ماذا وراء الفيتو الروسي الصيني

mainThumb

05-03-2017 10:55 AM

لم يكن من المفاجئ استخدام المندوب الروسي والمندوب الصيني استخدام حق النقض الفيتو لإجهاض قرار إدانة النظام السوري في مسألة استخدام أسلحة كيماوي ضد الشعب السوري لثورته على النظام طلبا للحرية التي ينشدها. ذلك أن أبعاد هذا التصويت بالفيتو ضد مشروع قرار إدانة النظام أكبر من كونها تتعلق باستخدام السلاح الكيماوي نفسه.

 
لقد أفرزت ثورة الشعب السوري على النظام حقائق وتحالفات عديدة على الأرض السوري، كلها تصب ضد مصلحة الشعب الذي بدأ هذه الثورة من ست سنوات خلت، وما زال يرنو إلى الحرية التي ينشدها بالطرق العسكرية والسياسية والديبلوماسية، لعل وعسى يمكنه من خلال المعارضة التي تمثله ومفاوضاتها مع النظام والأطراف اللاعبة الرئيسة على الأرض الوصول إلى حل مرض لشعب عانى وقدم الكثير في ثورته على النظام.
 
والواقع أن ثورة الشعب السوري لربما وصلت إلى مرحلة من تحقيق ما تصبو إليه لولا الدعم اللامحدود الذي تلقاه النظام من قوى دولية رأت أن نجاح المعارضة في حربها ضد النظام لا يتلاءم مع مصالحها في المنطقة، وما ترمي إليه هذه الدول في مخططاتها بعيدة المدى سواء كانت برؤية منها أو نتيجة الإفرازات التي تتمخض عنها الحرب يوما بعد يوم.
 
 روسيا في الواقع ألقت بثقلها إلى جانب النظام، وزودته بأحدث الأسلحة، بل وصل بها الأمر إلى إرسال قوات روسية مدعومة بسلاح الصواريخ وسلاح البحرية وسلاح الطيران (لاستعادة) مدينة حلب من قوى المعارضة وإخضاعها لسيطرة النظام من جديد بما يقوي موقفه التفاوضي مع القوى التي تمثل المعارضة في سبيل الوصول إلى حل للمشكلة السورية التي يقول التاريخ بأنها أكبر نكسة تعرض لها شعب بعد الحرب العالمية الثانية.  نجحت روسيا فيما هدفت إليه، وها هي تمسك بأطراف المشكلة السورية من كل حدب وصوب، تقبل وترفض وتنقض بما يتناسب ليس مع مصلحة النظام، وإنما بما يتناسب مع أهوائها ومصالحها في الأرض السورية، ولو كانت ثمة جدية في حل المشكلة السورية، لتم حلها خلال فترة وجيزة من الزمن من قبل الدولة الروسية نفسها، وبما يناسب تطلعات الشعب السوري ورغبته، لكنها حاليا سياسة المصالح وفي المدى البعيد مخططات جهنمية بعيدة في مداها تفسر ميوعة المؤتمرات التي تعقد لحل الأزمة السورية، من سلسلة مؤتمرات جنيف وليس انتهاء ربما بسلسلة مؤتمرات أستانة.
 
هناك خطأ كبير إذ يظن أنه يمكن القضاء على شعب بعينه حتى لو تم استخدام الأسلحة الكيميائية في قتله والقضاء على مقدراته بعد كل التضحيات التي قدمت.ولقد تمخض عن الحرب في سوريا مناح كثيرة أدت إلى تنمية الشعور الطائفي لدى العديد من الفئات في الأرض السورية، بما فيها الأكراد والعلويون الأكثر خوفا على مصالحهم، خلا السنة الذين يحملون لواء الثورة ضد النظام وإعادة صياغة الواقع السوري من جديد.
 
إيران، وخططها في التوسع والسيطرة في المنطقة، لم تترك أي جهد في سبيل دعم النظام السوري، وتأمين الطريق بين سوريا من جهة ولبنان من جهة أخرى، بل إن الأمر وصل كما يبدو إلى إلغاء الحدود بين البلدين من خلال سيطرة عناصر حزب الله المدعوم إيرانيا على المناطق الحدودية بين البلدين. أما تركيا فلها منطقة نفوذها في الشمال السوري وتتصرف وفقا لما يناسب مصالحها هناك.
 
إسرائيل، الطرف التي تلعب دورا غامضا في الأرض السورية ولا تحرك ساكنا خلا عمليات القصف الجوي التي تقوم بها بين الحين والأخر منعا كما يقال لوصول إية شحنات أسلحة إلى الأراضي اللبنانية.  وهي بالتأكيد راضية كل الرضى عما حدث ويحدث في سوريا، فالوهن السوري يصب في صالحها، سواء فيما يتعلق بالنواحي العسكرية أو الديموغرافية التي تعمل إيران وروسيا على تغييرها وفقا لمصالحها، ومعروف أنها تنسق في كل صغيرة وكبيرة مع الروس فيما يتعلق بالأحداث على الأرض السورية، ولا تهدف في الحقيقة إلا إلى تفتيت الأرض السورية إلى دويلات متصارعة فيما بينها مستقبلا، بما يضمن لها الأمن على المدى الطويل دون أن يساورها أي شعور بالقلق أو الخوف من المستقبل.
 
لم يعد الأمر في المجمل متوقفا في سوريا إذن على كيفية إدانة استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل النظام ضد الشعب، ولا على كيفية إنقاذ الدولة السورية من قبل حلفاء النظام كما يبدو في الأفق، ولا على كيفية التوصل إلى حل سياسي يؤدي إلى إعادة بناء الدولة من جديد، وإعادة عملية البناء، وعودة المهجرين السوريين إلى وطنهم. فالوقائع على الأرض أفرزت مفهوم الطائفية الذي تدعمه إيران وروسيا. ويبدو أن ثمة مخططا بعيد في مداه يعمل عليه الروس والإيرانيون والإسرائيليون لتقسيم الدولة السورية إلى دويلات متعددة لا يؤول منه إلا التأسيس لمبدأ جديد في إقامة الدول في المنطقة يتمثل في الانتماء إلى المذهب أولا قبل الانتماء إلى الدولة، وهو مؤشر يدفع باتجاه هشاشة الترابط فيما بين أفراد المجتمع الواحد ويسهل من انهياره إذا ما توافرت الشروط المطلوبة لذلك، وما العراق الجديد عن ذلك ببعيد.
 
 
كاتب ومحلل سياسي
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد