أزمة رأي

mainThumb

19-06-2018 03:22 PM

التجمعات البشرية من صفاتها التواصل، وسواء كان الفرد فيها ينضوي تحت اسم عشيرة، أو حزب سياسي شكلي، أو مؤسسة مجتمع مدني، لا بد له من التواصل مع غيره، وأثناء التواصل يظهر ما يسمى ب" أزمة الرأي" تجاه كل الأمور التي تحتاح الى رأي، خاصة مع وجود ثورة الاتصالات والمواصلات والتواصل الاجتماعي والمجتمعي، حيث تظهر هذه الأزمة جلية عند ذوبان المؤسسة أو الحزب أو حتى الدولة في الفرد، وليس العكس.. فتتضخم ال"أنا" الفردية على حساب العشيرة أو الحزب والدولة أيضا، فيتحدث المغمور بلغة توحي بأنه هو الدولة وهو العشيرة والحزب ومؤسسة المجتمع المدني!! فهو لم يستطلع رأي أو يلتقي بأشخاص من المؤسسة التي ذابت فيه، فيتكلم باسم جميع أفرادها، ويتخذ مواقف ويقيّم شعوبا باسمها وأحيانا يأمر وينهى، ويوبخ الآخرين باسم الدولة الذائبة فيه..!! 
 
المعضلة هذه جاءت من ضيق الأفق، والتقوقع على الذات، حتى أن أصحاب هذا المرض يظنون أن محيط الكرة الأرضية هو آخر ما تراه عيناه في الأفق ان استدار 350 درجة، وأن الدنيا هي الأماكن التي يذهب اليها فقط، أما ما عدا ذلك فهو يُعد من "ما وراء الطبيعة" ولا يفيد التفكير به أو الاقرار بوجوده، وعليه فالدنيا هي الوسط الذي يتحرك فيه وتلتقطه حواسه، ولا يؤمن بتاتا بالمقدمات العقلية التي توصل الى اثبات ما لا يراه.
 
وبعد كل ما أسلفت يتصدى الفارس المغوار حافي القدمين، لإدارة المعارك على مواقع التواصل، فيجلس أما الشاشة، يعنف هذا ويشتم هذا، وأحيانا يكون عشيرة، وتارة دولة، وأخرى وزارة داخلية، أو جهاز أمني، ثم يتابع التحركات الشعبية، يوجه الجموع، أو يعنفها، و يطلب منها الرجوع، باسمه الدولة أو باسمه العشيرة، يرفع صوته عاليا، يستخدم التخاطر.. ويا سارية الجبل الجبل.. ثم يعود الى أنا الدولة فينصح بالتروي والهدوء، دون أن يستقر على رأي موزون مدروس، مستند الى مصلحته على الأقل.. هذه الآراء المأزومة تصفعنا في المواقع صباح مساء، وصاحبها الى الآن لا يستطيع أن يدرك أنه شخص واحد وليس بالضرورة أن يكون يملك الحقيقة، لأنه ببساطة لا يستطيع ادراكها، لأن من يدرك الحقيقة يملك عقلا وأفقا واسعا، ويعلم أن الأرض كرة كبيرة تتألف من 7 قارات، وكثيرا من الدول، فيها بشر مختلفون في الألوان والأشكال، والمعتقدات، واللغات، وهذه الكرة تصبح نقطة صغيرة إذا ما قورنت بالكون، وأن صاحبنا حافي القدمين فيها لا يساوي شيئا.....
                                                                              
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد