اعترافات ادارية‎

mainThumb

02-09-2017 08:55 AM

 كنت كاذبا عندما أخبرت الموظفين في أول لقاء لي معهم، بأني رجل صارم، لا أخلط حياتي الشخصية بالعمل، لدرجة أنني استدعيت قصة ملفقة، للتدليل على هذه الميزة التي أتميز بها، قلت لهم إنني كنت في سابق عهدي، أسهر مع أصدقائي في العمل، وكنا من أعز الأصدقاء، أحيانا يستمر بنا السهر الى الفجر، نلعب الورق وندخن الأرجيلة، وفي اليوم التالي، أي صديق يتأخر، أقوم بمعاقبته بمنتهى الحميمية، فعندما يبدي استغرابه، أقول له: أنا لا أخلط بين صداقتك والعمل! " هذا شي وهذا شي" .

أنا نفسي أستغرب من ارتفاع هرمون الكذب عندي عندما أقابل الموظفين وأتكلم عن مثاليتي في العمل! أنا للأسف قليلا ما أسهر مع أصدقائي، وخاصة زملاء العمل، ولا أتعاطى الأرجيلة، وإذا سحبت نفسا منها، أحس بالدوار، وأحس كالحجر يجثم فوق معدتي، ولا يخفي هذه الأعراض الا النوم، وأعترف أيضا أنني لا أعرف القانون، أملك قانوني الخاص، فكم قسوت على موظف وحرمته من حقه، فقط لأنني أرى في سلوكه المنضبط إدانة لفوضويتي، وأكافئ الموظف المترهل لأنني أراه قريبا مني ويشبهني.
 
ثم إن القصة السابقة لم تحصل أصلا، أنا سمعتها من مدير سابق قالها أمامي، وأنا انتحلتها، وهو أيضا انتحلها من شخص آخر، عرفت ذلك من قفاه، عندما قالها واستدار خارجا، رأيت بين أذنيه أنه كاذب، ولكن القصة أعجبتني، فمن سيكذبني في ذلك، وأنا لا أرى بين زملائي من عايشني في كامل خدمتي .
 
والقصة هذه بالذات، سمعتها عندما كنت طالبا، عندما تناهي الى أذني، تهامس معلمان، كانا يتناجيان في شأن مدير، وينسبون اليه هذه القصة، قد يكون هو من أخبرهم بها ذات اجتماع، أو نحله إياها أحد "شلته" ليخيف شلة المنضبطين!.
 
قصة المدير وأصدقاؤه، انتشرت عبر التاريخ، فذُكرت في الحضارة السومرية، ويقال أنها سُطرت على مسلة ميشع، وأعجبت كسرى أنوشروان، وتناقلتها الأجيال وحيا ورقما، حتى أن بعض أوراق البردي الفرعونية التي عثروا عليها في دلتا النيل ذكرت قصة مشابهة لهذ القصة، حيث كان يسهر فرعون مع هامان، فطال بهم السهر حتى غابت الثريا، وفي الصباح جاء هامان متأخرا عن دوامه، فاستجوبه فرعون، فاستغرب هامان وقال أخرتني سهرتك البارحة يا مولاي، فابتسم فرعون وقال: جاوب على الاستجواب، " هذا شي وهذا شي، العمل عمل، وعلاقتي بك خارج العمل، لا تدخلها بالعمل".
 
مهما يكن، ومهما تناقلت الأجيال القصص، يبقى كذب المسؤول شيء من ضمن مستلزمات المنصب، فعندمت تتتعلق العيون بك وأنت تتكلم، تستدعي شيطان الكذب، ليختلق لك القصص الخيالية التي تسمو بك الى الكمال، وينتهي هذا الكمال إذا صَمَتّ عن الكلام وبدأت تمارس سلطاتك.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد