بين الغريزة والفضلية - د.محمود العمر العمور

mainThumb

26-01-2018 05:39 PM

الغرائز هي مجموعة السلوكيات المبرمجة ضمن الشفيرة الوراثية للكائن الحي، والتي حباها الله له ليستطيع العيش، كغريزة البقاء، ومنها البحث عن الطعام والمأوى والهرب من المخاطر وتفاديها، الغريزة الجنسية للتكاثر واستمرار الجنس، وغريزة السيادة والتملك للحفاظ على الموطن والنسل والممتلكات. قال تعالى: { مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا }. (سورة هود 56). ويشارك الإنسان جميع الكائنات الحية هذه الغرائز، إلا أنه يختلف عنها بالفضيلة.
 
الفضيلة هي السلوكيات الأخلاقية والتي فطر الله عليها الإنسان، أي جعلها ضمن شفرته الوراثية، قال تعالى: { فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا }.(سورة الروم 30). ثم منحه خيار التمسك بها من عدمه، قال تعالى: { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا }. (سورة الإِنْسان 3). وأمهات الفضيلة هن الحكمة والشجاعة والعفة والعدل. فالحكمة هي بنت العقل، والشجاعة بنت القلب، والعفة بنت المشاعر، والعدالة بنت الفؤاد والضمير، وحتى يتميز المجتمع الإنساني عن المجتمع الحيواني، فغريزة البقاء تحتاج إلى فضيلة الشجاعة، وغريزة الجنس تحتاج إلى فضيلة العفة، وغريزة السيادة والتملك تحتاج إلى فضيلة العدل، وكل ذلك في اطار من فضيلة الحكمة.
 
فإذا ما تغلبت الغريزة على الفضيلة في الإنسان أصبح حيواني السلوك، وإذا ما انتزعت الفضيلة تماما، وهذا ضد الفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها، ينحط الإنسان إلى درجة سلوكية أدنى من السلوك الحيواني، قال تعالى: { أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } (سورة الأَعراف 179).
 
 فغريزة البقاء دون فضيلة الشجاعة، تؤدي بالإنسان إلى ضياع حقوقه، ويأكل القوي الضعيف، وتغلب الكثرة القلة، وتنتشر العصبية والعنصرية وسفك الدماء، ويختل ميزان الحق. وغريزة الجنس دون فضيلة العفة تؤدي إلى انتشار الفاحشة والرذيلة وما تجره هذه المساوي من ويلات على المجتمع والإنسانية، وغريزة السيادة والتملك دون فضيلة العدل تؤدي إلى انتشار الظلم،  وأكل حقوق الآخرين، والتسلط والجبر.
 
 فبين الغريزة والفضيلة تكمن الإنسانية بفطرتها السليمة، وبناءها الحضاري القويم.
 
       


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد