جبهة النصرة والصراع السوري: إسلاميون يقتلون إسلاميين - ماجد كيالي

mainThumb

05-03-2018 01:26 PM

 منذ أكثر من أسبوعين شهد الصراع السوري اشتعال جبهتي الغوطة (شرقي دمشق) وعفرين (شمال غرب سوريا)، بتعرض الأولى لقصف جوّي، من قبل النظام والطيران الروسي، لإنهاء وجود فصائل المعارضة العسكرية، في تلك المنطقة المحاصرة منذ سنوات، والتي تضمّ مئات الألوف من المدنيين، وبتعرّض الثانية لهجوم برّي مسنود بقصف مدفعي وجوّي من قوات تركية، بمشاركة بعض فصائل المعارضة، لإنهاء وجود حزب الـ“بي يو دي” (الكردي)، والميليشيات العسكرية التي تتبع له، في هذه المنطقة التي تضمّ مئات الألوف من المدنيين أيضا.

بيد أنه ثمّة معركة ثالثة حامية أيضا، تدور رحاها في أرياف حماة الشمالي وحلب الشمالي الغربي وإدلب، في نفس الفترة المذكورة، بين جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) من جهة، ومعظم فصائل المعارضة العسكرية الإسلامية في الشمال السوري من جهة أخرى، خاصة أحرار الشام وفيلق الشام، وصقور الشام وحركة نورالدين الزنكي، وهي المعارك التي تأخذ شكل الكرّ والفر، لصالح هذه الجهة أو تلك، لكن المشكلة أن هذه المعركة وهي الأوسع، لم تلق ذات الاهتمام الدولي، السياسي والدبلوماسي والإعلامي، الذي لقيته المعركتان المذكورتان.
 
وفي الواقع فإنّ الصراع السوري، ومنذ هيمنة الفصائل المسلحة المتغطية بالدين، تميّز بظاهرة لافتة قوامها قتل إسلاميين لإسلاميين، وسلفيين لسلفيين، وجهاديين لجهاديين، أي أن الأمر لم يقتصر على الصراع بين متطرّفين في التيارات الإسلامية من جهة، ومعتدلين أو دعويين أو مدنيين من ذات التيارات من الجهة الأخرى. كما قد يجدر لفت الانتباه إلى أن هذا الأمر لم يقتصر على تنظيم داعش، الذي بات في طور الانحسار مؤخرا، والذي قاتل كل فصائل المعارضة السورية من دون استثناء، أكثر ممّا قاتل النظام، يستوي في ذلك قتاله للجيش الحر وجبهة النصرة ولباقي الفصائل المسلحة ذات الخلفية الدينية.
 
القصد أن هذا الأمر يشمل جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، التي لم تحسب نفسها يوما على الثورة السورية، بل إنها ناهضت علنا مقاصدها المتعلقة بالحرية والكرامة والمواطنة والديمقراطية، والتي لم تنضو يوما في إطار المعارضة السورية، بل إن شغلها الشاغل انصب على تحجيم وإضعاف الكيانات السياسية والعسكرية لهذه المعارضة، علما أن معظم المناطق التي سيطرت عليها هذه الجبهة بالقوة كانت سابقا تقع تحت سيطرة الجيش الحر، بل إن جبهة النصرة هي التي تتحمل أساسا مسؤولية إزاحة الجيش الحر تماما من مشهد الصراع السوري.
 
جبهة النصرة تلعب دورا مريبا في الصراع الدائر في هذه المرحلة وتقدم المبرر الذي تريده روسيا للاستمرار في قصف تلك المناطق، بدعوى وجود منظمات إرهابية فيها
 
وفي الواقع فإن جبهة النصرة هي أكثر قطبة مخفيّة في الصراع السوري، بعد داعش، ومع إنهما من منشأ واحد، في التبعية لـ“القاعدة”، وفي النشوء في العراق والشام، قبل خروج داعش وإعلانه “الخلافة” لزعيمه أبي بكر البغدادي.
 
معلوم، أيضا أن داعش سوريا كان خرج من رحم جبهة النصرة، وأن الجبهة التي كانت تسيطر على الرقة هي التي انسحبت، أو سلمت هذه المدينة لداعش (2014)، وهذا حصل في أماكن أخرى من سوريا لاحقا، وضمن ذلك في مخيّم اليرموك مثلا.
وكما ذكرنا فإن جبهة النصرة انشغلت بمقاتلة الجيش الحر وبإزاحته من الساحة، ولكنها قاتلت أيضا الفصائل الإسلامية الأخرى واغتالت قادتها، سواء في الجنوب أو في الغوطة، وفي الشمال السوري، على نحو ما شهدنا في الأعوام الماضية من الصراع السوري. وقبل أشهر قليلة مثلا، قامت هذه الجبهة بالاستيلاء على مقرات حركة أحرار الشام الإسلامية، في إدلب وريفها.
 
ومنذ أسابيع ومع هجوم قوات النظام والأطراف المتحالفة معه على ريف حماة، مستغلاً انشغال فصائل المعارضة بالقتال في عفرين، قامت جبهة النصرة بتسليم النظام العشرات من القرى في ريف حماة، وبناء عليه فقد شهدت أرياف حلب وحماة وإدلب مظاهرات شعبية عديدة ضد جبهة النصرة، بسبب تسلطها ومحاولتها فرض نهجها المتطرّف على الناس بالقوة، كما بسبب مقاتلتها للفصائل الأخرى، وتسليمها مناطقها لقوات النظام.
 
ولعل هذا الوضع هو الذي دفع فصائل المعارضة العسكرية الإسلامية، في الشمال السوري، إلى التوحّد تحت اسم “جبهة تحرير سوريا”، وشن حملة على مواقع جبهة النصرة، خلال الأسبوعين الماضيين، الأمر الذي أدّى إلى المعركة الثالثة التي تحدثنا عنها، بكل ما فيها من استنزاف للمعارضة، وبكل ما فيها من ويلات يعاني منها السوريين في أرياف حلب وحماة وإدلب.
 
وربما يجدر التنويه هنا إلى أن هذا الحديث لا يعني بأيّ حال، تبرئة الفصائل العسكرية الإسلامية الأخرى، مثل جيش الإسلام وأحرار الشام وفيلق الرحمن ونورالدين زنكي وغيرها من الدخول في احترابات جانبية وصراعات على السلطة وعلى المناطق والموارد، وهي صراعات أضعفت المعارضة وخدمت النظام، وزعزعت ثقة السوريين بتلك الكيانات.
 
عموما فإن الفكرة هنا أن جبهة النصرة، سواء من وضعها في غوطة دمشق، التي تواجه القصف اليومي الوحشي، أو من وضعها في الشمال السوري في فتح معركة مع فصائل المعارضة، إنما تلعب دورا مريبا في الصراع الدائر في هذه المرحلة، يشبه الدور الذي لعبته، مثلا، في حلب (أواخر العام 2016)، والذي أدى إلى سقوط مواقع المعارضة، بسبب الاقتتال والاحتراب في ما بينها، وهو سبق أن لعبته في القصير والقلمون والزبداني، قرب دمشق، كما أنها بوجودها وتحرّكاتها كأنها تقدم المبرر الذي تريده روسيا للاستمرار في قصف تلك المناطق، بدعوى وجود منظمات إرهابية فيها.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد