أضحك مع اللي ضحك والهم طاويني ..

mainThumb

10-05-2016 09:54 AM

 قصيدةٌ نبطيَّةٌ قديمةٌ ، اختلف النَّقَلَةٌ في نِسْبَتِها لقائلها ؛ فمنهم ‏مَنْ أرجعها ، إلى شخص اسمُهُ ( فهد الكعبي ) ، ومنهم من ‏أرجعها إلى ( عبدالهادي الغنامي ) وكان مع الشريف حسين ‏زمن الثورة العربية في الشام ... ومنهم من قال غيرَ ذلك .‏

 
والذي يَهُمُّني ليس البحث في تحقيق قائلِها ، وإنما تذَوُّقُ جمال ‏بعض أبياتِها ، ولا بُدَّ انَّ نتعرَّفَ على المناسبةِ التي دَعَتْ ‏الشاعرَ لانشادِها ، فقد قال البعضُ في سبب انشادها : ان ‏قائلها خرج الى جهة الشام ، ولعَلَّها ( فلسطين والاردن ) ، ‏فوقعَ حُبُّ فتاةٍ قرويةٍ من تلك النواحي في قلبِ الشاعرِ ‏الغريبِ ، فقال هذه القصيدةَ الرائعةَ ، التي يتداولُ أكثرُ محبي ‏الشعر النبطي بيتاً منها وهو :‏
 
هَبَّتْ هُبوب الشِّمال وبردها شيني
 
‏...... ما تِدْفِي النَّار لو حِنَّا شَعَلْناها .‏
 
وسوف أتناولُ أوَّلَ بيتين منها ( المَطْلعَ ) ؛ وهما :‏
 
عَدِّيْت في مَرْقَبِ (نْ ) والليل مِمْسِيْني ‏
 
‏...... بِدْيار غُرْبِ ( نْ ) ، لَعَلْ السَّيْل ما جاها ‏
 
أضْحَكْ مع اللِّي ضِحِكْ ، والهَمْ طاويني ‏
 
‏...... طَيِّةْ شُنُوْن العرب لا قَطَّروا ماها .‏
 
فالشاعرُ يعيش أزمةً نفسيةً وذلك يتَّضِحُ في هذا المَطْلع ‏الحزين ، فالليلُ ضاربٌ أطنابَهُ ، ومحيطٌ بروح الشاعر التي ‏لم تَنلْ مُناها مِمَّنْ أحبَّتْ .‏
 
وهو يَجُدُّ السيرَ في بلادٍ غريبةٍ عليه ( الشام ) ، وهذه البلاد لم ‏يَزُرْها ( السيلُ ) الذي فيه الحياةُ للناس ، فروحُهُ مثلُ الارض ‏التي غاب عنها الماء ؛ جفافٌ وتشققاتٌ ...‏
 
رغم هذه الاوجاع الروحية إلا أنَّه يُظْهِرُ لِمَنْ حوله الفرحَ ‏والضَّحِكَ حتى لا يَطَّلِعوا على سِرِّه وبلواه ، فالهمُّ مُلْتَفٌّ حولَ ‏عُنُقِهِ يَعْصِرُهُ ويقبضُهُ ؛ يُريدُ استخراجَ قَطْرَةَ روحِهِ !‏
 
وهذا القبضُ والعصرُ يُشبِهُ ما يفعلُهُ البدوُ بِشَنَّةِ الماءِ ( القربة ‏‏) ، إذا انقطعوا في الفيافي والبيد ، فهم يقبضونها ويطوونها ‏طَيَّاً شديدا لاستخراجِ آخرِ قطرةِ ماءٍ من هذه ( القربة ) ، فهذا ‏ما يجدُهُ شاعرُنا العاشقُ من الطَيِّ والقبضِ لروحِهِ المُوْجَعَةِ .‏
 
فَذِكْرُ السيلِ وشَنَّةِ الماءِ في هذين البيتين ، وَذِكْرُهما جاء في ‏سياق النَّفْي أي أنَّهما غيرِ موجودين ، والماءُ هو سِرٌّ الحياةِ ، ‏فكذلك ما يُنْعِشُ روحَه قد غاب ولم يَنَلْهُ !‏
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد