سوريا بين حسابات الربح والخسارة

mainThumb

06-08-2018 09:47 AM

عودة إلى حركة الشعب السوري ضد نظامه، ومع ما انجلى وينجلي من وقائع  على الأرض هذه الأيام، خاصة ما يتعلق بسيطرة النظام بمساعدة الجيش الروسي على منطقة الغوطة بالقرب من عاصمة الدولة دمشق، والسيطرة على نقاط التماس في هضبة الجولان مع فلسطين المحتلة وبدء تسيير دوريات أممية بمساعدة الشرطة العسكرية الروسية ثم سيطرة النظام على منطقة السويداء ودرعا، ونقل مقاتلي المعارضة إلى إدلب، وطرد داعش من عديد المناطق، وما يخطط لإدلب والتصريحات الروسية حول الوضع العام في الدولة السورية، ثم الترتيبات القائمة لفتح الحدود وتحديدا معبر نصيب مع الأردن، تبرز جملة من الحقائق التي لا بد منها فيما يتعلق بالمعارضة السورية، والشعب السوري، والوضع الاقتصادي، وحسابات الربح والخسارة بعد حوالي سبع سنين من بدء المطالبة بالإصلاح السياسي للوضع القائم في سوريا، التي تعتبر جمهورية، حكمت وما زالت لسنين طويلة من قبل عائلة الأسد.

 
قبل كل شيء، الرابح الأول من الحرب في سوريا، هي الدولة الروسية، التي قدمت في السنتين الأخيرتين دعما لوجستيا وعسكريا واقتصاديا غير مسبوق للنظام في سوريا، في سبيل إعادة سيطرته على الأرض السورية التي دمرت البنى التحتية في الكثير من مناطقها لاسيما المدن الرئيسية، كما في حمص وحلب ودير الزور وغيرها والتي أصبحت أثرا بعد عين عامرة بكل أسباب الحياة التي بناها الشعب السوري بما تيسر له من قدرات وإمكانات.  لا شك أن الدولة الروسية ثبتت بإمكاناتها العسكرية النظام السوري من جديد وأعادت نفسها لاعبا عالميا رئيسيا بموازاة الولايات المتحدة الأمريكية تفرض شروطها إذا ما تحركت دون هوادة، وهي لا شك بالفعل ألحقت الهزيمة بالدولة الأمريكية فيما يختص بالموضوع السوري تحديدا، وكل ذلك يجعلها لاعبا رئيسيا ستكون له كلمته في أية ترتيبات مستقبلية في سوريا، من حيث تركيبة النظام والحكم والدستور وغيرها من المسائل السيادية، بما في ذلك وجود عسكري دائم وتواجد قوات دول أخرى في سوريا، والاستفادة المباشرة والكبيرة من عملية الإعمار التي ستكلف مبالغ طائلة وتستمر لسنوات عديدة قادمة، والمسامع نحو إعادة فتح السفارات في دمشق بدأت تنتشر في وسائل الإعلام العالمية تطنطن لذلك ما يمهد لاستقرار البلد سياسيا وعسكريا.  هناك جهات سيطولها من الكعكة بعض أطرافها، لكنها لن ترقى إلى حصة الروس الرئيسة، وخاصة الشركات التي ستعنى بعملية إعادة الإعمار والتي ستجني الكثير منها.
 
على الجانب الفلسطيني، وهنا نتحدث عن الدولة السورية لا النظام، فقد خسرت القضية الفلسطينية سندا وداعما عربيا جديدا بعد تدمير العراق، وتغلغل القوات الإيرانية فيه، ما ينعكس بالتأكيد على الوضع التفاوضي الفلسطيني الذي يزداد ضعفا بعد كل زلزال يعصف بأية دولة من الدول العربية، والشواهد في ذلك متعددة واضحة معالمها، خاصة من ناحية التوازن العسكري ولو بالنزر اليسير من ناحية الثقل البشري للجيش العربي السوري بالمقارنة مع نظيره جيش دولة الاحتلال الصهيوني.
 
الرابح الأكبر لا جدال، وربما كان الأول، هو دولة الكيان الإسرائيلي، التي تحقق لها في سنوات قصار ما لم يتحقق في عديد من السنوات، من حيث الإنهاك والاستنزاف اللذين لحقا بالجيش السوري وتدمير البنية التحتية للدولة السورية، خاصة على المستويين العسكري والاقتصادي، لاسيما مع تصريحات تصدر عن جهات في دولة الاحتلال من أن روسيا وافقت على بقاء المرتزقة الإيرانيين بعيدين في وجودهم عن الحدود السورية الفلسطينية بمسافة تصل إلى 100 كيلو متر، ما يعني تحجيم الوجود الإيراني في سوريا، وهو قد يؤدي إلى خلاف بين روسيا وإيران بغض النظر عن حجم هذا الخلاف، استنادا إلى ما قدمته الدولة الإيرانية الرسمية من دعم لامحدود للنظام طيلة سنوات الثورة السورية. الرابح الثالث، هو النظام بعينه، حيث حافظ على وجوده وحكمه خلاف رغبة الشعب السوري الذي قدم التضحيات الجسام لينعم بالأمن والأمان والحرية السياسية واختيار الحاكم والحكم الذي يقوم على خدمة الشعب لا مصادرة مقدراته وحريته.  أما في حسابات الربح والخسارة، فإن الشعب السوري، يعد الخاسر الأكبر في حرب السنوات السبع.  فقد عانى من القتل والتشريد والجوع والعطش، وتدمير بناه التحتية ومدنه ومنازله، وشوارعه، لكنه كما هزم الاستعمار الفرنسي بإرادته وعزيمته الصلبة قادر على النهوض من جديد، وبناء مدنه وقراه حتى لو استغرق ذلك سنين عديدة.
 
هكذا إذن تعود الأمور إلى سابق عهدها، وما يتسرب من بقاء الحكم على الشكل الذي كان عليه بموافقة أطياف المعارضة، مع نقل بعض من صلاحيات الرئيس إلى نائبه وهي صلاحيات تظل صورية على أرض الواقع، يؤشر إلى بداية مرحلة جديدة في سوريا تشكل نواة لعودة اللاجئين والمهجرين إلى مدنهم وقراهم والعمل ثانية على بنائها من جديد.
 
كاتب ومحلل سياسي مستقل
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد