هل من نهج روسي جديد في سوريا؟

mainThumb

10-05-2017 09:37 AM

العمل على إنشاء مناطق آمنة، وتخفيف حدة العمليات الجوية السورية والروسية، ومؤتمر أستانة الأخير مسائل مستجدة على صعيد الأزمة السورية، اختلط الحابل معها بالنابل. هذا هو الوضع في سوريا باختصار شديد بعد الضربة الأمريكية الأخيرة لمطار الشعيرات بصواريخ توماهوك، التي أربكت الموقف الروسي في الاعتقاد بالرغم من معرفة الروس المسبقة بتلك الضربة من قبيل ما يقال عنه التنسيق الأمريكي الروسي المستمر فيما يخص العمليات الحربية للدولتين، جوا وبرا وبحرا.
 
ساد في سوريا، وضع امتد لأشهر عديدة، كانت فيه روسيا اللاعب الرئيس على الأرض السورية، وبدرجة أقل إيران وتركيا، لاسيما في عهد الرئيس الأمريكي أوباما، الذي ابتعد بأمريكا عن المشكلة السورية، لأهداف علنية منها عدم المخاطرة بحياة مزيد من الجنود الأمريكيين، وربما أقوى من ذلك بكثير أن الحرب في سوريا، ودمار سوريا، وانهاك جيشها، وتشريد شعبها، هي الهدف الأسمى الذي يصب في صالح دولة الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة.
ولما استلم الرئيس ترامب سدة الحكم في أمريكا، ساد هناك شعور بالارتياح لدى الروس، ربما بالنظر لعلاقتهم معه قبل ترشحه لمنصب الرئاسة الأمريكية.  من هنا، نشط الطيران الحربي الروسي والسوري في قصف المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية، من أجل إخضاعها واستسلامها وربما تأليب الناس عليها بهدف عزلها، وتقوية وضع رأس النظام وبقائه في هرم السلطة، وتخفيف الضغط عنه، والعودة بالتدريج في سوريا إلى سابق عهدها دونما أخذ لأي اعتبار بالتضحيات التي قدمها الشعب السوري وإبقاء الوضع على ما هو عليه في البلد.  ومن هنا، جاء فيما يبدو ضرب خان شيخون بالسلاح الكيماوي.  لكن ما حصل، أن رد فعل الرئيس الأمريكي جاء معاكسا لتوقعات الروس والنظام، حيث تم قصف مطار الشعيرات في ريف حمص بصواريخ توما هوك.
 
العملية الأمريكية فيما يبدو أربكت الروس الذين ظنوا لوهلة أن يدهم أطلقت في سوريا، والتي كان من نتائجها أيضا إرباك حسابات النظام كما حلفائه روس وإيرانيين، وهو في الظن ما دفعهم مؤخرا إلى مراجعة موقفهم، خصوصا بعد التلميح الأمريكي لمعاقبة النظام في حالة الاستمرار باستخدام السلاح الكيميائي.  من هنا، يبدو أنه كان ثمة إدراك روسي أن استمرارهم في موقفهم كما هو عليه يعد مسألة متعذرة، لاسيما على وقع الكثير من الضحايا قتلى وجرحى ومشردين نتاج عمليات القصف الجوي على وجه من التخصيص، وأن قدراتهم ككل تعد محدودة بالمقارنة مع القوة الأمريكية، ما يعد معه خطأ كبيرا التصادم مع الأمريكيين.
 
ما سبق يفسر السلوك الروسي والسوري معا في الآونة الأخيرة بالتقليل من عمليات القصف الجوي واستهداف المدنيين العزل، والعمل على التنسيق مع الأمريكيين في منحى جديد، ومعاودة تبني مؤتمر أستانة بالاشتراك مع الأتراك والإيرانيين، والذي تم التوصل فيه إلى إقامة مناطق آمنة في مناطق مختلفة في سوريا.
 
قد يكون من الجائز القول أن الروس ما برحوا يعملون على استكشاف الموقف الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه الأزمة السورية، لكن الحقيقة أن التوجه نحو إقامة أربع مناطق آمنة في سوريا، كان أحد المخرجات التي نتجت عن الضربة الأمريكية بصواريخ كروز لمطار الشعيرات.  ومن الواضح أن عجز روسيا عن فرض رؤيتها، وحلها للأزمة السورية خلال مدة تزيد عن السنتين، أعاد موقعها إلى حيث بدأت، وشرعت تبحث عن مخرج آخر، وتبني نهج جديد يحفظ ماء وجهها، وإبقاء الوضع في سوري على ما هو عليه، والمستقبل مليء بالمفاجآت.
 
 
محمد حطيني
كاتب ومحلل سياسي مستقل
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد