الجامعات لرسالتها في التواصل والتناغم مع المجتمع المحلي وعلاوة على ذلك فإن القدرة على الاستجابة للضغوط المبررة والمنطقية هي نقطة قوة وليس نقطة ضعف كما قد يعتقد بعض مسؤولي الجامعات، فالمرونة والقدرة على التعامل مع الضغوطات والتحديات تحتاج إلى وعي وتفهم دقيق للمجتمع المحلي ومجمل القول في هذا المجال أن الاستجابة ليست حالة ضعف أو تراخ.

2- البحث العلمي: كثر الحديث مؤخراً عن دعم البحث العلمي وضرورته، وهذا الحديث مبرر على اعتبار البحث العلمي من أهم واجبات عضو هيئة التدريس، وهو المعيار الأوحد في الجامعات الأردنية للترقية والتقييم، وهنا نود أن نتوقف عند واقع البحث العلمي في الوطن العربي بشكل عام ونقول أنه بعد إعلان جامعة شنغهاي عن قائمة أفضل (500) جامعة على مستوى العالم وخلو القائمة من أي جامعة عربية لم يعد أحد يخدع بمظاهر البحث العلمي في بلادنا، فالعدد وكثرته لا يغني عن النوع وعشرات الآلاف من الأبحاث العلمية التي تزخر بها الجامعات العربية لم تسهم في حل مشكلة أو إضافة براءة اختراع واحد ولقد وصف تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2003م البحث العلمي في العالم العربي بكلمة المُفسد وهو في حقيقة الأمر مفسد لأنه كمي وليس نوعي لا يستفاد منه في خدمة المجتمع وتنميته، وهو مفسد لأن عملية التقييم تخلو في كثير من الحالات من الموضوعية والمصداقية وتخضع لاعتبارات شخصية وشللية الأمر الذي يثير الشكوك بقيمة وجدوى مثل هذا النوع الذي أطلقنا عليه مظاهر البحث العلمي الخادعة. إن من أغرب ما شهدته في الجامعات الأردنية من مظاهر البحث العلمي الخادعة أن بعض أساتذة الجامعات يقدمون للترقية أبحاثا علمية منشورة مكتوبة بلغات أجنبية وعلى رأسها اللغة الإنجليزية وهم على عدم معرفة بأبسط قواعد ومفردات اللغة الإنجليزية والسؤال المطروح هو كيف لهم أن قاموا بكتابة مثل هذه الأبحاث، إن مثل هذه الممارسات تضاعف الشكوك بقيمة وجدوى مثل هذه الأبحاث وتطرح العديد من التساؤلات لعل من أبرزها: ما هي العلاقة بين آلية تقييم البحث العلمي في الجامعات وتدني مستوى البحث العلمي المنتج فقط لأغراض الترقية؟ وثمة تساؤل آخر حول العلاقة بين المسؤولية الأكاديمية والأخلاقية لعضو هيئة التدريس وسلوكه في مجال البحث العلمي وهذا الموضوع سوف يتم تناوله بمزيد من الحوار عند الحديث عن دور ومسؤولية أساتذة الجامعات. إن ترتيب الجامعات العربية ومنها الأردنية بين الجامعات العالمية يبعث على القلق والحزن وكما هو معلوم فإن أحد معايير التقييم في هذا المجال هو حجم البحث العلمي المنتج في الجامعات ومن هنا فإن البحث العلمي النوعي هو أحد أهم ركائز التعليم العالي وهو مسؤولية الجميع من أساتذة وجامعات ومؤسسات ولا بدّ من العمل على دعمه وتطويره.

3- علاقة الجامعة بالمجتمع المحلي الجامعة عند إنشائها سواء كانت حكومية أو خاصة تصبح جزءا هاما من المجتمع المحلي الذي تنشأ فيه ولا شك فإنها تسهم في نهضته وتقدمه سواء عن طريق رسالة التعليم أو البحث العلمي الجاد أو التفاعل مع المجتمع والعمل على الاستجابة لهمومه وحاجاته وتطلعاته. ولما كان هذا هو واقع الحال فإن الوضع الطبيعي والمنطقي أن تعكس الجامعة واقع المجتمع المحلي وتأخذ بعين الاعتبار ظروف وإمكانات أبناء ذلك المجتمع عند المنافسة سواء في الدراسة في الجامعة أو في التعيين في مختلف وظائف الجامعة الإدارية أو الأكاديمية وذلك انسجاماً مع الفلسفة من إنشاء الجامعة في تلك المنطقة ابتداءً وتجسيداً لمبادئ العدالة وتكافؤ الفرص. للأسف أن ما يجري في كثير من الجامعات الحكومية عند تعيين أعضاء هيئة التدريس هو تهميش وحرمان الكثير أبناء المحافظة التي تقع فيها الجامعة بحجة أنها جامعة للوطن وكان أبناء تلك المحافظة ليسوا من أبناء هذا الوطن. ويترتب على مثل هذه الإجراءات الكثير من الخسائر والأضرار التي تلحق بالجامعة والمجتمع المحلي والوطن بشكل عام منها على سبيل المثال غياب دور أعضاء هيئة التدريس في خدمة وتنمية المجتمع المحلي.

4- مسؤولية الدولة تجاه الجامعات منذ نشأة الدولة الأردنية قبل ما يزيد عن ثمانية عقود كان التعليم وما يزال عماد الدولة الأردنية وثروتها التي لا تنضب، فقد أدركت القيادة السياسية الهاشمية الحكيمة أنه في ظل محدودية الإمكانات وشح الموارد فإن رأس المال البشري Human Capital أو القدرة البشرية التي تعني تنمية قدرات الإنسان/المجتمع يمكن أن تعوض النقص في الموارد الأخرى. وهكذا أصبح التعليم السلعة الأساسية التي برع الأردنيون في إنتاجها وتسويقها على مستوى المنطقة، وبفضل هذه السياسة الراشدة حقق الأردن المرتبة الأولى على مستوى الإقليم في مجال التعليم باعتراف كافة المنظمات والمؤسسات الدولية المعنية في هذا الشأن. وفي عهد جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله فقد أولى جلالته التعليم جُل عنايته ودعا إلى تبني إستراتيجية وطنية واضحة المعالم عميقة الرؤيا تحقق أهداف الأردن الوطنية وكان من ثمار هذه الإستراتيجية التوسع في عدد الجامعات الرسمية التي كان آخرها إنشاء الجامعة الإسلامية العالمية المعنية بتخريج عدد من الشباب المسلم المسلح بالعلم والإيمان القادر على الدفاع عن مبادئ الدين والعقيدة وتمثيل رسالة الإسلام السمحة التي قوامها الحوار والتسامح وقبول الآخر المختلف ورفض الغلو والعنف والتطرف والتكفير وغيرها من الممارسات والأفكار التي أضرت بصورة الإسلام، ولا سيما بعد أحداث 11/9/2001م وتداعياتها على العالم الإسلامي.

5- الشراكة مع القطاع الخاص بالرغم من كافة التسهيلات والحوافز التي قدمتها الدولة الأردنية للقطاع الخاص إلا أن هذا القطاع ولأسباب متعددة لم يقم حتى الآن بتحمل الأعباء التنموية الأساسية وأمام هذا الواقع فإننا لا نستغرب الدعوات المنادية بإعادة النظر بسياسات الخصخصة وفتح باب الاستثمار دون أدنى رقابة أو تنظيم أو توجيه له، وفي إطار إصلاح التعليم العالي فإن هناك حاجة ملحة للتأكيد على أن القطاع الخاص عليه مسؤولية وواجب الاستثمار في التعليم وتقديم الدعم للجامعات فالمساعدات التي يقدمها القطاع الخاص في هذا المجال لا تزال شكلية أو رمزية لا تقدم ولا تؤخر في واقع الحال. وعلى الجامعات أن تبادر أيضاً في جذب القطاع الخاص وتشجيعه والانفتاح عليه فهو شريك أساسي في عملية التنمية وقد يكون إشراك القطاع الخاص ليس فقط في المشاريع الاستثمارية التي يمكن للجامعات إقامتها وإنما في عملية إدارة هذه المشاريع خطوة استراتيجية وأسلوب ملائم لجذب وتشجيع هذا القطاع ووضع حد لإدعاءات البعض بأننا نعرقل الاستثمار.

6- تعزيز التوجهات الديمقراطية إن الحرية بالنسبة لمجتمع الجامعة ليست شيئاً كمالياً يمكن الاستغناء عنه بل هي أساس الحياة الجامعية وجوهرها ومعناها، ومن هنا فإن تعزيز التوجهات والقيم والممارسات الديمقراطية في الجامعات هي خطوة حيوية في إطار عملية إصلاح التعليم الجامعي، فالجامعات منابر للحوار والحرية وفضاءات مفتوحة للإبداع والإنجاز والتميّز ومن هنا لا بدّ من إعادة النظر بعدد من القضايا ذات العلاقة بالنزعة نحو الديمقراطية منها على سبيل المثال:.

أ- انتخابات مجالس أو اتحادات الطلبة: إن الآلية التي تجري وفقها هذه الانتخابات لا تزال أقرب إلى البدائية ولا تعكس سلوكا ديمقراطيا حقيقيا، فعلاوة على التدخلات الخارجية التي تسهم أحياناً في حسم نتائج الانتخابات قبل إجرائها، فإن هذه الانتخابات بشكل عام هي شكلية ولا تسهم في تعزيز القيم والممارسات الديمقراطية، فعلى سبيل المثال لا يسمح للمرشحين بإجراء حوارات أو مناظرات انتخابية للتعرف على المرشحين أو برامجهم الانتخابية ولا يسمح لهم أيضاً بتوزيع بيانات انتخابية يشرح فيها المرشح مبررات ترشيحه أو برنامجه الانتخابي.

ب- تشكيل اتحاد عام أو نقابة لأعضاء هيئة التدريس في كافة الجامعات الأردنية شأنهم في ذلك شأن غيرهم من أصحاب المهن مثل: المهندسين والأطباء والمحامين وغيرهم فعدد أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الأردنية كافة لا يصل إلى ربع عدد الأطباء أو المحامين ولا نعرف ما المانع من تشكيل هيئة تمثلهم وتدافع عن حقوقهم ومصالحهم أسوة بغيرهم، يشعر بوجودها أعضاء هيئة التدريس بالأمن الوظيفي والاستقرار النفسي فيلجأوا إليها عند الحاجة بدلاً من اللجوء إلى القضاء والوقوع تحت ضغوطات المحامين وإجراءات المحاكم التي تستغرق الكثير من الوقت، ولا يخفى على أحد أن هناك الكثير من الضغوط والممارسات السائدة في بعض الجامعات التي يغلب عليها طابع الاستبداد وثقافة القهر وغياب الحوار والشفافية واحترام الرأي الآخر، فيتعرض الكثير من أعضاء هيئة التدريس إلى الظلم والعسف وإنكار الدور والفضل حتى بات على عضو هيئة التدريس أن ينافق المسؤول بدلاً من أن يجهر في قول الحقيقة ويعبر عن رأيه دون أن يدفع ثمن الاختلاف في الرأي وهذه سلوكيات لا تستقيم مع الجو الأكاديمي، وقد يسهم إنشاء نقابة أو اتحاد لأعضاء هيئة التدريس في الحد من مثل هذه السلوكيات.

ج- تمكين المرأة: لا نعرف عدد أو نسبة النساء من حملة الشهادات العليا العاملات في مختلف الجامعات الأردنية، ولكن الذي نعرفه أنه من بين ما يقارب 25 جامعة أردنية ما بين حكومية وخاصة ومنذ إنشاء أول جامعة أردنية منذ ما يقارب نصف قرن لم تصل إلى رئاسة الجامعة إلا مرة واحدة يتيمة الدكتورة رويدا المعايطة ولا نريد الدخول في تفاصيل ردود الفعل على تبوئها لذلك الموقع في الجامعة الهاشمية من تصرفات تنم عن عقلية ذكورية حتى بين الأكاديميين لا تقبل مشاركة المرأة أو توليها المسؤولية، ومن هنا وفي إطار التوجه لتعزيز القيم والسلوكيات الديمقراطية فإنه لا بد من فتح المجال أمام المرأة في إشغال وظائف قيادية في الجامعات الأردنية وقد يكون أداؤها في بعض المواقع أفضل من أداء الرجل ولا سيما أن الكثير من الدراسات الاجتماعية تؤكد على أن المرأة أقل ميلاً للفساد والاستبداد من الرجل، وتمكين المرأة وإشغالها وظائف قيادية سمة من سمات المجتمعات المتحضرة وعامل أساسي من عوامل رقيها وتقدمها.

7- دعم وتحفيز أعضاء هيئة التدريس عند الحديث عن مشاكل التعليم العالي في الأردن لا تتم الإشارة من قريب أو بعيد إلى هموم وعلل واحتياجات وتطلعات أعضاء هيئة التدريس باعتبارهم العمود الفقري في عملية التعليم العالي ولا سيما أن رفع مستوى التعليم العالي في بلادنا هو مسؤولية تقع على عاتقهم بالدرجة الأولى.

وهنا أود الإشارة إلى عدد من القضايا الأساسية التي لها تأثير بالغ على أداء أعضاء هيئة التدريس في مختلف الجامعات الأردنية الرسمية والخاصة إذ لا يتمتع عضو هيئة التدريس بسببها براحة أو استقرار، وإنما يبقى دائم القلق والاضطراب ولعل أبرزها:. تدني الأجور: فمع الارتفاع المستمر لتكاليف الحياة وعدم شمول أعضاء هيئة التدريس والعاملين في الجامعات بالزيادات على الرواتب كباقي موظفي الدولة فقد تآكلت أجور أعضاء هيئة التدريس ولم تعد تكفي لسد احتياجاتهم الرئيسة الأمر الذي دفع بالعديد منهم إلى الهجرة خارج البلاد أو ترك التدريس وطرق أبواب أخرى توفر مصدرا للرزق أفضل من العمل في مجال التعليم، وفقد التعليم بريقه وقيمته فأصبح مهنة وليس رسالة. الأمن الوظيفي: إن شعور عضو هيئة التدريس بالأمن والاستقرار الوظيفي هي حاجة أصيلة في نفسه ولا بدّ من تلبيتها وهذا لا يتحقق بتعيين عضو هيئة التدريس بعقد سنوي يعتمد تجديده على مزاجية صاحب العلاقة والاعتبارات الشخصية والربح المادي مثلما شهدنا في الآونة الأخيرة ولا سيما في الجامعات الخاصة حيث تم الاستغناء عن خدمات الكثير من أعضاء هيئة التدريس دون أدنى اعتبار لخدماتهم وخبراتهم وسنوات العمل في المؤسسة ولا سيما أن أصحاب هذه الجامعات وبدافع الكسب المادي فقط يجدون البديل متوفر وبأجور وامتيازات أقل من حملة الدكتوراه من أبناء الأقطار العربية الأخرى. السكن الملائم: إن مشكلة السكن سوف تكون أحد أهم المشاكل التي سيواجهها الأردن في القرن الحادي والعشرين ولا سيما في ظل الارتفاع المستمر لأسعار العقار. الجوائز المادية والمعنوية: بالرغم من أن الجامعات الأردنية وكل حسب إمكاناتها المحدودة تقدم بين الحين والآخر عدد من الحوافز والجوائز للمتميزين من أعضاء هيئة التدريس إلا أنه يغلب التركيز على الجانب المادي ويتم إغفال الآثار النفسية والاجتماعية والأكاديمية والتي من المفروض أن تكون الأكثر أهمية والأعمق أثراً والأبعد غوراً في شخصية ومسيرة عضو هيئة التدريس. الحرية الأكاديمية: إن سيادة مناخ من حرية التفكير والتعبير في مجتمع الجامعة ليست عاملاً مساعداً لإصلاح التعليم وقيام أساتذة الجامعات بأداء دورهم المطلوب فحسب، بل هي الشرط الأول لذلك. إن هذه الحرية هي ثمرة من ثمار المناخ الموافق للتطوير والإصلاح ولا تغيير أو تقدم أو إصلاح بدونها سواء في الجامعة أو المجتمع ككل، وهي لإنسان اليوم وإنسان الغد حاجة أساسية كالغذاء واللباس، بل أهم منهما.

8- مسؤولية أعضاء هيئة التدريس . إن المسؤولية الاجتماعية لأساتذة الجامعات في هذا المجال ذات أبعاد ومضامين أخلاقية اجتماعية وطنية وإنسانية وتقتضي من كل فرد منهم القيام بواجباته على أكمل وجه في التدريس والبحث العلمي وخدمة وتنمية المجتمع المحلي. إن وظيفة التدريس هي أسهل الواجبات أو المهام التي يقوم بها أستاذ الجامعة ولذا فإن الواجبات أو المهام الأخرى الأكثر صعوبة هي أن يكون أستاذ الجامعة أيضاً باحث Scholar منتج للإبداع والمعارف العلمية وناشط أو فاعل Activist في المجتمع باعتباره أحد أهم عناصر الإصلاح وقوى التغيير والتحديث في المجتمع. وعند قيام أستاذ الجامعة بوظيفته كباحث فلا بد من أن يلعب البحث العلمي دوراً أساسياً في حل مشاكل المجتمع وتلبية احتياجات وتطلعات أفراده، أما إذا بقي البحث العلمي محصوراً في إطار الجامعة ويستخدم لغايات شخصية بحتة مثل الترقية والحصول على مكاسب شخصية أو مادية مثلما هو واقع حال البحث العلمي في كثير من دول العالم الثالث ومنها الأردن. إن الوظيفة الأكثر صعوبة بالنسبة للأستاذ الجامعي هي أن يكون ناشطا Activist في المجتمع، وفي هذا الصدد يقول الفيلسوف الفرنسي الشهير جون بول سارتر أن مسؤولية المثقف في الفعل السياسي اليومي والتزامه السياسي أسمى من الأدب والمعرفة والإبداع. الفعل السياسي اليومي هو الجمع بين الفكر والعمل أو النظرية والممارسة ذلك أن الممارسة العملية والتجربة اليومية الحية هي المقياس الحقيقي لصحة النظرية. وعندما يمارس أستاذ الجامعة وظيفته كناشط في المجتمع فإن عليه أن يحدد موقفه بوضوح: فإما أن يختار أن يكون مع الحفاظ على الوضع القائم وتبريره والدفاع عنه والوقوف في وجه محاولات التغيير أو أن يرفض الأمر الواقع وبالتالي يكون من أنصار ودعاة الإصلاح والتغيير نحو الأفضل يمتلك الإرادة والوعي والاستعداد للتضحية من أجل التغيير وخلق واقع جديد. إن الجمع بين التدريس والبحث العلمي والالتزام السياسي ليس بالأمر المستحيل، إن استخدام المنهج العلمي في حل المشاكل الواقعية وخلق ظروف أكثر ملاءمة لدفع المجتمع للتقدم إلى الأمام هي أسمى غايات البحث العلمي وهذا لا يتحقق دون إقامة علاقة وطيدة بين الباحث والمجتمع،

9- الطلبة: إن الفئة المستهدفة في عملية التعليم هي فئة الطلبة، فهم محور العملية التعليمية وبالتالي لا بدّ?Z من مراعاة مصالح واحتياجات هذه الفئة والتي تعتبر شبه مستبعدة عند الحديث عن مشاكل التعليم العالي في الأردن، وفي اللقاءات الموسمية التي تجري في الجامعات فإنه يندر الحديث عن مشاكل واحتياجات الطلبة فلا يشعر الطلبة بجدوى أو أهمية مثل هذه اللقاءات ويقابلوها بتردد وببرود، ومن هنا فإن عقد لقاءات منتظمة ودورية على مستوى الأقسام والكليات في أجواء من الشفافية والحرية كفيلة بالتعرف إلى هموم وشجون هذه الفئة ومن ثم العمل على تلبية تطلعاتها واحتياجاتها فضلاً عن دور مثل هذه اللقاءات في إثراء وتعزيز قيم المشاركة والحوار والحرية. كما يجب أن لا نغفل دور وأهميتها النشاطات اللامنهجية في صقل شخصية الطالب وإكسابه الخبرات والمهارات والشعور بالمسؤولية والاعتماد على الذات وروح المبادرة والولاء للوطن، وهنا نود الإشارة إلى دور مساق التربية الوطنية في هذا المجال بتخصيص جزء من مفردات المساق للزيارات الميدانية والعمل التطوعي بدلاً من التركيز فقط على الجانب النظري وحشو دماغ الطالب بالمعلومات، وهذا الأمر يحتاج إلى حوار جاد حول فلسفة ودور مساق التربية الوطنية في الجامعات الأردنية.

10- دور رؤساء الجامعات. إذا أردنا أن نخطو بواقع التعليم العالي في بلادنا خطوة جديدة إلى الأمام فالواجب يدعونا إلى توضيح أمور لها أكبر الأثر في مستقبل التعليم العالي في الأردن، ومن الأمور البديهية في هذا المجال دور رؤساء الجامعات في سبيل بلوغ أهداف التعليم العالي: العالمية، التميّز، وخدمة الوطن، وإذا كانت هذه المهمة في غاية الصعوبة لأنها تصطدم بالعقبات المادية والضغوط الاجتماعية ونمط الثقافة السائد والأوضاع الإقليمية غير المستقرة وأثرها على الدولة والمؤسسات الأردنية وغيرها من العقبات، ولما كنا مصممين على اقتحام هذه المسيرة مهما تصعب فإن الضامن الوحيد لنجاح هذه العملية هو اعتمادها على نمط من الرؤساء غير التقليديين الذين لهم دور فريد وخاص في هذا السياق. وهنا لا بدّ من التمييز بين الرئيس القائد المبادر الديناميكي والرئيس الإداري الموظف البيروقراطي التقليدي. إن جامعاتنا بحاجة إلى النوع الأول من الرؤساء القادرين على توليد القدرات وجذب الكفاءات القادرة على النهوض بواقع الجامعات فهؤلاء الرؤساء هم قيمين على هذه المهمة ومسؤولين عنها وإلا لماذا وجدوا وبماذا يعتزون ويفاخرون؟. ونخلص إلى القول في حديثنا عن الأوضاع والأحوال السيئة التي تعاني منها الجامعات الأردنية بأن واقع الحال في هذه الجامعات بات يحدث آثاراً سلبية في المجتمع فيزيد الأمور سوءً وفساداً ومن هنا فإن إصلاح التعليم العالي في الأردن قد يدفع بعجلة الإصلاح إلى الإمام في مجالات وقطاعات أخرى. إن النقد الصحيح والبناء هو سمة من سمات الحوار الإيجابي الهادف وإن ما سبق وقدم في هذه المقالة لا يخرج عن ذلك الإطار، وهنا لا بدّ?Z من التحذير من محاولات البعض المضللة في جلد الذات وإفقادنا القدرة على الإيمان بالأردن كدولة ومؤسسات وعلى رأسها جامعات الوطن نفخر ونفاخر بها، وإذا كان الطريق وعر أحياناً فالعبرة بالنضال الشاق والمحاولة المستمرة للإصلاح، ويبقى النوع لا الكم والمستوى لا الحجم هو الأسلوب الأمثل للخروج من الأزمة وانتعاش الثقة والأمل، ذلك أن ما نصبوا إليه ليس فقط نقلة نوعية في واقع التعليم في بلادنا وإنما انقلاب نوعي يؤسس لمشروع جديد في المجتمع الأردني لا قيود فيه إلا قيود العلم والمعرفة.
*جامعة اليرموك - قسم العلوم السياسية


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد