الملك الأردني الاكيدر العبادي

mainThumb

20-05-2018 04:24 PM

 ملك الجوف دومة الجندل الأردنية  
 
 
الأكيدر بن عبد الملك العبادي ملك دومة الجندل الأردنية في زمن مطلع البعثة الإسلامية، وكان على دين النصرانية، وشرفه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ان استقبله وعقد معه الصلح مباشرة معه على الجزية، وله أخ اسمه بشر بن عبد الملك العبادي ذهب إلى الحيرة، وتعلم بها الخط، العربي أي القراءة والكتابة ثم رجع إلى مكة المكرمة فتزوج الصهياء بنت حرب أخت أبي سفيان من بني امية من قريش وعلم اهل مكة القراءة والكتابة كما سياتي بإذن الله.
كانت دومة الجندل إحدى المراكز التجارية الهامة في الجاهلية على أطراف جزيرة العرب تربط الأردن والشام بجزيرة العرب وبلاد الرافدين واليمن والحجاز , وكانت هي عقدة المواصلات في البادية واطراف الصحراء , وكانت تشتهر بسوقها المكتظ والغني بلقاءات القبائل  والتجارة والادب والتعارف بين تلك القبائل ، كما كانت نقطة التقاء هامة  للطرق التجارية بين الجزيرة العربية والعراق وسوريا ومحطة للتبادل التجاري وتبادل السلع, والمفاخرة بين القبائل  وإعادة التصدير الى الشمال والشرق والغرب والجنوب  . 
 
                                   
اسم العبادي/ العبابيد في التاريخ القديم 
 
ونجد ان اسم العبادي وهو الذي يحمله الملك الاكيدر، موجود عبر التاريخ في الجاهلية والإسلام في شتى البقاع التي انتشرت بها القبائل العربية والإسلام، ومنهم لا زال في مكة المكرمة.  ويعرف العبادي بالعبابيد عند الجمع، وفي مصر والسودان بالعبابدة وكلاهما صحيح. وقد كان اول ذكرت اسم العبابيد باللفظ الكامل الصريح تعود الى القرن الثامن قبل الميلاد زمن الامبراطور الاشوري سرجون الثاني (سرجون الثاني ملك أشور من 722 -705 ق. م. أي قبل حوالي 3000 سنة من الان، وسرجون الثاني هو ابن تغلث فلاسر الثالث وخليفة أخيه شلمناصر الخامس). 
    وكان العبابيد يسمون زمن الإمبراطورية الاشورية باسم عبابيدي كما ورد في الوثائق الاشورية العراقية وكانت منازلهم تمتد من مناطق العلا ومدائن صالح وسواحل البحر الأحمر وتيماء الى جبال الشراة أي مناطق معان الحالية، وكانوا يسمونهم سكان المناطق الغربية وتعني بالأشورية العموريون، وكما ورد في الوثائق الاشورية فان هذه القبائل الغربية ومنها العبابيد كان اكثرهم على بداوتهم من حيث النقاء والحرية والانفة والصلافة والقوة. 
 
. وفي أخبار سرجون الثاني الآشوري”، نجد ذكرا لأسماء قبائل عربية اردنية عديدة الى الغرب من بلاد الرافدين حيث كانت تقوم امبراطورية اشور، اما هذه القبائل فهي: “شمو” و” عبابيدي” و” مرسيمانو” و” الخيافة”، وتصفهم الوثائق الاشورية على انهم: (العرب البعيدون القاطنون في البادية، لا يعرفون حاكماً أو نظاماً ولم يؤدوا الجزية إلى أي ملك. وانهم كانوا على اتصال بالممالك المتحضرة ويقصدون الممالك الأردنية والعراقية). كما تذكر الوثائق أيضا: إن قبيلة عربية برئاسة الشيخ جنديبو العربي كانت قد تعاونت مع ملك دمشق في موقعة “قرقر/ قراقر ” عندما هاجم دمشق “شلمناصر الثالث” ملك آشور.
 
 ‪وتقول الوثائق الاشورية أيضا:  ان هذه القبائل ومنها العبابيد لم يكونوا مجرد رعاة غنم وإبل، بل كانوا تجاراً أوصلتهم تجارتهم بقوافلهم إلى مناطق مستقرة وقد شاركوا في المعارك، إذ كانت بادية الشام مسرحاً لصراعات كبيرة بين دول ما النهرين ووادي النيل النهرين والآراميين والكنعانيين. وبذلك يثبت تاريخيا ان العبابيد واسم العبادي ضارب في أعماق التاريخ الأردني، منذ زمن الوثنية والجاهلية والإسلام الى يومنا هذا.
 
وورد ذكر العبابيد في كتب اليهود في احداث عام 103 ق.م. عندما انتصرت ممالك اليهود على تحالف الممالك الأردنية (عمون ومؤاب وجلعاد) في موقعة هيرموكس وهي اليرموك، ولكن امير المنطقة الشمالية شيخ البدو المدعو عباد وقبيلته العبابيد انفضوا على الجيش اليهودي المنتصر وخرج لهم من بين أشجار الغابات ومزق جيش الممالك اليهودية كل ممزق، واستعاد العبابيد كرامة الأردنيين التي هدرت على ايدي اليهود وهزيمة الملوك الأردنيين، وكان العبابيد يسيطرون على حوض نهر اليرموك والغور الشمالي وبيسان. وبذلك نجد ذكرا لهذه القبيلة في التأريخ الأردني القديم على مساحة الجغرافيا الأردنية من الجنوب الى الشمال.
 
    فهذا اللقب (العبادي) موجود الى الان في عدة قبائل في جزيرة العرب. في عتيبة وفي غامد وفي بلحارث وسبيع (من عنزة) وغيرها من قبائل شبة الجزيرة العربية. وموجود أيضا في الاردن وفلسطين وجنوب مصر وشمال السودان وفي المغرب وكانت لهم دولة في الاندلس واخر ملوكهم المعتمد بن عباد حيث نشرنا عنه أكثر من بحث على شكل مقالات، والاسم موجود أيضا في العراق والكويت والامارات وقطر وعمان واليمن والجزائر وإيران وامريكا الجنوبية وغيرها من الدول ومنهم في الجاهلية قبل الاسلام مثل الشاعر عدي بن زيد العبادي.
 
 
دور دومة الجندل الاردنية في تعليم الحرف العربي 
 
 
     ومن المعروف ان أول مدرسة لتعليم القراءة والكتابة في التاريخ العربي في الجاهلية كانت في مكة المكرمة قد أسسها بشر بن عبد الملك العبادي قبل الاسلام   وكانوا يعملون الحروف بالطين، وكان قد تعلم فيها على يدي البشر العبادي كل من أبو سفيان رضي الله عنه في الجاهلية، وكان أول مقهى في تاريخ البشرية نشأ في مكة المكرمة، والتفاصيل ادناه في هذا المقال. 
 
وكانت دومة الجندل من أسواق العرب في الجاهلية، حيث كانوا تنزلها القبائل الأردنية ومعها قبائل جزيرة العرب وبلاد الرافدين أول يوم من ربيع الأول، وكانت الهيمنة السياسية والاجتماعية على دومة الجندل لقبيلتين هما: العبادي، وبني كلب من قضاعة (وكلاهما قبيلتان اردنيتان). وحيث كان السوق مهما للغاية في اظهار الهيمنة والهيبة والسمعة بين القبائل، وانه كان للشعر والاقتصاد وتعارف القبائل وبناء الاحلاف وتبادل المصالح، فقد كانت قبيلتا العبادي وبني كلب تقتسمان الزعامة بينهما على السوق بالتوافق وتبادل المصالح بدون اللجوء الى العنف، يوكلون الإدارة في النصف الأول من الشهر للعبادي وبزعامة الملك الاكيدر، ثم يكون النصف الثاني من الشهر لبني كلب بزعامة ملكهم الجودي بن ربيعة.    
 
   أي ان الملك الأكيدر العبادي وقبيلته كانوا يرعون   الناس ويقومون بأمرهم من بداية الشهر إلى نصف الشهر، ثم يسلمون الاشراف على السوق للملك الجودي بن ربيعة الكلبي / بني كلب فتقوم سوقهم إلى آخر الشهر. وكانت كل قبيلة تستفيد تجاريا ومعنويا وماليا في وقت اشرافها وهيمنتها في هذا الوقت القصير من انعقاد السوق الذي كان يستمر شهرا كاملا وهو شهر ربيع الأول من السنة القمرية من كل عام.
 
 وقبل اعتناق النصرانية كان اهل دومة الجندل يعبدون الاصنام , وكان إله بني كلب في الجاهلية اسمه ( ود ) في دومة الجندل مثل ما كان لبقية قبائل العرب آلهة ( كاللات والعزى ) حيث ذكروا أن ( ود ) كان لبني وبرة بدومة الجندل وسدنته بنو الفرافصة بن الأحوص من بني كلب...وقد انتشرت النصرانية في دومة الجندل لأنها كانت تابعة للبلقاء وعاصمتها عمان التي افتتحها شرحبيل بن حسنة رضي الله عنه , وكانت من اعمال الغساسنة الذين اعتنقوا النصرانية لأسباب سياسة ليكونوا على وئام وانسجام مع الروم الذين تبنوا النصرانية دينا رسميا للدولة .
 
    وكانت دومة الجندل ضمن ممالك العرب التابعة للروم في بلاد الشام حيث ان دومة الجندل كانت دائما جزءا من بلاد الشم بعامة ومن الأردن بخاصة وكانت في أواخر القرن التاسع عشر تابعة الى لواء الكرك حتى تم التنازل عنها بموجب اتفاقية الحدا الموقعة في 2/11/1925 
وقد ذكر الله سبحانه اصنام الجاهلية ومنها اصنام دومة الجندل وكيف انهم توارثوها منذ زمن قوم نوح عليه السلام. قال تعالى في محكم كتاب:( (قال نوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا ۖ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24) سورة نوح.
 
وجاء اسم دومة الجندل من كلمة (أدوماتو) وهي كلمة عربية تعني ادوم الجديدة حيث كانت جزءا من مملكة ادوم الأردنية التي كانت عصمتها بصيرا في منطقة الطفيلة. والجندل هو الصخر القاسي وهو ما يميز حجارتها وسميت دومة الجندل لأن حصنها مبني بالجندل أي بالصخر القاسي. وقد زرتها بنفسي عام 2010 م. ومن الملاحَظ أن دومة الجندل تعَدُّ بلادًا نائية بالنسبة للمدينة المنورة؛ حيث تقع على الحدود بين الحجاز والشام وهي من بلاد الشام، وتقع أيضا في منتصف الطريق بين البحر الأحمر والخليج العربي، وهي على مسيرة خمس عشرة ليلة من المدينة المنورة.
 
 
سبب الغزوات الإسلامية لدومة الجندل 
 
 
     وصلت الأنباء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة بتجمع بعض القبائل الأردنية في شمال جزيرة العرب من المشركين عند دومة الجندل للإغارة على قوافل المسلمين التي تمر بهم ونهبها، تلك القوافل التي كانت تعمل بالتجارة مع الشام: حيث كانت تسلك الطريق الصحراوي الشرقي في نهاية الصيف وفي الربيع بينما كانوا يسلكون الغور الأردني في الشتاء (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138) (سورة الصافات).
 
     وقد تناهى الى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ان القبائل الأردنية المشركة تريد التعرض للقافلة ومن فيها بالأذى والظلم، والنهب والسلب، ثم الهجوم على المدينة المنورة لاحقًا. حيث ان النظرة السياسية البعيدة والعقلية العسكرية الفذة عند سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، أوجبت على المسلمين أن يتحركوا في حركة استباقية لفضِّ هذا التجمع وتفريق شمله فورًا قبل ان يستفحل، وذلك للأسباب التالية:
 
    سيؤدي السكوت على هذا التجمع وما شاكله -إلى تطوره واستفحاله وتوسعه، ثم يؤدي بعد ذلك إلى إضعاف قوة المسلمين وإسقاط هيبتهم، وهو الأمر الذي يجاهدون الا يكون وألا يحدث. كما انه قد يؤثر على الوضع الاقتصادي للمسلمين، فلو أنهم سكتوا لتعرضت قوافلهم أو قوافل القبائل التي تحتمي بهم للسلب والنهب؛ مما يضعف الاقتصاد، ويؤدي إلى حالة من التذمر والاضطراب.
 
 كان لابد من ان يفرض المسلمون نفوذهم على هذه المنطقة كلها وأهلها من الجانب الشرقي للأردن بعد ان فرضوا سيطرتهم على جنوبه، وإشعار اهاليها بأنهم في حماية المسلمين وتحت مسئوليتهم؛ لذلك فهم يؤمِّنون لهم الطرق، ويحمون لهم تجارتهم، ويحاربون كل إرهاب من شأنه أن يزعجهم أو يعرضهم للخطر.
 
كما ان تحرك المسلمين سيؤدي الى حرمان مشركي قريش من أي حليف تجاري قد يمدها بما تحتاج من التجارة، وصرف أنظارهم عن هذه المنطقة التجارية المهمة من جنوب الأردن وهو شمال جزرة العرب؛ لأن ظهور الدولة الإسلامية بهذه القوة يؤثر على نفسية قريش العدو الأول للدولة الإسلامية الفتية، ويجعلها تخشى المسلمين على تجارتها.
 
هذا فضلا عن الحرص على إشاعة الرهبة النفسية عند العرب الذين ما كانوا يحلمون بمواجهة الروم، والتأكيد عمليًّا للمسلمين بأن رسالتهم للعالم أجمع وليست مقصورة على العرب.
 
 
الخروج إلى غزوة دومة الجندل
 
 
ندب رسول الله محمد المسلمين للخروج، وخرج عليه الصلاة والسلام في ألف من أصحابه، وكان يسير الليل، ويكمن النهار؛ حتى يخفي مسيره، ولا تشيع أخباره وتنقل أسراره، وتتعقبه عيون الأعداء.
 
وسار حتى دنا من القوم، عندئذ تفرق اهل دومة الجندل اشتاتا في البوادي المجاورة، ولم يلق رسول الله محمد منهم أحدًا في مدينتهم، فقد ولَّوا مدبرين، وتركوا أنعامهم وماشيتهم غنيمة باردة للمسلمين، وأسر المسلمون رجلاً منهم، وأحضروه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله عنهم، فقال: «"هربوا لما سمعوا بأنك أخذت نعمهم/ أي مواشيهم "». فعرض عليه سيدنا محمد الإسلام، فأسلم الرجل وأقام بساحة المسلمين أيامًا، وبعث سيدنا محمد من معسكره قرب دومة الجندل البعوث، وبث السرايا، وفرّق الجيوش، فلم يصب من اهل دومة الجندل أحداٌ، وعاد المسلمون إلى المدينة.
وفي أثناء عودتهم وادعَ (أجري معه هدنة صداقة) الرسولُ عيينةَ بن حصن الفزاري (أسلم قبل الفتح، وشهد الفتح مسلماً، وشهد غزوة حنين وكان من المؤلفة قلوبهم، ومن الأعراب الجفاة، قيل‏: ‏ إنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم من غير إذن، فقال له الرسول ‏: ‏ ‏"‏أين الإذن‏؟" فقال عيينة ‏: ‏ ما استأذنت على أحد من مضر، وكان ممن ارتد وتبع طليحة الأسدي، وقاتل معه‏. ‏ فأُخذ أسيراً، وحُمل إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه فكان صبيان المدينة المنورة يقولون‏: ‏ يا عدو الله أكفرت بعد إيمانك فيقول ما آمنت بالله طرفة عين‏. ‏ فأسلم بعدها، فأطلقه أبو بكر) ‏. ‏
 
   واستأذن عيينة رسول الله صلى الله عليه وسلم   في أن ترعى إبله وغنمه في أرض قريبة من المدينة المنورة على ستة وثلاثين ميلاً منها فأذن له. 
 
 
   معارك دومة الجندل 
 
 
غزا المسلمون دومة الجندل أربع مرات، كانت الأولى في العام الخامس الهجري عندما قادها النبي محمد صلى الله عليه وسلم  بنفسه ووجدها خالية من سكانها، الذين غادروا المدينة وتفرقوا في الديار المجاورة لتجنب القتال والخسائر البشرية التي ستلحق بهم,  والأخرى عام 6 للهجرة، 626 للميلاد، حيث أرسل فيها النبي محمد صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف إليها لأن سكانها كانوا يغيرون على الطرق التجارية وأوصاه بدعوتهم إلى الإسلام والزواج من بنت ملكهم( كان بشاطر الملك مع الاكيدر العبادي )، وهذا ما فعل عبد الرحمن بن عوف حيث عاد من دومة الجندل، بعد إسلام ملكها الأصبغ بن عمرو الكلبي، وزواجه من ابنته تماضر بنت الأصبغ.
 
أرسل النبي محمد صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إليها على 420 فارس ليجلب له ملكها أكيدر بن عبد الملك العبادي، ثم كتب بعدها النبي محمد صلى الله عليه وسلم ميثاقاً إلى أهل دومة الجندل.
 
وفي عام 9 للهجرة أي 630 ميلادي، أي بعد معركة تبوك، أرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، خالد بن الوليد على راس 450 فارسا لقتال الملك الأكيدر العبادي ملك دومة الجندل، وذلك بسبب ان الاكيدر ساند حلفاء الروم من العرب في غزوة تبوك. والتي كانت من نتائجها ان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم صالح نصارى العرب الأردنيين مثل يوحنا بن رؤبة صاحب أيلة واهل اذرح والجرباء ولم يبقى من زعامات القبائل والحواضر الأردنية خارج السيطرة او المهادنة إلا الأكيدر العبادي الذي بقي خارج إطار المصالحة والمهادنة او المعاهدة. 
 
  عندما أرسل الرسول عليه السلام سيدنا خالد بن الوليد الى دومة الجندل أبلغه في المرة الأخيرة الرابعة أنه سيلاقي الأكيدر العبادي خارج حصنه.  وكان الأكيدر يهوى اصطياد الوحوش والحمار الوحشي والغزلان وكانت وافرة في حينه , وعندما  سمع الأكيدر بتوجه سرية خالد نحوه,  استبقه بدهاء لمقابلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلب الأمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم ,وأسلم بين يدي الرسول آنذاك,  وانه أهدى الرسول  قبة ديباج من ذهب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  للأكيدر :"ارْجِعْ بِقَبَائِكَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَلْبَسُ هَذَا في الدُّنْيَا إِلَا حُرِمَهُ في الآخِرَةِ"  وأستنكر رسول الله تعجب الصحابة من ديباج الأكيدر وقال :"لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا"   وكتب إلى الاكيدر كتابا بالأمان ولم يكن مع رسول الله خاتما ,فختمه عليه السلام بأظفره الطاهرة .
 
     وجاء في كتاب الأمان الذي أعطاه الرسول عليه السلام للأكيدر العبادي ما يلي  :" بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله لأكيدر حين أجاب إلى الإسلام وخلع الأنداد والأصنام مع خالد بن الوليد سيف الله في دومة الجندل وأكنافها إن له الضاحية من الضحل والبور والمعامي وأغفال الأرض والحلقة والسلاح والحافر والحصن ولكم الضامنة من النخل والمعين من المعمور وبعد الخمس لا تعدل سارحتكم ولا تعد فاردتكم ولا يحظر عليكم النبات ولا يؤخذ منكم إلا عشر الثبات تقيمون الصلاة لوقتها وتؤتون الزكاة بحقها وعليكم بذلك العهد والميثاق ولكم بذلك الصدق والوفاء شهد الله ومن حضر من المسلمين"   وهذا الكتاب هو ما جعل بعض الرواة يقول بإسلامه  .
 
 
دلالات غزوة دومة الجندل
 
 
     لقد كان  وصول جيوش المسلمين إلى دومة الجندل، وهي على هذه المسافة البعيدة من المدينة وموادعة عيينة بن حصن للمسلمين وهو المعروف بمنعته وصلافته وشجاعته ورئاسته في قومه ، واستئذانه في أن يرعى بإبله وغنمه في أرض بينها وبين المدينة ما يقرب من خمسة وستين كيلو مترًا، لدليل قاطع على ما وصلت إليه قوة المسلمين في هذه المرحلة ، وعلى شعور المسلمين بالمسئولية الكاملة تجاه تأمين الحياة وطرق التجارة والمراعي والامن للناس في هذه المنطقة، وقد أصبحت  هذه المناطق النائية ضمن المجال الحيوي للدولة الإسلامية الجديدة التي بدأت تتوسع بقوة وثبات ، وأنها أصبحت دولة منيعة مهابة الجانب ، ولم يعد في مقدور أحد من قبائل العرب المشركة أن يعتدي او يتطاول عليها، ولو كان ذلك في استطاعة أحد لكان هو عيينة بن حصن الذي كان يغضب لغضبه عشرة آلاف مقاتِل من قومه دون ان يسالوه لماذا غضب .
      كانت غزوة دومة الجندل التي قام بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على راس جيش المسلمين بمنزلة إعلان عن دعوة الإسلام بين العشائر الأردنية من سكان البوادي الشمالية وأطراف الشام الجنوبية. وكان في سير الجيش الإسلامي هذه المسافات الطويلة تدريب لهم على المسير إلى الجهات النائية، وفي أرض لم يعهدها من قبل؛ ولذلك تعتبر هذه الغزوة فاتحة سير الجيوش الإسلامية للفتوحات العظيمة في بلاد آسيا وإفريقيا فيما بعد.
 
    وقال أبو عبيد السكوني (وهو من أعلام الفكر الأشعري في القرن السابع الهجري، اشتهر بكتابه: (أربعون مسألة في أصول الدين)، وشرحه على العقيدة المرشدة لمحمد بن تومرت.): دومة الجندل حصن وقرى بين الشام والمدينة قرب جبلي طي كانت به بنو كنانة من كلب. وقال أيضا فأما دومة الجندل فعليها سور يتحصن فيه وفي داخل السور حصن منيع يقال له مارد وهو حصن أكيدر بن عبد الملك العبادي.   
 
 
دومة الجندل في فتوحات ابي بكر رضي الله عنه 
 
 
في مطلع سنة 12 هـ شباط سنة 633 مـ، أقر الخليفة أبو بكر رضى الله عنه خطة الفتح العربي الإسلامي العامة التي تتضمن تحرير الأراضي العربية من الاحتلالين الفارسي في العراق/ في الشرق، والرومي في بلاد الشام في الغرب والشمال على الصور التالية: - 
 أ‌) يتقدم خالد بن الوليد بجيشه من اليمامة في نجد إلى جنوبي العراق.  
 
ب‌) يواصل المثنى بن حارثة الشيباني غاراته على الحيرةـ. 
 
 جـ) يزحف عياض بن غنم (صحابي أسلم قبل صلح الحديبية وكان قد شهدها أرسله الخليفة أبو بكر الصديق لغزو العراق وعمل تحت قيادة خالد في العراق وبعدها في الشام ضد الروم. وكان مع أبي عبيدة بن الجراح في فتح شمال سوريا وينسب إليه فتح حلب وإعزاز، وشهد اليرموك وكان من أمراء الكراديس فيها.)  بجيشه المرابط بين النباج (النباج وهي قرية تقع في منطقة الجوف أحد قرى مدينة طبرجل والتي تبعد عن مدينة طبرجل 20 كيلو شرقا) والحجاز إلى دومة الجندل ومنها إلى المصيخ ويبدأ بفتح العراق ويلتقي بخالد بن الوليد في الحيرة وايهما يسبق كان اميراً على صاحبه.
 ولكن الموقف الإستراتيجي لم يساعد جيش بن عياض فقد لازمه الفشل بعد اجتيازه الحدود الحجازية باتجاه الأراضي الأردنية في شمال جزيرة العرب. فلم يكد يصل إلى دومة الجندل حتى حاصرته القبائل الأردنية العربية آنذاك برئاسة الاكدر العبادي، وكانت على دين النصرانية وهي: بهراء وكلب وغسان وبقي محاصراً في دومة الجندل نفسها فاستنجد بخالد بن الوليد برسالة يطلب منه الاستعجال بنجدته وخلاص جيشه من الإبادة الوشيكة، فأجابه خالد برسالة مختصرهـ جاء فيها:
 
من خالد إلى عياض: إياك اريد (أي انني أوجه الخطاب اليك مباشرة)! البث قليلاً تأتك الحلائب (الحلائب هي الجماعات. وهي أنصار الرجل من بني عمه بخاصة)، يحملن أساداً عليها القاشب، كتائب يتبعها كتائب). والقاشب هو الرجل الصلب) وترك خالد بن الوليد في عين تمر (وهي مدينة عراقية تقع في محافظة كربلاء حاليا في العراق وتبعد مسافة 40 كم غربي مدينة كربلاء وظهر منها العديد من القامات واعلام العرب عبر التاريخ مثل: ابن إسحاق. والحسن البصري. ومحمد بن سيرين، والشاعر أبو العتاهية ومحسن مهدي) والتي سبق ان فتحها بالعراق بحاميه صغيرهـ وتوجه قاصداً دومة الجندل فوصلها في وقت كان فيه عياض محاصراً بالقبائل ولم يطل المقام بخالد كثيراً حتى استطاع التغلب على تلك القبائل. 
 
في عام 12 للهجرة، 633 ميلادي، وفي الوقت الذي أمر الخليفة أبو بكر الصديق خالد بن الوليد بالتحرك من اليمامة لغزو العراق أرسل عياض بن غنم لفتح دومة الجندل وإعادة القبائل الشمالية إلى النفوذ الإسلامي.
 
وصل عياض إلى دومة الجندل ليراها محصنة تحصيناً شديداً من قبيلة كلب العربية المسيحية التي كانت تقطن المنطقة على الجانب الشرقي لسوريا، وتمركز عياض على الجهة الجنوبية من الحصن، حيث نشأت حالة تُعتبر هراءً من الناحية العسكرية، فقد اعتبر العرب المسيحيون أنفسهم محاصرين رغم أن الطريق إلى الشمال كانت مفتوحة. والمسلمون الذين كانوا ملاصقين للحصن لم يستطيعوا التوقف عما هم فيه. وحسب المؤرخين فقد كان الطرفان محاصرين.
 
وقد انحصرت العمليات القتالية على رمي النبال والتراشق من جانب حامية الحصن. وقد دامت تلك الحالة لعدة أسابيع حتى تعب الطرفان بنفس الوقت وعانوا من الأضرار بنفس الحجم تقريباً. واتبع القائد المسلم عياض نصيحة أحد رجاله بالكتابة إلى خالد بن الوليد في العراق طلباً للمساعدة، ففعل وشرح له الوضع القائم في دومة الجندل.
 
 
التعبئة العامة الجديدة للعشائر الأردنية النصرانية 
 
وقد عرفت الحامية الأردنية في دومة الجندل بقدوم خالد إليها، وكان في قيادتها كل من الأكيدر بن عبد الملك العبادي الذي ارتد عن الإسلام والجودي بن ربيعة، ونشب خلاف بين القائدين العربيين فتنازل أكيدر عن القيادة. ويروي الطبري في تاريخه انه لما بلغهم دنو خالد وكانوا على رئيسين أكيدر بن عبد الملك والجودي بن ربيعة اختلفوا فقال اكيدر: انا اعلم الناس بخالد لا أحد أيمن طائراً منه ولا أحد يرى وجه خالد قومًا ابداً قلوا أو كثروا الا انهزموا عنه فأطيعوني وصالحوا القوم فأبوا عليه وقال له لن أمالئكم على حرب خالد فشأنكم، فخرج لطيته وبلغ ذلك خالد فبعث عاصم بن عمرو معارضاً له، فأخذه وأتى به إلى خالد فضُربت عنقه.
 
وأعلنت حالة الاستنفار في الحصن، حيث كانت الحامية مستعدة للصمود أمام عياض بن غنم، ولا فرصة لها بالصمود إذا شارك خالد في الحصار، وأرسل المحاصَرون رسلَهم على عجل إلى القبائل الاردنية المجاورة يطلبون الدعم، وقد لبّت القبائل الاردنية المسيحية نداء الاستغاثة بحماس، فقد انضمت قوات من الغساسنة ومن كلب للدفاع عن الحصن، حيث عسكر أغلبهم تحت جدران الحصن بسبب ضيق المكان فيه.
وبعد وصول خالد بن الوليد الى الحصن ضم عياض إلى قيادته وصار مجموع قوات المسلمين حوالي 10 آلاف في مواجهة 12-15 ألف في المقابل.
 
أوكل خالد لرجال عياض بن غنم بسد الطريق إلى الجنوب من الحصن وتمركز بجيشه إلى الجهات الشرقية والشمالية والغربية مغلقاً بذلك الطرق إلى العراق والأردن مستبقياً بعض قواه القوية على مسافة أبعد كاحتياط، حتى يستطيع تكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة قبل الهجوم على الحامية بعد إضعافها. وقد تمركز بقواته بعيدة عن الحصن.
 
وانتظر قائد العرب المسيحين، وكان يدعى "جودي بن ربيعة"، المسلمين كي يقوموا بالحركة الأولى، ولكن المسلمين بقوا هادئين، بعد فترة وجد جودي أن المسلمين لن يقوموا بالهجوم فقرر هو البدء بالهجوم والتحرك بمجموعتين، الأولى تهاجم عياض على الطريق العربي، بينما يقود هو المجموعة الثانية الأكثر عدداً والتي تضم قبيلته وديعة، لمهاجمة معسكر خالد بن الوليد الواقع في الشمال.
 
وتمكن عياض من رد هجوم العرب، بينما خرجت المجموعة الأكبر، بقبيلة وديعة وتحت قيادة جودي، وبنفس الوقت لمهاجمة خالد الذي كان على الطرف الآخر من الحصن متأهباً بجيشه للمعركة، وعندما رأى جودي أن المسلمين لم يحركوا ساكناً قرر الهجوم فقد نظم قبيلته للقتال وتقدم لمواجهة خالد، وعندما صارت المسافة قريبة جداً بين الجيشين أمر خالد فجأة بالهجوم، وضرب جودي بعنف وسرعة كبيرين، فدُمر جيش جودي خلال دقائق قليلة.
 
وأسر جودي مع مئات من رجال قبيلته، بينما هرب الباقون بشكل عشوائي باتجاه الحصن. أما العرب الباقون في الحصن والذين لم يغادروه فقد رأوا حشداً كبيراً من البشر يهرع باتجاه الحصن، نصفهم من المسلمين، فأغلقوا أبواب الحصن بوجه رفاقهم، ومُنعت قبيلة وديعة التي كانت تقاتل مع جودي من الحصن، ووقع المئات منهم في الأسر وقتل الباقون، منهم خلال المعركة العنيفة الخاطفة، ومنهم بعد المعركة أثناء القتال عند بوابة الحصن.
 
أخذ خالد جودياً ومن أسر معه إلى أمام الحصن كي يرى الجميع قطع رؤوسهم. ودام الحصار بعد ذلك لعدة أيام أخرى، وبعدها هاجم خالد الحصن، ودافعت الحامية ما استطاعت وأبدت مقاومة قدر المستطاع، ولكن أمام جيش خالد المدرب جيداً على القتال لم يكن لها أي فرصة، فذُبِحت أغلبية الحامية، بينما وقعت النساء والأطفال والشبان في السبي. كان ذلك في آخر أسبوع من شهر أغسطس/ آب من عام 633.
 
 
بعد المعركة مع المرتدين في دومة الجندل 
 
 
أمضى خالد بن الوليد عدة أيام بعد المعركة في دومة الجندل، توجه بعدها إلى الحيرة وأصطحب معه عياض بن غنم تحت قيادته. وعند وصوله إلى الحيرة كانت الأوضاع في الجبهة العراقية قد ساءت من جديد.
خبر دومة الجندل‏: ‏ (البداية والنهاية الجزء السادس مؤلفه: لمؤلف: إسماعيل بن عمر بن كثير;)
 
لمَّا فرغ خالد من عين التَّمر قصد إلى دومة الجندل، واستخلف على عين التَّمر عويمر بن الكاهن الأسلميّ، فلمَّا سمع أهل دومة الجندل بمسير خالد بن الوليد  إليهم بعثوا إلى أحلافهم من العشائر الأردنية يطلبون منهم المدد والمؤازرة لمحاربة جيش المسلمين , حيث ارسلوا الى : بهراء ، وكلب، وغسَّان ،وتغلب ، فأقبلوا إليهم وكان جبلة بن الايهم على رأس  قبيلتي غسَّان وتنوخ ، وعلى قبيلة الضجاعم ابن الحدرجان، وكان الناس في دومة الجندل تحت قيادة كل من الأكيدر بن عبد الملك، والجودي بن ربيعة فاختلفا في كيفية إدارة المعركة ‏.‏ 
فقال أكيدر‏: ‏ أنا أعلم النَّاس بخالد، لا أحد أيمن طائر منه في حرب ولا أحدَّ منه، ولا يرى وجه خالد قوم أبداً قلُّوا أم كثروا إلا انهزموا عنه، فأطيعوني وصالحوا القوم‏. ‏ 
 
فأبوا عليه أي رفضوا الانصياع لرايه في مصالحة خالد بن الوليد ,  فقال ‏الأكيدر :‏ لن أمالئكم على حرب خالد وفارقهم , ورفض  مقاتلة خالد واتجه  نحو العراق   فبلغ خالد ذلك وأرسل في طلبه والقي القبض عليه وجيء به الى خالد بن الوليد رضي الله عنه فضرب عنقه وأخذ ما كان معه, وبذلك انتهى الاكيدر العبادي من المعادلة السياسية ولم تنفعه مماطلته ودهاءه ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ), وكان عليه ان يتوجه الى خالد تائبا لله سبحانه ومعلنا اسلامه مرة اخرى , ولكنه اخذته العزة بالإثم ومات على دين الكفر والعياذ بالله   
 
 ، ثمَّ تواجه خالد وأهل دومة الجندل وعليهم الجودي بن ربيعة، وكل قبيلة مع أميرها من الأعراب، وجعل خالد دومة بينه وبين جيش عياض بن غنم، وافترق جيش الأعراب فرقتين، فرقة نحو مقاتلة خالد، وفرقة نحو مقاتلة عياض، وحمل خالد على من قبله أي من هم من جهته ، وحمل عياض على أولئك الذين من جهته أيضا ، فأسر خالد الملك الجودي، وأسر الأقرع بن حابس التميمي قادة اخرين ، وفرَّت الأعراب إلى الحصن فملأوه، وبقي منهم خلق ضاق عليهم، فعطفت/ أي شعرت بنو تميم  بالعطف والرحمة تجاه من هو خارج الحصن من القوم فأعطوهم ميرة(المِيرَةُ :هي الطَّعامُ يُجمع للسَّفر ونحوه)  ليهربوا بأرواحهم ولا يقاتلون المسلمين , فنجا بعضهم, حيث وجدوا الرواحل وفروا بأرواحهم .
 
    وجاء خالد فضرب أعناق من وجده خارج الحصن من المرتدين، وأمر بضرب عنق الجودي وهو الملك الثاني لدومة الجندل، ومن كان معه من الأسارى، إلا الأسارى من بني كلب، فإنَّ عاصم بن عمرو التميمي (وكان أحد زعماء بنى تميم وفرسانها، ومن قادة المسلمين في فتح العراق، وأخو القائد الشهير القعقاع، كان في جيش خالد بن الوليد المتجه للعراق وبقي مع المثنى بن حارثة الشيباني هناك. برز في معركة القادسية التي جمعت من كل قبائل العرب تقريبا وفرسانها). والأقرع بن حابس (وكان من سادات العرب في الجاهلية وقيل عنه: كان شريفا في الجاهلية والإسلام وكان من وجوه قومه بني تميم. كان قد رأس وتقدم في قومه قبل أن يسلم ثم أسلم) قد اجاروا اسارى بني كلب فسلم من اجاروهم من بقية الاسارى الذين اجارهم بنو تميم ‏. ‏
 
فقال لهم خالد‏: ‏ مالي ومالكم أتحفظون أمر الجاهلية وتضيعون أمر الإسلام‏. ‏ 
 
فقال له عاصم بن عمرو‏: ‏ أتحسدونهم العافية، وتحوذونهم الشَّيطان‏. ‏ 
 
ثمَّ أطاف خالد بالباب فلم يزل عنه حتى اقتلعه واقتحموا الحصن، فقتلوا من فيه من المقاتلة، وسبوا الذَّراري، فبايعوهم أي باعوهم بالمزاد العلني فيما بينهم فيمن يزيد السعر من شخص الى اخر، واشترى خالد يومئذ ابنة الملك الجودي، وكانت موصوفة بالجمال، وأقام بدومة الجندل وردَّ الأقرع إلى الأنبار‏. ‏ 
ثمَّ رجع خالد إلى الحيرة فتلقَّاه أهلها من أهل الأرض بالتقليس (التقليس هو صوت القوم عند استقبال السادة بالدفوف والغناء والهتاف)، فسمع رجلاً منهم يقول لصاحبه‏: ‏ مر بنا فهذا يوم فرح الشرِّ‏.
 
   وكان للأكيدر مناطق شاسعة شرقي عمان الأردنية الحالية يستخدمها لغايات الصيد والتخييم ومراعي لابله ومواشيه وسميت باسمه ولا تزال تحمل اسم الاكيدر الى الان ومعروفة لدى العشائر بهذا الاسم دون ان تعرف العشائر تاريخ التسميات والملك الاكيدر 
وكان للملك الجودي الكلبي حليف الاكيدر ابنة موصوفة بالجمال تدعى ليلى وهو اسم كان شائعا لدى العشائر الأردنية قديما ولا زال. كان الملك الجودي الكلبي يشاطر الملك الاكيدر العبادي إدارة وحكم مملكة دومة الجندل بالوئام والتوافق، لكنه كان يأتي بالمرتبة الثانية من حيث الأهمية والقوة والهيبة بعد الاكيدر. وقد وصفه المؤرخون انه من ملوك عرب الشام لان دومة الجندل كانت قطعة من بلاد الشام وتابعة لها حتى الت الى لواء الكرك في العهد العثماني، وبقيت كذلك حتى 2/11/1925 عندما تم انتزاعها من الأردن وضمها الى السعودية بموجب اتفاقية الحدا الموقعة بهذا التاريخ تحت الإشراف البريطاني.
 
 
جمال ليلى بنت الملك الجودي رفيق العبادي 
 
 
 وفي الرواية التاريخية عن جمال ليلى بنت الجودي الكلبي قال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن الضحاك الحزامي، عن أبيه: أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قدم الشام في تجارة -يعني: في زمان الجاهلية -فرأى امرأة يقال لها: ليلى ابنة الجودي على طنفسة لها (والطنفسة هي النمارق فوق الرحل أي فوق ظهر الجمل وقت مسيره بالراكب الذي يعتليه والطنفسة هي البساط)، وحولها ولائدها أي اطفالها فأعجبته.
 
قال ابن عساكر: رآها بأرض بصري، فقال فيها:
 
تذكرت ليلى والسماوة دونها * فمال ابنة الجودي ليلى وماليا
وإني تعاطى قلبه حارثية * تؤمن بصري أو تحل الحوابيا
وإني بلاقيها بلى ولعلها * إن الناس حجوا قابلا أن توافيا
 
قال: فلما بعث عمر بن الخطاب جيشه إلى الشام قال للأمير على الجيش: إن ظفرت بليلى بنت الجودي عنوة (أي ان اخذتها سبية بعد الانتصار بالمعركة) فادفعها إلى عبد الرحمن بن أبي بكر، فظفر بها فدفعها إليه فأعجب بها وآثرها على نسائه حتى جعلن يشكونها إلى عائشة ام المؤمنين وهي شقيقته رضي الله عنه، فعاتبته عائشة على ذلك.
 
فقال: والله كأني أرشف بأنيابها حب الرمان، فأصابها وجع سقط له فوها أي سقطت اسنانها، فجفاها أي كرهها حتى شكته هي إلى السيدة عائشة، فقالت له عائشة: يا عبد الرحمن، لقد أحببت ليلى فأفرطت، وأبغضتها فأفرطت، فإما أن تنصفها، وإما أن تجهزها إلى أهلها.
قال الزبيري: وحدثني عبد الله بن نافع، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال.
 
إن عمر بن الخطاب نفل (أي أعطاه إياها من ضمن السبايا) عبد الرحمن بن أبي بكر ليلى بنت الجودي حين فتح دمشق، وكانت ابنة ملك دمشق -يعني: ابنة ملك العرب الذين حول دمشق
 
 
قصة بشر بن عبد الملك العبادي شقيق الاكيدر 
 
بشر بن عبد الملك بن عبد الجن العبادي هو أخو الأكيدر بن عبد الملك ملك دومة الجندل في عصر ما قبل النبوة. يعود الفضل إلى بشر بن عبد الملك في نقل الخط العربي الشمالي (خط الجزم) إلى شبه الجزيرة العربية والحجاز ومكة، فقد علَّم بعض سادتها الخط العربي الشمالي بعدما كانوا يكتبون بالخط العربي الجنوبي المسند اليمني. 
 
عن عَبَّاس بْن هِشَام بْن مُحَمَّد السائب الكلبي، عن أبيه، عن جده، وعن الشرقي بن القطامي، قال في مختصر الرواية: كان بشر بن عبد الملك أخو أكيدر بن عبد الملك بن عبد الجن الكندي صاحب دومة الجندل يأتي الحيرة فيقيم بها الحين، وكان نصرانيًا، فتعلم بشر الخط العربي من أهل الحيرة، ثُمَّ أتى مكة في بعض شأنه فرآه سُفْيَان بْن أمية بْن عَبْد شمس وأبو قيس بْن عَبْد مناف بْن زهرة بْن كلاب يكتب ، فسألاه أن يعلمهما الخط فعلمهما الهجاء ثُمَّ أراهما الخط فكتبا ثُمّ أن بشر وسُفْيَان وأبا قيس أتوا الطائف في تجارة ، فصحبهم غيلان بْن سلمة الثقفي فتعلم الخط منهم وفارقهم بشر ومضى إِلَى ديار مصر فتعلم الخط منه عَمْرو بْن زرارة ابن عدس فسمى عَمْرو الكاتب، ثُمَّ أتى بشر الشام فتعلم الخط منه ناس هناك وتعلم الخط منَ الثلاثة الطائيين أيضا رجل من طابخة كلب فعلمه رجلا من أهل وادي القرى فأتى الوادي يتردد فأقام بها وعلم الخط قوما من أهلها 
ولذلك قال رجل كنديa man from kindi tribe ( من قبيلة كندة الأردنية ) i من أهل دومة الجندل يمنَّ على قريش بذلك: 
 
لا تجحدوا نعماء بشر" عليكم فقد كان ميمون النقيبة أزهرا
أتاكم بخط الجزم حتى حفظتم من المال ما قد كان شتى مبعثرا
وأتقنتم ما كان بالمال مهملا وطامنتم ما كان منه منفرا
فأجريتم الأقلام عودا وبدأة وضاهيتم كتاب كسرى وقيصرا
وأغنيتم عن مسند الحي حمير وما زبرت في الصحف أقيال حمير
 
 
 (انتهى البحث / المقال)
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد