فضل علم الأنساب عند السلف

mainThumb

23-06-2015 06:13 PM

 بناء على طلب الأخ الفاضل  محمد البلعزي   من ليبيا  في كتابة مقالة صغيرة في تبيان فضل هذا العلم الشريف وأنه من العلوم التي سارع السَّلف لتعلمه والتأليف فيه .. ولم يُعطله إلا  شعوبي  أو من جهل تاريخ السلف مع هذا العلم .. 

فقد قال الرب سبحانه : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا )  الحجرات 13.
 
وأمر نبي الأمة ـ صلى الله عليه وسلم ـ بتعلمه حيث قال : ( تَعَلَّموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ).
  
وفي قواعد أصول الفقه ( الأمر يقتضي الوجوب ) وقد بين أهل العلم أن علم الأنساب واجب في مواطن ومندوب في مواطن أخرى ، فالواجب على المرء معرفة أرحامه ومن يتصل بهم نسباً 
وقد كان الصِّديق أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ من أعلم العرب بأنساب قريش ، فقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( أبو بكر أعلم قريش بأنسابها ).
 
 
وهذا يدل على معرفة النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ بالأنساب لشهادته لأبي بكر في ذلك .. فقد ذكر الحاكم النيسابوري في ( معرفة علوم الحديث ) ( 170 ) : ( النسب سُئل عنه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فتكلم فيه ). 
 
وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن  عمرو بن لحي  : ( عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أبو خزاعة ) .. وهذا يبين لنا معرفة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالأنساب .
 
وقد كان صحابة النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ أهل معرفة في الأنساب كـ ( أبو بكر الصديق و عمر بن الخطاب و علي بن أبي طالب و جبير بن مطعم و مخرمة بن نوفل و عقيل بن أبي طالب .... الخ ) .
 
قال ابن حزم الأندلسي في ( الجمهرة ) ( 7 ) : ( كان أبو الجهم بن حذيفة العدوي وجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ، من أعلم الناس بالأنساب ، وكان عمر وعثمان وعلي به علماء ـ رضي الله عنهم ـ ). 
وكان من التابعين من علماء الأنساب : ( سعيد بن المسيب والشعبي وقتادة والزهري ... الخ ).
 
وقد قال البخاري في ( التاريخ الكبير ) ( 5/36) : ( ابن شهاب كان يجالس عبد الله بن ثعلبة ليتعلم منه الأنساب ) فهذا من التعلم ، لا كما نشاهده اليوم من تطفل العوام على هذا العلم فأصبح من لا يعرف شروط الطهارة يتكلم في النسبِ ( ! ) والله المستعان . 
 
وقد رحل العلماء لطلب هذا العلم من أهله ، فقد طلب ابن فهم البغدادي الأنساب من مصعب الزبيري كما بين ذلك البغدادي في ( تاريخه ) ( 8/657 ) : ( صحبت مصعب بن عبد الله فأخذت عنه معرفة الأنساب ). 
وقد جعل العلماء تعلم الأنساب أصل من أصول  علم الحديث  كما بين ذلك الحافظ الحازمي في ( عجالة المبتدي ) ( 26 ) : ( ومن أصول الحديث معرفة الأنساب ، وأهمها أنساب العرب ) .
 
قال ابن حزم في ( الجمهرة ) ( 6 ) : ( ومن أعلم الناس بالأنساب جماعة من أهل الفضل والفقه والإمامة ، كمحمد بن إدريس الشافعي ).
 
فهذا العلم كان من علوم أهل الفقه والحديث ، فقد أهتم علماء الحديث في علم الأنساب بشدة وصنفوا فيه وتكلموا على أنساب الرواة في مصنفاتهم ، فلولا علم الأنساب لجاز للزنادقة والخوارج ادعاء الخلافة والانتساب لغير أنسابهم ، ولولاه لما عُلم حال الوارث وورثته ولولاه لما عُرف الكاذب من الصادق .
 
وأما تعلم هذا العلم للـ ( تفاخر ) فهذا مذموم ، والتفاخر هو رفع شأن قبيلته والتنقص من الغير وهذا من فعل الجاهلية . 
وكذلك الطعن في أنساب الصرحاء بـ ( جهل دون العلم ) فهو من الأمور المذمومة ، وأما الطعن بعلم فهو مطلب شرعي سار عليه السلف في الطعن في ادعاءات الكذبة ، فقد أنقض علماء السلف على دعوى  الدولة العبيدية  وردوا نسبها المُختلق . 
وكذلك تكلم علماء الحديث والتاريخ على أنساب الرواة وطعنوا في ادعاءات بعض من انتسب لغير أبيه ، ولولا هذا لجاز لكل من هب ودب أن ينتحل الأنساب ولخرج المجانين وادعوا المهدوية وأنهم من قريش .. الخ ..
 
وأما مقولة : ( الناس مؤتمنون على أنسابهم ) فهذه عبارة مطاطية يركبها كثير من الكذبة وقد وَضح هذا المقولة العلماء كالسخاوي والآلوسي ومن المعاصرين الشيخ بكر أبو زيد ـ رحمه الله ـ والشيخ محمد بازمول في كتابه  عبارات موهمة ..
  ومعنى هذه المقولة كما وضحها الشيخ بكر أبو زيد في ( فقه النوازل ) ( 1/122 ) : ( وهاهنا فائدة يحسن تقييدها والوقوف عليها وهو أن هذا ـ أي : مقولة :  الناس مؤتمنون على أنسابهم  ـ ليس معناه تصديق من يدعي نسبا قبليا بلا برهان ، ولو كان كذلك لاختلطت الأنساب واتسعت الدعوى وعاش الناس في أمر مريج ولا يكون بين الوضيع والنسب الشريف إلا أن ينسب نفسه إليه ، وهذا معنى لا يمكن أن يقبله العقلاء فضلا عن تقريره ، إذا تقرر هذا فمعنى قولهم  الناس مؤتمنون على أنسابهم  هو قبول ما ليس فيه جرم مغنم أو دفع مذمة ومنقصة في النسب كدعوى الاستلحاق لولد مجهول النسب والله أعلم ).  
 
فعلم الأنساب شريف ومن حاول تعطيله أو تزهيد الناس فيه فهذا يُشك في حاله ، ومن تكلم في علم الأنساب بجهل دون دراسة لهذا العلم الشريف و دون تزكية العلماء والشهادة له بالتمكن فيه ، فنقول كما قال الذهبي حافظ زمانه في ( السير ) ( 4/472 ) : ( فاصرعه وأبرك على صدره واقرأ عليه سورة الكرسي ) لأن أنساب الناس لا يجوز أن يتكلم فيها الجاهل حتى لا يُسيء لها بجهله ، والعجيب أنك تجد العوام إذا تعطل بعض متاع بيته كـ ( الثلاجة ) مثلاً ( ! ) يذهب ويسأل عن الخبير في تصليح الثلاجات ولا تجده يُغامر بها إلى الجاهل في هذه الصنعة ، ولكن في نسبه تجدهم يأخذون قول الجاهل الخَرِف ويتركوا قول العالم بل يشنعوا عليه إذا كان قوله مخالفاً لأباطيلهم فيرمونه بالفواقر الباطلة كـ ( مزور وجاهل .. الخ ) فقط لأن قوله لم يوافق عقولهم والتي ليس فيها ذرة علم من أصول وقواعد النسبِ .
 
ومن أراد أن يعلم قدر هذا العلم وشأن السلف فيه فليقرأ كتاب حبيبنا النسابة الفحل الشريف  إبراهيم بن منصور الهاشمي الأمير  المسمى ( عناية العرب بأنسابهم وسبقهم في ضبطها وحفظها سائر الأمم ) .. فقد استفدنا منه وأفاد الجميع ـ حفظه الله ـ


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد