عن ظاهرة المرشح «الباراشوت» في مصر - محمد أبو الفضل

mainThumb

05-02-2018 02:23 PM

 عندما كتبت مقالا “عن ظاهرة المرشح الكومبارس في مصر” الأسبوع الماضي، جاءتني تعليقات، مؤيدة ومعارضة، ولفت نظري سؤال عن سبب تجاهلي انتخابات الرئاسة التي أجريت عام 2012.

 
وهي انتخابات شهدت زخما كبيرا وتنافسا حادا بين مرشحين كثيرين، أبرزهم الفريق أحمد شفيق، والإخواني محمد مرسي، وأمين عام الجامعة العربية عمرو موسى، والناصري حمدين صباحي، ورئيس حزب مصر القوية الإسلامي عبدالمنعم أبوالفتوح، والناشط الحقوقي خالد علي.
 
قلت لمن طرح السؤال إنها الاستثناء الذي يؤكد القاعدة، فقد جرت عقب ثورة 25 يناير 2011، وما خلفته من سيولة سياسية مفرطة، وكان هناك اعتقاد ساد بأن الحياة الحزبية في مصر عامرة، لمجرد أن البلاد حفلت بصخب سياسي لافت، ولم تستطع قطاعات كبيرة من المواطنين التمييز بين الصالح والطالح.
 
انتهت الجولة الأولى لهذه الانتخابات بوضع المصريين أمام اختيار صعب في الجولة الثانية، بين الفريق شفيق سليل نظام الرئيس حسني مبارك الذي سقط بعد الاعتراض على سياساته، ومرسي الذي ينتمي إلى جماعة ظلامية.
 
نجاح مرسي فجر أزمات كثيرة أدت إلى سقوطه وجماعته خلال مدة لم تتجاوز العام، وبصرف النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا على الطريقة التي جرى عزله بها، فإن نجاح شفيق كان سيؤدي إلى نفس النتيجة، في ظل الأجواء القاتمة التي سادت في ذلك الوقت، وكانت معبأة ضد فلول النظام القديم، ما يشي بأن النتيجة واحدة، سواء كان المرشح “كومبارسا” أم فاعلا ولديه شعبية نسبية.
 
الظاهرة التي بدت واضحة في الأسماء الكثيرة التي ترشحت أو كانت تعتزم الترشح في ذلك الوقت (عمر سليمان وصلاح أبوإسماعيل مثلا)، غالبيتها ظهرت فجأة، ولم تكن علاقتها قوية بالحياة الحزبية، بخلاف صباحي وأبوالفتوح وخالد علي، نعم كانوا أسماء معروفة، لكنهم دخلوا الانتخابات دون سابق إنذار واحتكاك واسع بالشارع، ومنهم من كان ظاهرة صوتية فقط أو احتل موقعا كبيرا (عمرو موسى) واعتقد أن سقوطه عبر “باراشوت” الانتخابات كافيا لاستمالة شريحة كبيرة من المواطنين.
 
كلمة “الباراشوت” تطلق في مصر على كل من يحتل وظيفة مرموقة، ويقال إنه هبط عليها فجأة ودون سابق إنذار، كدلالة على عدم وجود مقدمات منطقية، وللتأكيد على غياب المؤهلات اللازمة لشغل الموقع، فما بالنا إذا كان هذا مقعد رئيس الجمهورية؟
 
الظاهرة أطلقها البعض أيضا على الرئيس عبدالفتاح السيسي في الانتخابات الماضية، فلم يكن معروفا من الناحية السياسية، لكن الكثيرين اعتبروه مرشح الضرورة في حينه، لما قام به من دور مهم، عندما كان وزيرا للدفاع، في تأييد الجيش لغضب المواطنين على جماعة الإخوان ومساعدتهم في التخلص من حكمها.
 
الغاضبون من ابتعاد أحمد شفيق وسامي عنان ومحمد أنور السادات وخالد علي، لديهم بعض الحق في غضبهم، على اعتبار أن هذه الشخصيات كانت تستحق الترشح، والشعب هو الذي يقرر انتخابها أم لا. كل واحد من هؤلاء له أسبابه في الانصراف عن الترشح، والجميع يشترك في أن هناك ضغوطا، مادية أو معنوية، مورست على كل منهم أجبرته على الخروج من حلبة الانتخابات.
 
تبدو وجهة النظر السابقة مبتورة إذا عرفنا أن جميعهم يشبهون من يهبط على وظيفة بـ“الباراشوت”، فمن دون مؤهلات موضوعية قرر هؤلاء الترشح لانتخابات الرئاسة، ولم يتخذوا استعدادات كافية لترسيخ جدارتهم في المنافسة على مقعد الرئيس. بمعنى أنهم لم يلتحموا بالشارع المصري ويقتربوا من أوجاعه، على الأقل ليتمكن من الدفاع عنهم إذا أصاب أحدهم مكروه سياسي، وهو ما ينطبق على رئيس حزب الغد موسى مصطفى موسى المنافس الوحيد للسيسي، فقد ظهر في الوقت الضائع لبورصة الانتخابات الرئاسية.
 
الفريق شفيق ظل قابعا في ضيافة دولة الإمارات العربية المتحدة لنحو ست سنوات، يظهر ويختفي في وسائل الإعلام على استحياء، وكان بعيدا عن نبض الشارع، وعندما أشار إلى عزمه على الترشح أشار إلى أنه لا يعرف ما يجري بالضبط في مصر، ومع ذلك لا تنفي صفة الغياب الجسدي صفة الابتعاد المعنوي، فكم من زعماء تولوا الحكم في بلادهم وكانوا يؤثرون في مفاصل الحياة السياسية من الخارج؟
 
غير أن شفيق، كان بعيدا، جسديا وماديا ومعنويا، وحزب الحركة الوطنية الذي يقوده لم يكن فاعلا سياسيا في مصر، والرجل يريد أن يهبط بـ“الباراشوت”، اعتمادا على ما يتم ترويجه بشأن انخفاض شعبية السيسي، والرهان على الأصوات العائمة التي يمكن أن يستقطبها، وهما ليس كافيين للجلوس على مقعد الحكم في مصر. وإذا ترشح لم يكن من المتوقع أن يكون منافسا حقيقيا للسيسي، والفائدة الرئيسية من وجوده تكمن في منح الانتخابات زخما حقيقيا وليس صوريا مع ترشح موسى مصطفى موسى.
 
الفريق سامي عنان، أيضا ظل مختفيا، خلال السنوات الأربع الماضية، وفجأة أراد أن يهبط على الحكم، وهذا حقه، لكن المشكلة في غياب الالتحام بالقاعدة الشعبية العريضة، والارتكان فقط إلى الغاضبين من حكم السيسي والرافضين لاستمراره.
 
وهو ما ينطبق أيضا على كل من محمد أنور السادات وخالد علي، فالأول يقود حزبا سياسيا (الإصلاح والتنمية) ولا يملك ظهيرا شعبيا يساعده على جذب أصوات كثيرة، والثاني ناشط حقوقي يفتقد للقواعد التي تمكنه من المنافسة، واختبر في انتخابات 2012 ولم يحصد سوى نسبة قليلة من الأصوات كشفت حضوره الضئيل في الشارع.
 
الحكومات المصرية المتعاقبة تتحمل دورا كبيرا في ظهور مرشح “الباراشوت”، بعد أن جرى تجريف الحياة السياسية خلال السنوات الماضية، واُتخذت إجراءات ساهمت في تصحيرها وغياب الكفاءات القادرة على المنافسة، وبالتالي من الطبيعي أن يحاول أشخاص الهبوط على موقع الصدارة دون التحام حقيقي مع الشارع.
 
الأزمة أن البعض يمارس السياسة في مصر على طريقة الاجتماعات العائلية، التي يقرر فيها شخص قيادة العائلة لمجرد أنه يملك ثروة مادية ومواهب اجتماعية داخل الطبقة أو البيئة التي ينتمي إليها، وقد تكون مقوماته صالحة وسط هذه أو تلك، لكن في حالة انتخابات رئاسة الجمهورية المسألة مختلفة، وتحتاج إلى مقومات أكبر، لها علاقة بالوعي السياسي والتفاهم مع مؤسسات الدولة المركزية.
 
افتقاد الوعي وانتفاء التفاهم لعبا دورا مهما في كشف عورات الرئيس الأسبق محمد مرسي، فلم يكن له باع طويل في كل منهما، بل تصرف بسذاجة وحاول اختراق بعض المؤسسات الحيوية وتفتيتها عبر جماعته وأنصاره وفشل. وأثبتت فترته القصيرة أن لحكم مصر آليات لا تصلح معها طريقة “الباراشوت”، إلا إذا كان لمن يهبط به قاعدة قوية في الشارع أو تفاهم مع مؤسسات الدولة العميقة التي تستطيع تثبيته حتى لو كان فقيرا في مواهبه السياسية.
 
 
كاتب مصري


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد