الأكلات بين الموروث والابتكار

mainThumb

08-05-2015 03:01 PM

مُنذُ وقت قصير أرسل إليَّ نسابة بني خالد الأخ العزيز ( علي الصيخان الخالدي ) عبر ( الواتس آب )  ورقات من كتاب محمد بن الحسن البغدادي  المتوفى سنة ( 637 هـ )  المُسمى بـ ( الطبيخ ) فشَّدني هذا الكتاب وجعلني أتتبع بعض المأكولات وأصلها ، فوجدت أن أكثر المأكولات اليوم لها أصل ومعروفة منذ القِدم إلا أن هذه الأكلات دخل عليها بعض الابتكارات من سُكان البُلدان ، وإلا فإن الأطعمة تتوارث ..

فإن بعض تسميات الأكلات المعروفة اليوم كـ ( المجدرة و المقلوبة ) كانت معروفة قديماً إلا أن هناك بعض الاختلاف في المكونات ، واختلاف ( المجدرة و المقلوبة ) اليوم عن ( المجدرة والمقلوبة ) في القرن السادس هو بسبب الابتكارات في الطبخ لكن الأصل واحد ..

قال البغدادي في كتابه ( الطبيخ ) ( ص 29 )  : ( المجدرة : صنعتها كصنعة الأرز المفلفل ، إلا أنها لا تصبغ بالزعفران ويجعل فيها مثل نصف الأرز عدساً ، ويساق السياق المذكورة في الأرز المفلفل ) .

قال أحمد أبو بكرة الترباني : فكما قلت آنفا هذا دليل على توارث الأكلات ولا تحسب أن أكل اليوم لا يعرف قديماً ( ! ) إنما الأصل موجود ولكن يدخل في هذا الباب الابتكار من زيادة أو نقصان بعض المكونات ..


وقال البغدادي في ( 31 ) يتحدث عن ( الفريكة ) : ( فريكية : صنعتها أن يعرق اللحم السمين المقطع صغاراً بالدهن المسلي ثم يغمر بالماء ، ويلقى عليه يسير ملح وعود دار صيني ، فإذا نضح اللحم ألقي عليه شيء من الكسفرة اليابسة المطحونة ، ثم يزاد ماء يسيراً ويؤخذ من ( الحنطة ) الحديثة قدر الحاجة ويفرك من سنبلة وينظف ويضاف إلى القدر ويترك حتى ينعقد .... ) .

قال أحمد أبو بكرة الترباني : فكما ترى أيها القارئ الحبيب أن  أكلة ( الفريكة ) التي إلى اليوم يطرب لها شِّيابُنا أصلها ومكونها معروف منذ القرن السادس الهجري ، وهذا لعمرك أيضاً دليلاً على توارث الأكلات ..


وقد ذكر البغدادي أكلات تسميتها معروفة إلى اليوم إلا أن بعض مكوناتها يختلف وهذا الاختلاف كما قلنا من باب الابتكار عبر الأجيال ، ومنها ( المقلوبة ، البصلية ، مفركة ، باذنجان مخلل ، لفت مخلل ، باذنجان محشي ، مطبق ) وهذه الأكلات إلى اليوم تُعرف في ديارنا ( الأردن وفلسطين ) والشام عامة ..


وبعيداً عن ما ذكره البغدادي من أكلات ، فقد وجدت أكلة قديمة معروفة عند العرب هي اقرب إلى ( المنسف )  والمنسف أكلة معروفة في ديار الأردن وفلسطين ولا تغادر بيت أي جُذامي وطائي من بيوتات الأردن وفلسطين ..

بينما أنا أطالع كتاب ( غريب الحديث ) للسرقسطي وقعت على أكلة تُعرف بـ ( البَّهطُ ) وهي سندية الأصل وهي الأرز يُطبخ بلبن خاص وبسمن ، كما أوردها السرقسطي في ( 2 / 434 ) .

فقد قال الليث كما في ( التهذيب ) ( 6/181 ) : ( البَهَط : الأرز يُطبخ باللبن والسمن بلا ماء ) وذكر الفيروزآبادي قولاً لأحد الشعراء :

تَفَقَّأَتْ شَحْمًا كَمَا الْإِوَزِّ        مِنْ أَكْلِهَا البَهَطَّ بِالْأَرُزِّ


وأما الكُشري والمعروفة عند أهل مصر العزيزة  فهي هندية الأصل وقد أوردها ابن بطوطة في رحلته ( ص 423 ) : (ويطبخون المنج مع الأرز ويأكلونه بالسمن ويسمونه كشري، وعليه يفطرون في كلِّ يوم، وهو عندهم كالحريرة ببلاد المغرب ... ) .

قال أحمد أبو بكرة الترباني : فأصل الكُشري من الهند وعُرفت بها مصر اليوم ويُعد من خصائصهم وتوارثت هذه الأكلة بين أجيالهم ..


وأما الأكلة التي يَفر منها شباب هذا العصر وإن كنت أنا لا أحبها ـ والأكل أذواق ـ ويعشقها آبائنا وهي ( الخُبيزة )  وهي سهلة الجلب ، فما أكثر ما تَنبت في المزارع والجبال ، وأفضل أنواعها ما جُلب من ( الغور ) فهي من الأكلات الشامية وقد أوردها البارودي في ( معجم الأكلات الدمشقية ) ( ص 94 ) باسم ( خُبيزة بالزيت ) ونحن نُسميها على طريقة القلي بـ ( حوسَّة ) ..



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد