موقف أميركي ونصيحة أردنية

mainThumb

13-08-2017 12:03 PM

من الطبيعي رفض الولايات المتحدة المساهمة في إعمار سوريا ، وفق ماصرح به بريت ماكفورك مبعوث الرئيس ترامب قوله " لن نقوم بإعمار المناطق المدمرة على المدى البعيد ، ولا يتعين علينا تحمل أعبائه " فواشنطن وحلفائها وأدواتها هم الذين دمروا سوريا فكيف يتطوعوا ويعملوا على ترميمها وتعويض أهلها ومساعدتهم ، بعد أن نجحوا في إنجاز الهدف : خراب سوريا ، وتدمير قواتها المسلحة ، وتشتيت شعبها وإفقاره وتحويلها إلى بلد شحاد ، بعد أن وصلت إلى الإكتفاء معتمدة على قدراتها الذاتية ، وهو فعل وحصيلة لا يروق للمشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، فقامت الولايات المتحدة وحلفائها بالمهمة نيابة عن تل أبيب ولمصلحتها ، عبر إضعاف سوريا وإستنزافها ، وإخراجها من دائرة الفعل العربي في مواجهة إسرائيل التي تحتل أرضها في الجولان ، وهو نفس الفعل الذي قاموا به في العراق ولنفس السبب : تدمير العراق وإنهاء قوته وتماسكه ووحدته ، لمصلحة العدو القومي ورغبته وتخطيطه ، ونفذته واشنطن بقدراتها وتفوقها ، كما فعلت ذلك في ليبيا ، ولكنها تمكنت من العراق وليبيا في غفلة من الموقف الروسي كما قالت موسكو ، ولكن حينما إستعادت موسكو وعيها وعافيتها ، أخفقت واشنطن في الوصول إلى نفس النتيجة في سوريا ، فسلمت بالفشل أمام صلابة الموقف الروسي في دعم النظام السوري .
 
سياسة واشنطن في منطقتنا العربية مكرسة إستراتيجياً في أحد عناوينها ومصالحها ،  لخدمة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، بعد أن تخلت أوروبا عن هذا الهدف من قبل البلدان الثلاثة التي صنعت " إسرائيل " وهي بريطانيا بقراراتها ، وفرنسا بأسلحتها التقليدية ومفاعلها النووي ، والمانيا بتعويضاتها المالية ، ولذلك لم تعد إسرائيل مجرد طرف صديق للولايات المتحدة ، بل إن الإهتمام بمشروعها السياسي يُعتبر جزءاً من السياسة الداخلية الأميركية ، وهذا ما يُفسر إهتمام المرشحين للرئاسة ، ولمجلس الشيوخ ، والنواب ، وحكام الولايات ، بدعم وإسناد تل أبيب ، وتوفير الغطاء لسياساتها ، نظراً لقوة ونفوذ الطائفة اليهودية وتأثيرها الإعلامي والمالي على مؤسسات صنع القرار الأميركي .  
الرئيس ترامب الأكثر إنحيازاً للمشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي بطبيعته اليمينية المتطرفة ، الهادفة إلى الإستحواذ على ما تبقى من فلسطين ، بإستثناء قطاع غزة ، عبر تهويد القدس بشراً ومعالم ، وأسرلة الغور أمناً وسكاناً ومستوطنات ، وتمزيق الضفة الفلسطينية بالمستعمرات والشوارع الالتفافية ، وجعلها طاردة لأهلها وغير مؤهلة لتكون قاعدة متماسكة للدولة الفلسطينية ، فالرئيس ترامب الذي نجح بفعل عاملين هما ماله ودعم الإعلام والرأسمال والنفوذ اليهودي ، مُحاط بثلاثة قيادات صهيونية يقودون السياسة الأميركية نحو فلسطين والعالم العربي هم : مستشاره ونسيبه كوشنير ، ومبعوثه المفوض جرينبلات ، وسفيره لدى تل أبيب فريدمان ، وتأكيداً لهذه السياسة ولهذا الخيار ، حينما وُجهت إنتقادات إلى مستشاره للأمن القومي هربرت ماكماستر ، دافع عنه بقوله " أنا والجنرال ماكماستر نعمل معاً بشكل جيد ، لأنه رجل جيد مؤيد لإسرائيل " ولذلك خلص إلى نتيجة مفادها " إنني ممتن له على العمل الذي يواصل القيام به " . 
 
بينما تجتاح الرئيس الفلسطيني موجة جديدة من الإحباط واليأس من السياسة الأميركية لأنها أكثر بشاعة في تعاملها مع حقوق الشعب الفلسطيني والعمل على تبديدها ، وأكثر وضوحاً في تبني كامل وجهة نظر سياسة نتنياهو العنصرية الإستعمارية التوسعية ، فمبعوثي الرئيس ترامب كوشنير وجرينبلات عرضوا وجهات نظر نتنياهو كاملة بمفردات أميركية أمام الرئيس الفلسطيني  ، سواء فيما يتعلق بالحرم القدسي الشريف ، أو دعم الإجراءات الإسرائيلية نحو القدس والإستيطان وإستمراريته ، أو نحو تقليص الدعم المالي ، وحصيلة تلك السياسة مكافأة الإحتلال والإستيطان والتوسع ، ومعاقبة الشعب الفلسطيني وتفتيت حقوقه وتقزيم قضيته ، والعمل على عزل منظمة التحرير وسلطتها الوطنية عربياً وإسلامياً وتجفيف مواردها . 
تناغم كبير وواسع بين نتنياهو وترامب ، يدفع ثمنه الشعب الفلسطيني ، سواء أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة بالعنصرية والتمييز والأقصاء ، أو أبناء الضفة والقدس بالإحتلال والإستيطان والأحكام العسكرية الجائرة ، وأبناء قطاع غزة بالحصار والتجويع وحرمان حق الحياة الطبيعية المستقلة ، ناهيك عن اللاجئين المشردين الذين يتطلعون إلى العودة وإستعادة ممتلكاتهم المنهوبة في اللد ويافا وحيفا وعكا وصفد وبئر السبع ، وقائع صارخة تحتاج للتأمل والفعل في كيفية إستعادة التوازن والحق في الحياة على أرض الوطن ، الذي لا وطن للفلسطينيين سواه ، أسوة بكل شعوب الأرض . 
 
لذلك دعوني أقول بناء على ما توفر لدي من معلومة أن أحد أسباب زيارة جلالة الملك إلى فلسطين رام الله ، يوم الأثنين 7/8/2017 ، هو رفع معنويات الرئيس الفلسطيني ، وإقناعه بضرورة عدم التصادم مع الإدارة الأميركية ووفق التعبير الأردني الذي سمعه الرئيس أبو مازن " إذا لم تستطع إقناع ترامب بالوقوف إلى جانبك ، فعلى الأقل لا تصطدم معه لأنك ستقدم خدمة لنتنياهو وتجعل منه العامل الوحيد المؤثر على الإدارة الأميركية ، وسيعملان على تصفية قضيتك بعد التخلص منك  " نصيحة تلقفها أبو مازن وسيعمل على أساسها ! . 
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد