مسيرات العودة وتعقيدات قضية اللاجئين - ماجد كيالي

mainThumb

22-05-2018 03:03 PM

 اشتعلت قضية حق «العودة» للاجئين الفلسطينيين مجدداً، كما تجلى ذلك في المسيرات التي شهدها قطاع غزة منذ يوم الأرض (30 آذار- مارس)، وذلك بدفع من جملة أسباب، ضمنها انسداد خيار إقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع، والنمو السرطاني للأنشطة الاستيطانية في الضفة، وتصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي تفضي إلى شطب قضيتي القدس واللاجئين من أجندة المفاوضات. وطبعاً، يأتي ضمن هذه الأسباب حال الاحتقان والغضب وفقدان الأمل عند مليوني فلسطيني في غزة يخضعون لحصار مشدد منذ عشرة أعوام.

 
 
إضافة إلى ما تقدم، ثمة ما يميز قضية اللاجئين الفلسطينيين، إذ حولها تتمحور السردية الأساسية للشعب الفلسطيني في إدراكه ذاته وهويته ومستقبله، ثم إن اللاجئين هم أكثر من تحمل تبعات النكبة، نتيجة قيام إسرائيل (1948)، الذي نجم عنه اقتلاعهم من أرضهم وتشريدهم، وتمزيق كيانهم الاجتماعي، وحرمانهم من ممتلكاتهم، ومن إمكان تطوير هوية جماعية لهم في وطن مستقل، وخضوعهم لأنظمة سياسية متعددة ومختلفة. كما تكتسب هذه القضية أهميتها من كونها تتمثل في معانيها مختلف تجليات الصراع ضد المشروع الصهيوني، على المكان والزمان والرموز والرؤى، لذا فإن هذه القضية ظلت بمثابة المحرك للنهوض الوطني الفلسطيني المعاصر.
 
بيد أن الحديث على هذا النحو لا ينبغي أن يخفي حقيقة مفادها أن إزاحة هذا الحق لم تصدر عن أطراف خارجية فقط، أي من إسرائيل أو الولايات المتحدة، بل إنها نتجت أيضاً، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، من مصادر ذاتية، أيضاً، عن وعي أو من دونه، وهذا ما يمكن تبينه في ما يأتي:
 
أولاً، إن عوامل الزمن وتباين أوضاع وحاجات وأولويات الفلسطينيين، بحكم افتقادهم لإقليم موحد، وخضوعهم لأنظمة سياسية متعددة، ووجودهم في أوضاع قانونية مختلفة، لعبت دوراً كبيراً في تفكك الشعب الفلسطيني، وفي ضعف إدراكات الفلسطينيين لكونهم شعباً واحداً، بخاصة ضعف تمثل ذلك من الناحية العملية.
 
ثانياً، نجم عن تدمير بعض المخيمات في لبنان وسورية، وأيضاً بحكم ضمور مجتمعات اللاجئين بسبب تشريدهم، في حالتي فلسطينيي سورية والعراق، أو بحكم التضييق عليهم ودفعهم إلى الهجرة كما في الحالة اللبنانية، اختفاء مخيمات اللاجئين، الشاهد على النكبة، ناهيك بأن حالة فلسطينيي الأردن تمثل حالة خاصة بحكم المواطنة.
 
ثالثاً، غياب الإجماعات الوطنية، أو الافتقاد إلى هدف وطني جامع، ساهم في إضعاف قضية اللاجئين، لا سيما أن حل الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية لا يجاوب عن السؤال المتعلق بحقوق اللاجئين، وضمنها حق العودة، بخاصة وفق التمثلات التي جرى فيها، ووفقاً لتطبيقات اتفاق أوسلو (1993)، الذي هو في أقصى حالاته مجرد تسوية لجزء من شعب على جزء من أرض في جزء من حقوق.
 
رابعاً، أدى تهميش منظمة التحرير وتحول الحركة الوطنية إلى سلطة تحت الاحتلال، إلى غياب أي حل لمشكلة اللاجئين، ما حرم الفلسطينيين من كيانهم السياسي المعنوي، وأضعف من إدراكاتهم لكونهم شعباً واحداً، وحصر تمثيل السلطة في فلسطينيي الضفة والقطاع.
 
هكذا، فإن نقاش قضية اللاجئين وحق العودة ينبغي أن يخرج من الإطار الشعاراتي إلى إطار الموازنة بين الحق والممكن، وبين الواقع والرغبات، طالما لا يستطيع الفلسطينيون وفقً للمعطيات الراهنة فرض شيء على إسرائيل، ما يفتح على الاقتراحات الآتية:
 
1 - إن حقوق اللاجئين، وضمنها حق العودة، هي حقوق فردية وجماعية، ولا يمكن أي طرف التنازل عنها، أو أن يقرر بشأنها، وإن أي قرار بهذا الشأن يعود للشعب الفلسطيني، سواء تعلق بالخيار الوطني/ الجماعي، أو تعلق بحقوق الإنسان/ الفردية.
 
2 - في مختلف جوانب قضيتنا الوطنية، لا يمكن وضع حق مقابل حق، فالعدالة من حق الجميع، والمعنى أنه لا يجوز وضع مطلب حق العودة للاجئين مقابل الحق في التحرر من الاحتلال وإقامة دولة مستقلة في الضفة والقطاع، والعكس صحيح، مثلما لا يمكن، أيضاً، وضع هذين الحقين، أو الهدفين، أو أي منهما، مقابل حق فلسطينيي 48 بالمساواة، في الحقوق الفردية والجماعية، بما في ذلك اعتبار أنفسهم جزءاً من الشعب الفلسطيني، باعتبار أننا لسنا شعوباً متعددة وإنما شعب واحد، في قضيته وحقوقه وهويته وتطلعاته.
 
3 - إن أي حل لأحد جوانب القضية لا ينبغي أن يكون بديلاً من إيجاد حل للجوانب الأخرى لهذه القضية، بل ينبغي أن يؤدي، أو يمهّد، لحل الجوانب الأخرى، وصولاً إلى حل مختلف جوانب هذه القضية.
 
4 - إن تحسين أوضاع اللاجئين، وضمنه الاهتمام بتحسين أوضاع المخيمات، وإعادة تأهيلها، يعزز من قدرة الفلسطينيين على تنظيم أنفسهم، والتعبير عن ذاتهم، والدفاع عن هويتهم الوطنية، وعن حقوقهم، لا العكس، أي أنه ينبغي نبذ الفكرة الخطيرة والبائسة التي روّجتها الأنظمة العربية، وبعض الخطابات الفلسطينية، والتي تعتبر أن مرمطة الفلسطينيين وإبقاءهم في بؤس مقيم يعززان من هويتهم ومن وطنيتهم.
 
5 - لا يمكن الحديث عن حق العودة من دون اعتبار الفلسطينيين شعباً واحداً، في كافة أماكن وجوده، ومن دون إعادة بناء منظمة التحرير على أسس تمثيلية وديموقراطية ونضالية، باعتبارها الكيان السياسي الموحد والقيادي للشعب الفلسطيني، في كل مكان، ومن دون تمكين الفلسطينيين في كل مكان من تنمية مجتمعاتهم ومواردهم البشرية.
 
6 - لا بد لمنظمة التحرير من التصرف ككيان لكل الشعب الفلسطيني، وضمنه العمل على رعاية أحوال الفلسطينيين في بلدان اللجوء، وتقديم الإسناد لهم في مختلف المجالات، ويأتي ضمن ذلك التسهيل عليهم بمنح جواز السفر الفلسطيني لمن يرغب من اللاجئين، بخاصة فلسطينيي لبنان، بحيث يصبحون في مكانة مقيمين من مواطني دولة أخرى، للتخفيف من المظالم التي يتعرضون لها.
 
7 - إن الحديث عن تنمية المجتمعات، يقصد فيه تنمية المجتمع المدني، وتطوير فاعليته وحيويته، وهذا يشمل الفلسطينيين في مختلف أماكن وجودهم، وذلك من خلال بناء كيانات اجتماعية واقتصادية وجامعية وبحثية وتعليمية وإعلامية. ويأتي ضمن ذلك توجيه الجهود لإجراء انتخابات عامة لهم في كافة أماكن وجودهم، بحيث تنبثق عنها هيئات تكون مهمتها تمثيلهم في الكيانات الوطنية الجمعية للمنظمة، وفي المؤسسات التشريعية (المجلس الوطني)، وترعى شؤونهم مع السلطات المحلية في البلدان التي يعيشون فيها.
 
8 - حمل هذه القضية لطرحها في جامعة الدول العربية، لفرض معايير لائقة في التعامل مع اللاجئين الفلسطينيين، من ضحايا النكبة، في الدول الأعضاء كافة، بكرامة ووفق معايير لائقة، ضمنها إتاحة حرية التنقل والعمل وإتاحة العيش الكريم لهم، وفق منظومة إنسانية وأخلاقية.
 
9 - الدفاع عن بقاء منظمة «الأونروا» كشاهد سياسي على النكبة، وعلى قضية اللاجئين، ووضع القرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة، والخاص بحق العودة للاجئين الفلسطينيين، في أجندة المسائل التي يتم طرحها في المحافل الدولية.
 
10 - إبداء الحذر في التعامل مع خطاب رفض التوطين، وعدم الاحتفاء به، لأنه ينبع، في الغالب، من بيئة استبعادية للفلسطينيين (أي بيئة التوظيف الأمني والسياسي)، أي من نظرة عنصرية، فضلاً عن أنه في حقيقته رديف لخطاب التهجير، وهي خطابات تسعى إما إلى توظيف اللاجئين في مآرب مصلحية وسياسية ضيقة، أو تسعى إلى التخلص من قضية الفلسطينيين بالتخلص من وجودهم. ومعنى ذلك أن خطاب رفض التوطين لا يصبّ بالضرورة في طاحونة حق العودة، وربما أن التهويل به يصب في طاحونة التهجير، وتصفية قضية اللاجئين، كما أنه يخلق لدى اللاجئ قلقاً إزاء مصيره كإنسان، وإزاء هويته ومستقبله، ولا شك في أن الخطاب البديل معني بتركيز الدفاع عن حقوق اللاجئين، بجوانبها الإنسانية والسياسية، لا الهروب من المهمات المتعينة (الإنسانية) إلى المهمات السياسية.
 
11 - ربما من الأجدى لخطاب العودة أن يأتي متضمناً في إطار المعادلة السياسية التي تطرح فكرة الدولة الواحدة الديمقراطية العلمانية، أو دولة المواطنين، بمختلف أشكالها، أو التي تمهد لذلك، وعلى أساس تقويض الطابع الاستعماري - الاستيطاني العنصري والديني لإسرائيل، علماً أن ذلك لا يعني وضع خيار الدولة الواحدة كمقابل أو كبديل لخيار الدولة في الضفة والقطاع.
 
القصد أن ثمة مستجدات وتعقيدات كثيرة باتت تفرض على الفلسطينيين التكيف معها للتخفيف من معاناتهم، ومن أجل بناء مجتمعاتهم، بدلاً من البقاء على العيش مع الشعارات، والمسيرات.
 
* كاتب فلسطيني
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد