المصالحة الفلسطينية تشاؤم أم تفاؤل

mainThumb

22-10-2017 03:28 PM

إذا كنا في صدد القيام بتحليل واقعي للمصالحة الفلسطينية التي تحققت، لا بد من إلقاء نظرة موضوعية تعطي كل ذي حق حقه فيما يتعلق بتحقق هذه المصالحة التي لا بد أن تكون كذلك كما اسمها، عطفا على الحال الذي وصلت إليه المسألة الفلسطينية من إهمال في جدول الأعمال الدولي، وهي لما تعد القضية الأكثر أهمية في المنطقة العربية وتشكل القاعدة الرئيسة لإنهاء ما يحصل في أكثر من منطقة في الإقليم من قلاقل وحروب ونزعات إلى الانفصال في بعض أماكنها.
 
والحقيقة أن الواقع الفلسطيني يبتسم أخيرا لمصالحة تحققت بين الفصيلين الفلسطينيين حماس وفتح اللذين اختلفت في وقت من الأوقات برامجهما وتوجهاتهما الوطنية، وهي بخطوطها العريضة لا داعي للخوض فيها ما دام الجميع يعرف ماهيتها وسبل التعامل معها.  لكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا تحققت هذه المصالحة بعد طول عناء تعرض له الشعب الفلسطيني بشقه الغزاوي للحصار الجائر والتجويع والمقاطعة الاقتصادية والسياسية، وتهالك في إعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب المحتلة في حروبها التي شنتها على قطاع غزة.  ثم لماذا غيرت حماس من ميثاقها، وعلى حين غرة يستضاف قادتها في مصر، بعد وسمها بحركة إرهابية تقف ضد المصالح المصرية، وتعمل على إلحاق الضرر بالدولة المصرية نفسها؟
 
التحليل الواقعي يقول أن حماس لم تكن لتقبل على تغيير ميثاقها إلا وفق ممارسات إقليمية وتغيرات في السياسة الدولية تجاه القضية الفلسطينية خاصة والمنطقة عامة، بما في ذلك وصول إدارة أمريكية جديدة إلى رأس السلطة، يأمل كما يرشح من كواليس السياسة أن رئيسها، الرئيس دونالد ترامب يتوق إلى تحقيق ما عجز عنه كل الرؤساء الأمريكيين السابقين الذين حاولوا بطريقة أو بأخرى التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية المستعصية على الحل، ليكون إنجازا تاريخيا له غير مسبوق في أروقة السياسة الدولية.  هذا الأمر ربما تكون حماس تلقته من طرف إقليمي أو دولي، فكان أن عملت على تغيير ميثاقها لتنخرط في عملية تفاوضية جديدة ربما ترى النور قريبا.
 
الأمر الثاني أن حماس، بعد أن لعبت بورقة محمد دحلان بكل حرفية وذكاء سياسي لفتح كوة في الجدار العازل بينها وبين السلطة الفلسطينية، ما اثر على الجانب الفلسطيني الآخر، فتح، للانطلاق نحو قنوات التفاوض من جديد مع حماس في سبيل التوصل إلى مصالحة فلسطينية حان وقتها بعد كل تلك المعاناة للشعب الفلسطيني بنسب متفاوتة في غزة والضفة الغربية.  كما أن الحركة أدركت ولو كان ذلك متأخرا أن بوابتها إلى العالم هي مصر دون غيرها القادرة دوما على إحداث التغيير في المواقف، وأن غزة لن يكون متنفسها إلا من خلال مصر، وهو ما حدا بها إلى القبول بالتفاوض مع فتح، بعد تغيير ميثاقها والانطلاق نحو التفاوض لتحقيق المصالحة الفلسطينية المنشودة، وهو ما تم الإعلان عنه فعلا، بالرغم مما تبقى فيه من مسائل شائكة لا بد أن يتم حلها بين الطرفين مع مرور الوقت.
 
قد يقول قائل، لقد أعلنت مصر حماس منظمة إرهابية، فكيف يتم التعامل معها فجأة وعلى حين غرة ويستضاف قائدها السياسي في غزة يحيى السنوار ووفد من كبار مسئوليها في مصر لإنجاز ملف المصالحة؟  القراءة تقول أن مصر تدرك أن التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية لا بد أن يشارك فيه كافة الأطراف الفلسطينية لاسيما الفصائل الرئيسية فيها، فتح وحماس، وهو ما دعاها إلى ممارسة الضغوط على حماس بصور مختلفة حتى تقبل بمبدأ التصالح مع حركة فتح، بمعنى أن المصلحة الفلسطينية العليا هي ما تنظر إليه مصر، وليس التعامل مع فصيل فلسطيني بعينه حتى لا يقال بأنها تميل إلى طرف دون غيرها.  قد لا يكون لذلك ما يبرره، إلا أن التوصل إلى مصالحة حمساوية فتحاوية يعد إنجازا كبيرا للدولة المصرية، وكان لافتا فيه تصريح يحيى السنوار أنه سيتم قطع رقبة أي شخص يحاول تعطيل اتفاق المصالحة الذي تم التوصل إليه.
 
في هذا السياق، يبقى الأردن دونما جدال بأنه الجانب الذي يجب أن لا ينسى بأنه لا غنى عنه في أي حل مستقبلي للقضية الفلسطينية، بالنظر للتداخل اللامحدود بين الشعبين على طرفي النهار، ديمغرافيا، واجتماعيا، وسياسيا واقتصاديا وفي المياه وفي الحدود، وعلى مستوى الأعمال والتنقل، وما يربط بينهما من وشائج القربى والنسب وما يربط بين الشعبين، وعائلاتهما، يفوق ما لا يمكن حصره في مقالة أو كتاب أو قصة محكية أو نشرة إعلامية ناهيك عن مسألة القدس والوصاية الهاشمية على مقدساته.  وهي مجتمعة عوامل تجعل من الأردن بقيادته وشعبة لاعبا مؤثرا في أي حل مستقبلي للقضية الفلسطينية، وهي مسائل ينبغي أن لا تفوت على الحكومات الفلسطينية في أية تسويات مستقبلية، بالنظر إلى ما يمكن للأردن تقديمه من دعم ومساندة لأشقائهم الفلسطينيين قبل وأثناء المفاوضات القادمة، وما بعد التوصل إلى التسوية المنتظرة التي تنظر إليها الإدارة الأمريكية كإرث تاريخي، إن هي استطاعت التوصل إليها.
 
نعود فنقول، بأن السكان في غزة تعرضوا لمعاناة كبيرة اقتصاديا وسياسيا، وعانوا على المستوى المعيشي والخدمي، والوظيفي والصحي، فكان لا بد من اتخاذ قرار المصالحة الذي يعد لبنة أساسية لا غنى عنها في تحسين الأحوال المعيشية والاقتصادية للسكان وبناهم التحتية، وإعادة بناء ما دمرته آلة الحرب اليهودية.  لكن هنا يبرز سؤال آخر، ما هو موقف المنظمات الفلسطينية الأخرى من المصالحة، وتحديدا الجهاد الإسلامي؟  الواقع لم يبرز موقف واضح من منظمة الجهاد الإسلامي تجاه المصالحة حتى الآن. وهو ما يتوجب الالتفات له، حتى لا يكون هناك من يقف في وجه المصالحة الجديدة أو قل المتجددة، بما يؤدي لاحقا إلى التحارب الداخلي أو لنقل شرب العسل من وعاء وتجرع السم الزعاف من وعاء آخر.  ينبغي أن تأخذ المصالحة شكلا جديدا يؤدي إلى موقف تفاوضي قوي في قادم الأيام، إذا كان ما يرشح عن حلول قادمة للقضية الفلسطينية صحيحا، بغض النظر إن كان ضمن منظومة إقليمية أو كان خاصا فقط بالمسألة الفلسطينية، مع أن البحث عن حلول ضمن إطار إقليمي هو المرجح بالنظر لعامل شديد الأهمية يتم الحديث عنه كثيرا هذه الأيام، حيث  يقال أن بحر غزة يحتوي على احتياطي كبير للغاية من الغاز الطبيعي، ما يسيل له لعاب الأطراف ذات العلاقة من شركات استثمارية وحكومات في استغلال هذه الاحتياطي الذي ستنعكس آثاره الإيجابية على السكان في غزة خصوصا والفلسطينيين عموما.  ويبقى التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية هو الأساس الذي لا بد منه لإيقاف الحروب في المنطقة والتوجه نحو تحقيق الرفاهية لشعوبها، لكن هل ترضى حكومة الاحتلال بذلك وتخضع للمنطق الدولي في سبيل قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة؟
 
كاتب ومحلل سياسي مستقل
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد