فلسطين في غياهب العماء السلطوي - ماجد الشيخ

mainThumb

19-06-2018 03:16 PM

 شكلت موقعة «جمل رام الله» يوم 13/ 14 يونيو/ حزيران، الجاري، وما قبلها في الحراك الشعبي للتضامن مع أبناء قطاع غزة ضد العقوبات والحصار في العاشر منه، ملامح تجذير مرحلة انقلابية جديدة، توازي في مفاعيلها موقعة انقلاب العام 2007، وهما مرحلتان شهد الوضع الوطني الفلسطيني خلالهما، ليس الخروج على نهج الكفاح التحرري، والانحراف عن المشروع الوطني والعبث بمنطلقاته ومبادئه، والحط من أساليبه الكفاحية، وترذيل إرثه وتراثه الوطني، بل وتقديس وشد العصب الفئوي والانحياز لكل ما هو سلطوي وتسلطي في النظام السياسي الاستبدادي، قديمه والجديد، القائم على ضفاف الانقسام السياسي والجغرافي، وصولاً إلى محاولة تكريس انفصال كياني أوسلو والتسليم بمنطق تقديس سلطتيهما، لجهة عبادة الفرد والأشخاص، والدخول في غياهب العماء السلطوي، ذاك الذي لا يعود أهل السلطة، ولا حتى أهل «السلطة العميقة» يرون من خلاله سوى مصالحهم الشخصية الخاصة والزبائنية، وشراكاتهم حتى مع أعداء شعبهم، توسلاً للاحتفاظ بها والحفاظ عليها من «حسد» أبناء الشعب المحروم من الوطن، ومن أدنى حقوقه الإنسانية والسياسية والمواطنية، في أروقة نظامهم السياسي الذي بات يبتعد كثيراً ولمسافات ضوئية عن تطلعاتهم الوطنية وحقوقهم السياسية.

 
 
لقد شكلت عملية تدمير الشرعية الوطنية ومشروعها التحرري، على أيدي سلطات النظام السياسي الفلسطيني نفسه، كل لمصلحة شخصه وسلطته، أكثر المحفزات اندفاعاً نحو استكمال المشروع الاستيطاني الكولونيالي الصهيوني، العامل والعامد إلى تهويد الضفة الغربية والقدس، وكل ما قد تطاولها أيدي الجيش والمستوطنين الإسرائيليين وفق رؤاهم التوراتية والتلمودية، يساعدهم ويشد من عضدهم نظام سياسي متطرف، إسرائيلي وأميركي أكثر تطرفاً في رؤاه الدينية والإمبريالية الكولونيالية، في ظل حضور طاغ لمجموعة من المطبعين والخانعين العرب، ممن دخلوا في جوقة الطعن في ظهر الفلسطينيين وقضيتهم الوطنية، كما في نظام سياسي فلسطيني، بات يعلن انفصاله المعلن عن بقية الوضع الوطني الفلسطيني، سواء عن الداخل الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب وفي القدس والضفة، أو في غزة أو في الشتات الواسع.
 
بات كل هذا يتأكد أكثر، في هذا الشهر بالتحديد حزيران (يونيو)، حيث قدمت أجهزة دايتون الأمنية، وقد أصبحت تمثل السلطة العميقة والاحتياطي الجاهز لدعم وإسناد والدفاع عن ديكتاتورية الفرد وسلطة أوسلو، وهي تمضي في استبعاد وإقصاء كل الأصوات المناضلة وتمنعها من التعبير عن آرائها الوطنية، حتى أن القمع الأمني الأوسلوي هذه المرة، لم يكن ليحاكي سلطته المباشرة، بل ليؤكد للإسرائيليين أنه ظهيرهم الأمني الذي كانت قد جادت به قرائح دايتون ومخططات أوسلو، وما تفتقت عنه ذهنية التحريم السلطوية وسلطتها السياسية المباشرة والعميقة، في دفاعها المستميت عن مصالحها الخاصة، وهجومها المقيت على أبناء شعبها.
 
إن استعمال «شارع السلطة» في مواجهة «شارع الشعب» ومطالبه، والتهرب من تنفيذ سياسات أقرتها مؤسسات محسوبة على السلطة، كالمجلس المركزي والمجلس الوطني الأخير، وصفة جاهزة لحرب أهلية، أو على الأقل لبدء صراع أهلي، تتحضر له السلطة بشارعها وأشخاصها وشخوصها، دفاعاً عن نزوعها الاستبدادي الفردي، لا سيما حين يصير أفراد التنظيم وفئويو السلطة والمتعصبون لها ومن يرتزقون على موائدها غير العامرة، احتياطاً جاهزاً للقتال القمعي والإرهابي، يشاركون أجهزة دايتون الأمنية حفلات القمع والتشبيح والبلطجة، من دون أن يكون في مقدور سلطة كهذه الخروج من أزمتها، بقدر ما تزداد تعقيدات أزماتها الطاحنة، ليس في مواجهة الاحتلال والشراكة معه، بل وفي مواجهة شعبها عبر العديد من صنوف وأساليب فك الشراكة معه، في العديد من المواقع وساحات تواجد الشعب الفلسطيني داخلاً وشتاتاً.
 
مثل هذا الوضع الذي يحشر فيه الشعب الفلسطيني، على أيدي سلطة لم تعد جديرة بقيادة معاركه الكفاحية في مواجهة احتلال كولونيالي بغيض، يحتل ويهيمن على كل الوطن الفلسطيني، وأضحى يمعن أكثر في تغوله الاستيطاني وفي انتزاع العديد من صولات وجولات التهويد في القدس وفي الضفة، كيف يمكن لهذه السلطة أن تواجه صفقة القرن الترامبية، وصفعات التطبيع الخيانية الرسمية العربية، وتلك القلة القليلة من نخب التفاهة والارتزاق على أبواب السفارات الأجنبية؟ وما الذي يمكنها أن تحققه لشعبها وتطلعاته الوطنية التحررية، إذا كانت منذ الآن لا تريد له أن يكون حراً كريماً في وطنه، ولا أن يكون له كامل حقوق المواطنة في وطن ليس له وطناً سواه؟.
 
إن بداية تصويب المسار الوطني، تكون بالتخلص من محاكاة «عقدة غزة» كما عبر عنها إسحاق رابين يوماً، ويبدو أن البعض السلطوي «الفلسطيني» يريد أن يحققها ليتكيف مع عقده السلطوية ومصالحه الشخصية، وهذا لن يتحقق إلا بالعودة إلى مسلمات قضية شعب موحد يمسك بتلابيب مصيره الواحد في وطنه الموحد، وما يجري اليوم للأسف في واقع سلطة بجناحيها، وبما يحيط بها من مصفقين ومطبلين وانتهازيين ووصوليين، لا يخدم هدف استئناف مسيرة المشروع الوطني الفلسطيني، وقد ركنته السلطة بكل فئاتها ومندرجاتها جانباً، ولم تعد تلتفت إليه، إلا حين تريد استعماله وظائفياً وتوظيفياً لمصالحها الخاصة.
 
والاختبار التاريخي الراهن، لم يعد يتحدد بإنقاذ سلطة هنا، أو سلطة هناك، بل بإنقاذ جوهر المشروع الوطني برمته، ضمن مفاهيم التحرر الوطني والإجماع الوطني، ووحدة وطنية تذهب مباشرة نحو الأهداف الرئيسة لكامل قوى المجتمع السياسي والوطني الفلسطيني، بدل هذا التلهي بموضوعة الانقسام الذي فرخ انفصالاً مشؤوماً، بات يضاف إلى واقع انتكاب الشـــعب الفلـــسطيني حتى بقياداته، التي أصبحت لا ترى ذواتها إلا في نعيم السلطة، تاركة خلفها جحيم الكفاحات التحررية التي ينبغي أن تتحلى بها قيادة تاريخية لشعب موحد، يناضل من أجل تحرير وطن اغتصبته الكولونيالية الإسرائيلية بدعم من الكولونياليات الغربية، منذ ما يزيد عن سبعين عاماً.
 
* كاتب فلسطيني - الحياة اللندنية
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد