الخيانة الزوجية .. الأسباب والتشخيص والعلاج

mainThumb

08-09-2018 03:05 PM

المرشدة النفسية والمصلحة الأسرية: نسيبه الكايد*
 
 
وردنا السؤال التالي: ماهو التصرف الصحيح من زوجة اكتشفت خيانة الزوج وتعدد علاقاته؟، وقد اكتشفت مراسلته ومواعدته للكثير من الفتيات. وهي لاترغب بالإنفصال بسبب خوفها من المجتمع ونظرة المجتمع للمرأة المطلقة وبسبب وجود الأولاد وتريد التغيير من حال زوجها
أرجو الافاده.
 
موضوع الخيانة الزوجية موضوع شائك وخصوصاً وأنه زاد في هذا العصر الحديث الذي سهَّلَتْ فيه وسائل التواصل الاجتماعي هذا الموضوع مع الأسف.
 
•ملاحظة: ما سأكتبه الآن هو استنتاج من مجموع قراءاتي لكتب عامة ومتخصصة في الإرشاد الزواجي والأسري ومشاكل الزوجين وكل ما يخص المؤسسة الزواجية مما وقعت عليه عيناي واقتنيته من الكتب لـِكُتَّاب عرب وغيرهم، ومتابعتي لعدد لا بأس به من استشاريين في الزواج ومصلحين أسريين ومشاهداتي لواقع الحياة، إضافة للفائدة التي اكتسبتها من دراستي في الدراسات العليا لتخصص الإرشاد النفسي ونظرياته، لذلك فكتاباتي وتحليلي عن الموضوع ليست مستندة لأبحاث علمية محددة، قد يكون هناك أبحاث علمية تجريبية محكمة عن الزوج الخائن تشخيصاً وسبل علاج ولكني لم أطلع إليه إلى الآن، لذلك فأنا أتحمل مسؤولية ما أكتب ولا أنسبه لأحد.
 
ولأنني أؤمن أن البشر مختلفون لذلك أعتقد أن طريقة واحدة أواستراتيجية محددة لن تصلح لحل جميع المشكلات.
 
 ومن ثم عندما تأتينا مشكلة خيانة الزوج علينا في البداية تحديد نمط الزوج وطريقة تربيته ونشأته،وعلينا تحديد نمط الزوجة وطريقة تفكيرها ووعيها وبالذات في سيكلوجية الرجل وطريقة تفكيره وسلوكه.
 
وسأبدأ بالزوج فإن كان من نوعية الرجال الدونجوانيين أو ما يطلق عليهم بزير النساء، فهذا على الأغلب لا حل له فلا تتعب الزوجة نفسها بالبحث عن طرق لعلاج خياناته المتكررة بل عليها أن تحاول أن تتقبل هذه الفكرة (برغم صعوبتها) وأن تقارن بين وضعها الآن وهي زوجة وأم وتتكيف بهذا الوضع، وبين أن تنفصل وتتحمل تبعات لقب مطلقة.
لأن هذا النوع من الرجال تحديدا صعب جداً أن يتغير إلا في حالة واحدة وهو أن يقتنع هو بالتغيير ويبحث عن العلاج السلوكي المعرفي ويتبعه ثم إن تعالج فسوف يتحسن من داء الخيانة إن شاءالله.
 
أما الوضع الثاني: أن يكون الرجل من الرجال العاديين ولكنه في فترة من فترات حياته أو لظروف معينة ارتكب الخيانه وهذا له أسبابه وسأذكر الآن بعضا منها :
 
وما سأقوله صعب على المرأة تقبله ولكنها الحقيقة المـُرّة التي سواء إن تقبلته أو رفضته فهو موجود،من سيكلوجية الرجل ومن فطرته التي فطره الله عليه أنه يحب التعدد أي أن امرأة واحدة لا تكفيه، لذلك في الإسلام أباح الله الخالق وهو العليم الخبير بعبيده للرجل بأن يتزوج بأربعة.أما الذي يكتفي بإمرأة واحدة فهذا استثنائي، والاستثناء لايقاس على القاعدة العامة.
 
وبما أننا في هذا الزمن الصعب والمرهق ماديا للرجل لكي يعدد فنجده اكتفي ظاهريا بزوجة واحدة ولكنه باطنياً يود كثيرا لو استطاع أن يعدد بأكثر من واحدة.
 
هذه النقطة إن فهمتها المرأة واستوعبتها بحق فسوف تُخرِج من فكرها على الأقل (وهم الرجل المخلص ) الذي إن تزوجها فستكفيه عن نساء العالم أجمعين، وسيكون صدمتها أخف في حال عرفت أن زوجها خانها وتعرف على نساء أخريات، أو  حتى أنه قد تزوج عليها. 
 
حسناً فما المعيار الذي يمكن أن نطمئن الزوجة به، والذي بهذا المعيار ستشبع أهم حاجة عندها والتي تطلبه من الرجل ألا وهو ( الحاجة للأمن والأمان)؟
 
المعيار كما أراه هو :
1-مخافة الله وخشيته في الغيب والعلن.
2-ومدي احساس الرجل بأنه مسؤول عن بيته وزوجه. 
3-ومدي احترامه لمشاعر زوجته وخوفه من أن يجرحها.
4- أن الرجل نفسه من النوع الذي يكتفي بإمرأة واحدة فقط، وهذا لطبيعته وشخصيته هو، أي أن هذه الخصلة نابعة من ذاته وليست بسبب تأثيرات خارجية، هو هكذا وفقط، وكما ذكرت سابقا فهذا استثناء وليس الأصل.
 
ولماذا حددت هذه المعايير؟
1-والسبب أن من يخاف الله بحق فلن يظلم زوجته إن كرهها وسيكرمها إن أحبها، وحتى لو تزوج عليها فلن يظلمها معه وسيحاول أن يعدل قدر مااستطاع.
وهذا النوع من الرجال لا يخون ولا يرتكب الحرام، فإن أحس أنه بحاجة لزوجة أخرى وكانت لديه القدرة المادية فلن يتردد بالزواج.
 
2-الرجل المسؤول هو المعيار الثاني الذي به تطمئن الزوجة بأن زوجها لن يقصر في حقها وبأنه حقاً من النوع الذي تستطيع الاعتماد عليه، وبأنه هو الذي يكون لها العون والسند لها ولبيتها ولأولادها بعد الله، فذلك تكون مطمئنة ومرتاحة معه، وهذا حتى لو تزوج عليها أو طلقها فلن يظلمها وسيحفظ حقها طول عمره.
 
3- الرجل الذي يحترم زوجته، ويخاف أن يجرح مشاعرها، هذا الرجل والذي يبقي رجلا في النهاية فحتى لو أراد الزواج بثانية فسيتروجها بالسر وسيخفي زواجه عن الأولى ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وذلك لعدة أسباب أولها عدم جرح مشاعر الأولي وللحفاظ على بيته وأولاده وعلى سمعته الاجتماعية ولاعتبارات أخرى.
 
فإذا عرفنا ما هي حالات الرجل الذي معه سوف تحس المرأة بالأمان، فسنعرف بالضرورة أن الرجل الذي لايحمل هذه الصفات إن تعرض لإغراءات خارجية مع استعداد داخلي فاحتمال كبير جداً أن يخون ويعدد علاقاته، وبالذات إن كان من نمط الرجل الدونجوان.
 
نرجع للخيانة الزوجية وهو الذي هو عكس الزواج بالحلال من زوجة أخرى.
 
* ماذا يقول علم الاضطرابات النفسية في تحليل نمط الزوج الخائن؟
ما انطرح سابقا كان تحليلا بصفة عامة، واستندت فيه إلى نظرية الأنماط الشخصية وبعضاً من مفهوم الحاجات، وأيضاً إلى الثقافة الدارجة.
والآن سأعرض الموضوع بتخصصية أكثر، وسأنطلق من منظور اضطرابات الشخصية، ومع أني ضد تصنيفات الناس بالمطلق على هذا المعيار ولكن هناك معايير إن استوفت كلها أو بعضاً منها في الانسان فنعطيه في هذه الحالة مُسمّى الاضطراب.
 
سيكون تركيزي على المعايير التي تنطبق في جوانب الاضطراب الخاص بالزوج الخائن والذي هو أساس موضوعنا:
 
1- الشخصية الحدية: أبرز ما يميزه في موضوع الخيانة هو( تعدد العلاقات)، على الرغم من أنه يخاف الهجر من زوجته وممكن أن يلجأ إلى محاولات انتحار إن شعر أنها ستتركه، إلا أن تعدد العلاقات معيار مهم متجذر في شخصيته وحتى لو كان - متدنيا-، صحيح أن تدينه قد يخفف مِن هذا الأمر ولكنه موجود فيه، ومعايير الشخصية الحدية معروف ومن أراد البحث عنه أكثر فاليقرأ عنه.
 
2- الشخصية السايكوباثية ( ضد المجتمع) وهذا النوع أبرز ما يميزه في موضوع الخيانة: أنه بلاضمير فلا ضمير يؤنبه عندما يخون، إضافة إلى أنه لايتعلم من أخطائه، وأيضا هو مراوغ ومحتال ويلبس عدة أقنعة للوصول إلى هدفه. وأيضا من أراد الاستزادة بإمكانه الرجوع إلى محكات هذا الاضطراب.
 
3- الشخصية النرجسية هنا في هذا الاضطراب الزوج يبحث عن متعته الخاصة وعن من تمدحه وتغذي جانب الغرور فيه، فإن لم يجد هذا المدح المبالغ فيه في زوجته فسوف يبحث عن امرأة أخرى تلبي له هذه الحاجة وسوف يهمل تماما زوجته ولن يراعي مشاعرها وسيستغلها ويستغل حاجتها له لكي يبقي على وجاهته الاجتماعية أمام الناس، فأهم ما يميزه أنانيته المفرطة وعدم مراعاة مشاعر غيره والتكبر والغرور.
 
وهؤلاء من وجهة نظري أبرز أنواع الاضطرابات الشخصية التي قد تؤدي بالزوج إلى الخيانة.
 
نستنج إذاً وهذا مهم وما سأقوله ضد قناعة خاطئة منتشرة ثقافيا: بأن سبب خيانة الزوج هو إهمال وتقصير الزوجة، وهذا خطأ بعمومه.
وهنا في هذا المقال أقوم بمحاولة تغيير هذه القناعة الخاطئة المتغلغلة مع الأسف في فكر الانسان العربي خاصة، الذي يلقي المسؤولية على الزوجة في حال خيانة الزوج، 
(مع عدم انكاري بأن الزوجة عليها مسؤولية وقد تكون ضئيلة وفِي جزئية معينة وأهمها من وجهة نظري جهلها في معرفتها لسيكلوجية الرجل، ولسوء اختيارها من البداية) ولكن ما عدا ذلك فلا أحمل الزوجة في الحالات التي ذكرتها فوق، أي مسؤولية في خيانة الزوج،
 
فكثيرا ما نسمع من قصص بأن الزوجة تكون مستوفية لمعايير الزوجة الناجحة من جمال وترتيب وطاعة وحُسْن تبعل لزوجها وأم رائعة لأولادها، ومع ذلك تبتلي بزوج خائن، ثم ومن أجل خوفها من نظرة المجتمع وسوء تعامله مع المطلقة تفضل أن تبلع المُر وتحاول بشتى الوسائل أن تسترجع زوجها.
 
لذلك إن فهمت المرأة وبالذات هذه الزوجة بأن خيانة زوجها ليس من سوء فيها ومن تقصيرها فعلى الأقل ترتاح نفسيا ويهدأ ضميرها من تأنيب الضمير ولوم الذات.
 
ملاحظة: حديثي فوق موجه للمرأة الواعية والزوجة الصالحة، أما النساء المقصرات في حق الزوج، واللاتي يعانين من مشاكل أو يجلبن هُن المشاكل لأزواجهن حتى يدفعن الزوج للهروب والبحث عن امرأة أخرى تسد حاجة النقص فيه، فالموضوع والحديث سيختلف.
 
•وما الحل إذاً مع الزوج الخائن إن كان هناك حل؟
 
هنا كمرشدة نفسية وكمعالجة أسرية سأدخل في تفاصيل حالة الخيانة، بعد أن أشخِّص نمط الزوج ونمط الزوجة وبعد أن أعرف ظروف الخيانة ولماذا تمت وهل هي عارضة أو متأصلة في الحياة الزوجية،
 
ثم أضع كعكة المسؤولية وسأرى هل مسؤولية الخيانة كلها يتحملها الزوج أم الزوجة أيضا تشترك بالمسؤولية.
 
ثم سأحسب العائد والتكلفة أي ما الفائدة التي ستجنيها الزوجة من البقاء مع الزوج الخائن مع وسائل التكيف وسبل محاولة الاصلاح ( مع عدم إعطاء الوعود بنجاح تغيير الزوج) وأنها عليها المحاولة مع الدعاء والتضرع لله بأن يتغير.
والتكلفة إن هي رأت أنها لا تستطيع تحمل خيانته والعيش مع رجل خائن وقررت الطلاق، ما الأثار التي ستجنيها من وراء هذا الطلاق سواء كانت سلبية أو حتى إيجابية.
 
وغير ذلك من استراتيجيات الأساليب المعرفية السلوكية التي أستند إلى نظريتها في العلاج النفسي.
 
ونصيحتي لزوجة الرجل الخائن: 
مراجعة الاستشارات النفسية والزواجية،لأن الموضوع بحاجة لعمل دراسة الحالة لكلا الزوجين ومن ثم اختيار المنهج والأسلوب العلاجي الأمثل وفق النظرية التي يستند عليها المرشد الأُسَري، والمرشد أو المعالج النفسي هو الذي يملك الأدوات الصحيحة لتشخيص الحالة،
وفي حال وجد أن الزوج يعاني من اضطرابات الشخصية، أو أي اضطراب نفسي آخر دفع الزوج للخيانة، وبما أن لكل اضطراب له وضعه المختلف، فعلاجه يمتد من أشهر إلى سنوات، وهذا يلزمه الرجوع لأخصائي ومعالج نفسي والمتابعة معه.
 
وعموما في جميع الأحوال وبما أن الزوجة هي التي تسعي للحصول على العلاج وهي التي تحاول أن تسعي للحفاظ على عِش الزوجية، فنصيحتي لها: أن تعمل جاهدة على التعامل مع مشاعرها من ( الغضب- القلق- الغيرة وإلى غير ذلك من المشاعر السلبية) وأن تضبط انفعالتها، وأن تدرك أخطاء التفكير لديها وتكون على وعي بها، ومن ثم تضبط سلوكها وألا تتصرف إلا بناء على خطة سلوكية موجهة ومدروسة وذلك حتى تعرف كيف تتصرف في المواقف اليومية التي ستتعرض لها.
ولذلك هي بحاجة لمرشد/ة - معالج/ـة نفسي، لمساعدتها على كل ذلك،مع اعترافي (من باب الإنصاف )بأن هناك حالات كثيرة قد تجاوزت مشكلة الخيانة ووضعت حلا لها وحافظت على حياتها الزوجية، بدون اللجوء إلى الاستشارات النفسية والزواجية.
وهي تبقي في الأخير حالات فردية قد تنجح وقد لا تنجح مع غيرها.
 
وأخيرا اعذروني على الاطالة فالموضوع متشعب، ولكل حالة خصوصيتها ولا ينفع مع الحالات المتعددة كما قلت أن أعطي وصفة واحدة، كالطبيب الذي يعطي وصفة دواء واحدة كالبانادول لمداواة جميع الأمراض.
 
ملاحظة مهمة: وبعد كل هذا فأنا عّن نفسي وكما تعلمت أنه في العلاج النفسي ( لا أعطي ضمانات) لكي أوعد بالتغيير الشامل في سلوك الزوج الخائن.
فكما نعرف أن الإنسان كائن معقد، هكذا خلقه الله وسبحان الخالق.
لذلك علينا التواضع لهذه الحقيقة وبنفس الوقت علينا التعامل باحترام تجاه العلم الذي تعلمناه لإيصاله باحتراف ومهنية عالية للمستفيدين.
 
أما النتائج فلا نكفل بها ولا نعطي ضمانات لها، وكل ما علينا فعله هو أن نبذل الأسباب ونطلب من رب الناس والأسباب المعونة والسداد والتوفيق.
 
 
 
* باحثة الدكتوراه في الإرشاد النفسي وعضو لجنة الإصلاح الأُسَري: وادي السير-عمان، الأردن.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد