صراع مع مجهول‎

mainThumb

14-09-2018 06:54 AM

 هو ليس مجهولا بالمعنى الحرفي للكلمة، ولكن الكثير يتجاهله ويقنع نفسه أنه غير موجود، ويحاول الاجتهاد لتحسين حياته الشخصية والمجتمعية دون أخذ اعتبار لوجوده، كذلك الأحزاب تعرفه جيدا وتعلم أنه موجود، لكنها تفضل مسايرة الوضع ومحاولة إيجاد جو سياسي ولو وهميا يتحدثون حوله ويتسلون به، كذلك المسؤولون في الدولة، يعرفونه ويتعاملون معه وينفذون أوامره ويخافون بطشه، لكنهم يعودون ويوهمون الناس بأن المسار صحيح، وأن الوقت كفيل بأن يخرجنا من "عنق الزجاجة" وهذا مستحيل دون الاعتراف بالواقع، وهو الكلام لتخدير الناس وإبقائهم في حظيرة المجهول.

 
منذ أن سقطت البلاد العربية والاسلامية في يد الغرب المجرم، وهو يتخذ استراتيجية التعامل مع الشعوب العربية بحذر ويوجه من وراء الكواليس، لذلك بعد أن اطمأنوا لنجاح الكيانات الوظيفية، قاموا بانسحاب تكتيكي، واستبدلوا بسلطاتهم سلطات صنعوها من البيئة العربية، صنعوها من بطولات وهمية، ودعموها بأجهزة تضمن سيطرتها على الشعوب المغلوبة، وتعرف أن ولاءها ليس لشعب أو أرض أو تاريخ أو فكر ينتمي للأرض المحتلة، بل الولاء كل الولاء للمستعمر، وهذا الأمر يطلع عليه كل من وصل المناصب العليا، وعاين المجهول.
 
وعلى ذلك، فنحن الشعوب المغلوبة منذ مئة عام ونحن نصفق ل"مسرح عرائس"، كل شيء يعرض عليه هو عبارة عن وهمٍ للتسلية وإدامة الغفلة، كل شيء: الأبطال، حركات التحرر، الثورات المسلحة، حركات التصحيح، الحكومات الوطنية، الحركات القومية، وكثير من الدينية، كل هذه كانت تعمل لتمكين دول الاستعمار من السيطرة على الشعوب ومواردها وتمنعها من العيش بالنمط الذي تريد، وتفرض عليها الحياة الغربية رغما عنها، وكل ذلك تديره حكومات لها أجهزتها التي أذلت الناس وامتهنتهم، وهي تدعي أنا لهم، وها نحن في انحدار مستمر منذ مئة عام، والآن في قمة الدولة الوطنية، نراها تنتقم من مواطنيها، وتمارس الاحتلال المباشر خدمة للأسياد.
 
مئة عام مضت والمجهول ما زال جاثما على صدورنا، والسواد الأعظم من الشعوب، لا يصدقون ذلك، ويطبلون ويزمرون لحكومات وطنية يمتطيها المجهول ويحلمون بمستقبل أفضل من خلال مطايا المجهول، وهذا بالطبع ليس حسن ظن أو بلاهة، وإنما الخوف الذي عشش في وجدان الشعوب، التي تبحث عن السلامة الشخصية حتى لو على جثة أخيه أو ابنه، أو نسائه..
 
في هذه الأيام أظن أن الفرصة مواتية فالمجهول يكشف عن نفسه، ويشتد الصراع بين المستعمرين حتى يكشف كل طرف غريمه، ويحاول أن يستخدم الشعوب المغلوبة في صراعه مع خصمه، وما علينا الا أن نكون حرابا لأحدهم، ونتمسك بوعينا، وعلينا أن نعلم الآن على الأقل ثم بعد ذلك يأتي العمل. 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد