والدي وذكرى الكرامة : خمسون عاما على الانتصار

mainThumb

23-03-2018 01:37 PM

اكتب اليوم مقالا ضد رغبتي فقد جال في خاطري كثيرا، وترددت في كتابته لسنوات طويلة، وأنا أتساءل هل يكتب المرء لنفسه أو عن نفسه أو ذويه؟ ولكن هل تمر الكرامة دون أدنى التفات او توقف ؟ 
 
نحتفي هذه الأيام بالذكرى الخمسين لمعركة الكرامة، وهي ذكرى عزيزة على الشعب الأردني  خصوصا  وعلى الشعوب العربية عموما، وبالنسبة لنا فهي موعد وطني لاستذكار نضالات وتضحيات الجيش العربي والشعب الأردني، والمناسبات الوطنية الخالدة هي محطات في ذاكرة الشعوب الحية ، تستلهم منها الدروس والعبر، وتراجع المسيرة والمواقف، فتعظم الانجاز وتصلح ما اعوج من أمرها، وتجعلها منارة تهتدي بها،  وهي تتطلع إلى المستقبل بثقة وروية.
 
قد يكون سرا اكشفه لكثيرين  فأقول أن والدي السيد تركي محمد لافي بني سلامة الذي  يحمل الرقم العسكري (71154) قد غيب لخمسين عاما، فهو احد جنود معركة الكرامة، وقد جرح فيها، وكرم وقتها بميدالية معركة الكرامة، وقبلها  كان قد حارب على أسوار القدس الغالية وفي باب الواد ، وتعرض والدي للأسر بعد معركة 1967 ، فغالية افراد كتيبة الحسين التي كانت تدافع عن القدس استشهدوا ووالدي أنقذته العناية الإلهية ، وسار من القدس الى نهر الاردن وكانت رحلته مليئة بالمشقة والأخطار أمل أن تتاح له الفرصة ليرويها للمهتمين في قادم الأيام   . وربما يكون والدي اطال الله في عمره من الإحياء الذين لا يزيد عن عدد أصابع اليدين  ممن شاركوا في حرب عام 1967. استأنف والدي بعد 1967 عمله في القوات المسلحة الأردنية حتى أحيل إلى  التقاعد بناء على طلبة في نهاية السبعينات. 
 
 وفي مثل هذه الأيام من كل عام يراقب والدي ما تبثه وسائل الإعلام عن معركة الكرامة أو عن حرب 1967 ، واسمعه يصوب الأخطاء ويستغرب من بعض ما يسمع، فهو شاهد عيان يعرف أدق التفاصيل بشخوصها وأحداثها، فقد كان هناك في الزمان والمكان، وذاكراته لا تزال قوية نشطة. لقد حارب والدي يهود الخارج على ارض فلسطين وفي ارض الكرامة، وحمل الوطن على أكتافه رسالته في البناء والنضال والتحرر، إيمانا منه بان هذا الوطن لن ترفرف في سمائه إلا رايات العروبة والحرية والتقدم. 
 
ومن منطلق حب الأردن والانتماء إليه والدفاع عن مصالح شعبه، فأننا نستأنف مسيرة الآباء والأجداد ، ونحارب يهود الداخل، فنحن لم نبدل الولاءات ، ولن نتنكر لتضحيات الآباء الأجداد ، ونسير على دربهم في حب الوطن الإيمان بوجوده وهويته ، والانتساب لمجتمعه، والإيمان بمشاعر القومية العربية الأصيلة،  والعداء لإسرائيل. 
 
ونتيجة للمواقف التي اتخذناها ضد اليهود  في الداخل والخارج، ضد الفساد ، وضد نهج التبعية والإفقار للبلاد والعباد، وبالطبع ضد المعاهدة الأردنية الإسرائيلية عام 1994، فإننا ندفع الثمن بالتضييق والحرمان والتهميش. 
 
إننا اليوم الطرف الأضعف في المعادلة، فالنخبة الحاكمة في البلاد لم تعد ترى إسرائيل عدو، ولم يعد والدي وأبنائه الجدار الداخلي الصلب الذي استند إليه النظام في كثير من الأيام في الماضي،  أن أجندتنا مختلفة عن أجندات من نعتقد أنهم أعداء الشعب والنظام والوطن،  من أصحاب الدكاكين وأشباه المثقفين ، الباحثين عن المكاسب والامتيازات والدنانير والدولارات ، فنحن في واد،  وهم  في واد آخر، والهم الوطني عندنا مقدم على كافة الاعتبارات. 
 
نعم هناك تحالف مشبوه و شبه معلن بين يهود الداخل ويهود الخارج، فهم شركاء في المصالح والامتيازات وينهبون ثروات هائلة، فيما الغالبية الساحقة من أبناء شعبنا تدفع ثمن باهض ، وهو الحال الذي نحن عليه اليوم ،ولا يحتاج لشرح او تفسير. 
 
وفي ذكرى أيام الانتصار، وبعد خمسين عاما أتساءل : هل أدى والدي مهامه كما ينبغي أم انه أخطاء تصويب البندقية؟ ونحن من بعده ، هل تاهت بنا  الخطى وضللنا الطريق ، وان علينا أن نمحى ذاكرتنا ونقول وداعا للكرامة والقدس والحلم الوطني ؟ هل من صحوة ضمير ونهاية لهذا النكران المؤلم وعدم الاعتراف واللاقبول؟ أم ان ذلك كثير وأننا نطلب المستحيل؟ 
 
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد