الأردن وثلاثة سيناريوهات لمواجهة الأزمة

mainThumb

26-05-2018 04:27 PM

الدولة الأردنية، وعلى مدى مئة عام من التأسيس، لم تكن يومًا على موعدٍ مع مأزقٍ معقدٍ و متشابكٍ كما هي عليه الآن وعلى الاتجاهين: السياسي والاقتصادي؛ اقتصاديًا فإن تفاقم (الدين العام) مدفوعًا بعجز (الموازنة العامة المُزمن) و تراجع (الدعم الأجنبي) جعل الخيارات أمام صاحب القرار محدودة و جميعها مؤلمة، وخاصةً التبعات الاجتماعية والاقتصادية لنهج (الجباية الضريبية) الذي تعتبره الحكومة الحل الوحيد المُتاح بالرغم من العواقب السلبية على (النمو والنشاط الاقتصادي) في المدى المتوسط؛ سياسيًا فإن إدارة (ترمب) التي تجاوزت كل الخطوط بنقلها السفارة إلى القدس، وتحييد (الوصاية الأردنية) على المقدسات، و تجاهل (المصالح الأردنية) في ملف الحل النهائي بما يشمل (اللاجئين) وعودتهم أو تعويضهم، كل ذلك وضع الأردنيين في موقف المُتفرِّج وكأنهم غير معنيين بالأمر! 
 
الأردن، اليوم وفي ضوء تعقيدات الملفين (السياسي والاقتصادي) بات على عتبة مرحلة جديدة من (هيكلية السلطة والقرار) من شأنها اتخاذ خطوات ذات طابع (جراحي عميق) وعلى المستويين (التكتيكي والاستراتيجي) بحيث يضمن الخروج بأقل الخسائر وربما ليس بأعظم المكاسب، بعد أن أدرك الجميع بأن (البساط) بات ينسحب باتجاهات (إقليمية أخرى) مدفوعة بجرأة سياسية مريبة و أقصى درجات المخاطرة الاستراتيجية!
 
سيناريوهات ثلاثة تقف في وجه الدولة الأردنية، جميعها واقعي و محتمل. الأول: سيناريو المواجهة وقلب الطاولة على الجميع. الثاني: القبول السلبي بأقل الخسائر. الثالث: العودة إلى الجماهير وإعادة رسم الدولة.
 
أولًا: سيناريو المواجهة: إذا ما أدرك الأردن بأن الدور الأمريكي والمنسجم تمامًا مع الرؤية الصهيونية، ما عاد مقبولًا تحت أي مبرر، وأن خطوات واشنطن باتت تهدد الوجود و الاستقرار للدولة الأردنية، كنتيجة لتجاهل أحقيَّة الأردن ومصالحه المتصلة تمامًا بملف اللاجئين و القدس، فإن صاحب القرار سيكون مضطرًا إلى الاستدارة باتجاهات جديدة بالكليَّة، وليس مستبعدًا الذهاب بعيدًا تجاه (الصين وروسيا) كدول عالمية فاعلة و راغبة في تعزيز حضورها الاستراتيجي في الشرق الأوسط، وليس خافيًا على مُطَّلع ذلك الحضور الأردني على خارطة الجيوبوليتيك الدولي. أما إقليميًا، فإن (تركيا و إيران) ما زالتا قوتين لاعبتين في ملفات المنطقة، و صاحبة أحلام إمبراطورية، و الأردن يتوسط مناطق أطماع و نفوذ كلًا من تلك الدولتين. وليس منطقيًا أن يستمر الأردن بحماية (1600 كم) من حدود الشرق الأوسط الملتهبة بالمجان ليقارع وحده تدفق الإرهاب و تجارة المخدرات على مشارف حدوده، عندها فإن على الجميع أن يتحمل مسؤولياته! 
 
هذا السيناريو يبدو مستبعدًا كونه لا ينسجم مع الخط العام التأريخي للأردن، ولكن الظروف المصيرية قد تتطلب تغيرات جوهرية.
 
ثانيًا: سيناريو القبول: في ظل حساسية الموقف الاستراتيجي، و خطورة أي توجه تاريخي، وفي ضوء محدودية اللاعبين الكبار الفاعلين في ملفات المنطقة، و مصيرية القرار؛ فإن القبول بالأمر الواقع قد يندرج تحت باب (الحكمة الناجزة)، فإذا توافقت الرؤية الصهيونية مع القرار الأمريكي المندفع ومع (القوى الإقليمية العربية الفاعلة) فإنه لن يبق هنالك خيارات واقعية سوى الرضوخ للضغوطات ومحاولة الخروج بأقل الخسائر، وهذا يتضمن توطين اللاجئين في بلاد اللجوء، و ضم القدس لإسرائيل، وقيام دولة فلسطينية ممزقة ومحاصرة مابين غزة و رام الله، ليظل الشعب الفلسطيني وحيدًا حينئذٍ، ليصارع الصَّلف الإسرائيلي القائم على حق القوة في فرض الأمر الواقع، أما خيار (الانتفاضة الفلسطينية) فقد يتم التضييق عليه ليبقى في حيز (خبر يومي اعتيادي عن أعداد الشهداء والجرحى) وخاصةً في ظل الحصانة و الغطاء السميك الذي يمنحه (العالم المتصهين) لجرائم إسرائيل منذ عقود.
 
هذا السيناريو هو الأقرب للواقع، و يبدو عملانيًا هو خارطة الطريق المتبعة حاليًا.
 
ثالثًا: إعادة رسم هياكل الدولة: انسجامًا مع تجربة 1989 الاقتصادية والسياسية، فإن العودة إلى الجماهير قد تكون حلًا داخليًا مجزيًا؛ فقد تكون فرصة تاريخية لإعادة تشكيل الدولة، وتعريف هويتها الجامعة، وتأطير مفهوم المواطنة، و بناء دولة القانون والحريات، فالمطالب الشعبية غير المكلفة اقتصاديًا هي حلول بالمجان؛ بدءًا بتعزيز صلاحيات البرلمان في شؤون و قرارات الدولة، و تغيير قانون الانتخاب ليعزز حضور الأحزاب والحراك السياسي، و إلغاء مجلس الأعيان أو انتخابه، وتعديلات دستورية حقيقة من شأنها تمكين الشعب و إعادة توزيع الصلاحيات، و تعديل قانون الصحافة والنشر لتعزيز الحريات، و مكافحة الفساد والتهريب والتهرب الضريبي والرشوة، و دعم الشفافية وحق الحصول على المعلومات العامة، و تعزيز الشفافية والإفصاح عن نشاطات الدولة ونفقاتها، و التقدم في ملف حقوق الإنسان والمرأة والطفل، كل ذلك يُمثل جملة مطالب شعبية مُلحَّة قد يتم تحويلها لمشروع وطني تقدمي من شأنه تحقيق انفراج عام ملموس ليعوِّض عن الاختناق الاقتصادي.
هذا السيناريو مجاني، وواقعي، و مفيد، ولكن (ديناصورات الدولة العميقة) لن يكونوا جزءًا منه بأيّ حال.
 
جميع هذه السيناريوهات محتملٌ وواقعيٌ، وقد يتولد من (خليط جميعها) سيناريو مستحدث أكثر قابلية للتطبيق، لكنه وعلى كل الأحوال، لا بد لنا من أن ندرك بأن الأردن بعد 2018 لن يكون نسخةً كربونيةً عما كان من قبل؛ فحجم ونوع التغيرات التي تتم هائل و مربك و يخلط جميع الأوراق ويجعل من القرار (في ظل بيئة مضطربة) أمرًا أكثر من صعب، فكان الله في عون صاحبه.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد