تونس: دولة نائمة وإرهاب مستيقظ - أمين بن مسعود

mainThumb

09-07-2018 03:35 PM

 العملية الإرهابية التي استهدفت الأحد دورية أمنية في محافظة جندوبة الحدودية تحتاج وقفة تأمل واستقراء لبيان أسبابها المباشرة والعميقة في آن. مكمن القراءة نابع من الحصيلة الثقيلة للشهداء الذين سقطوا والبالغ عددهم تسعة شهداء، على الأقل، من مؤسسة الحرس الوطني، إضافة إلى ضرب العملية الإرهابية لحالة الأمن النسبي الذي عم البلاد بعد تمكن المؤسسة العسكرية والأمنية من استهداف كبار رؤوس الجماعات الإرهابية طيلة 2017 و2018. هذا دون التغاضي عن كون العملية الإرهابية تحمل في طياتها تعقيدا يفضي إلى ضرورة تنسيب مقولة اندحار الجماعات الإرهابية وفقدانها لزمام المفاجئة العملياتية.

 
ذلك أن القارئ لديناميكية عمل الجماعات الإرهابية سواء في تونس أو خارجها، يصل إلى خلاصة مفادها أن غالبية التنظيمات التكفيرية تمر بمراحل كمون تترهل فيها تنظيميا وعسكريا ولوجستيا لاعتبارات محلية وإقليمية ودولية، حتى إذا حانت الفرصة عادت في ثوب جديد لاستكمال المرحلة السابقة.
 
وكما أن خطاب التفاؤل قد يناور في مستوى تقييم الأخطار وتقدير قوة الجماعات الإرهابية، فإن خطاب التشاؤم يجانب في الكثير من الحالات الصواب. فالمؤسسة التونسية بمستوياتها الأمنية والعسكرية استطاعت أن توجه ضربات قاصمة للتنظيمات الإرهابية، صحيح أنها ليست بالضربات المميتة، ولكنها ضربات أفقدتها الكثير من الحضور الميداني والعسكري.
 
الحقيقة التي لا بدّ من الإشارة إليها هي أن الضربة العسكرية وفق ما أوردته مصادر إعلامية مطلعة، حصلت بعد إحباط المؤسسة الأمنية لعمليتين إرهابيتين، الأولى كانت ستستهدف فندقا في محافظة سوسة، والثانية خططت لاغتيال شخصية سياسية وازنة في المشهد السياسي، بما يعنيه هذا الأمر من انتباه عال وجاهزية معتبرة لدى الأمن والجيش، وما يؤكد أيضا أن فرضية عودة الجماعات الإرهابية للاستهداف باتت واردة. فرضيّة الاستفاقة الإرهابية نعزوها إلى عدّة اعتبارات، على رأسها:
 
أولها حالة الاستقطاب الحادة التي تمر بها البلاد اليوم، وهي حالة ذات مناح وأبعاد سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية تترك للجماعات الإرهابية منافذ في النسيج المجتمعي، تسعى الجماعات الإرهابية إلى توسيعها وتوظيفها عسكريا وخطابيا.
 
ثانيها تداعي حالة الاستقطاب على ملف أمني خطير قوامه وزارة الداخلية باعتبارها رأس الوزارات السيادية، وقد تجلى هذا الاستقطاب في سعي حركة النهضة وحليفها في القصبة يوسف الشاهد إلى إسقاط الوزير لطفي براهم من رئاسة الوزارة، وقد كان لها ما أرادت عبر استغلال تقرير صحافي نصفه مغالطة ونصفه أوهام وكوابيس الإخوان.
 
ثالثها تحويل ملف وزارة الداخلية إلى ملف مزايدة ومكاسرة بين الأطراف السياسية الحاكمة ورفض حركة النهضة تحييد الوزارة عن أي تجاذبات والقبول بشخصية تقنية من أبناء الوزارة لإدارتها، إلى درجة أن الحقيبة الأهم باتت اليوم تحت إشراف وزير العدل غازي الجريبي، ولئن سلمنا بنزاهة الرجل ومصداقيته كمسؤول، فإن رئاسة حقيبتين مثل العدل والداخلية في مرحلة انتقالية في بلد كتونس تعد أمرا خارج المنطق السليم.
 
رابعها: التشتت الحاصل اليوم في أجندات الدولة التونسية بين استحقاقات اقتصادية صرفة واحتجاجات اجتماعية عديدة وإسقاطات لإرادات الممولين الأجانب والنزيف المستمر للهجرة غير الشرعية والاستدرار الأوروبي للأمن التونسي ليكون حارسا للبوابة الأوروبية، كلها أمور حولت الحرب على الإرهاب من الأولوية الرئيسية إلى الأهداف الجانبية.
 
وفق تقدرينا فإنّ الجوانب الإقليمية في هذه العملية تكاد تكون منعدمة، فالجزائر تعرف حالة من عودة مطردة للإرهابيين إلى مؤسسات الدولة، كما أن الوضع في ليبيا المـتأزم والحرج يؤشر بشكل مباشر على الجغرافيا الحدودية المتاخمة لها (الجنوب الشرقي) وليس الشمال الغربي، إضافة إلى أنّ الحرب التي تخاض اليوم في منطقة الساحل الأفريقي أفقدت الكثير من الجماعات الإرهابية القدرة الاستباقية والمقدرة التنظيمية في مالي والنيجر وغيرهما من المناطق.
 
الجوانب المحلية هي الخيط الناظم لتفسير ما حصل ولتقديم وصفة الحل، فالإرهاب يضرب عندما تسوس لوثة الاستقطاب والانقسام، وعندما تكون هناك أزمة حكم في منظومة حكم متأزمة، وعندما تتأخر أولويات الحرب على الإرهاب لفائدة التطبيع مع إرهاب الرساميل الدولية والعالمية الكبرى.
 
العرب


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد