يوميات سالم - الحلقة الثالثة

mainThumb

08-05-2019 02:48 PM

لا يشكو سالم من شيءٍ في صحته، وزوجته وعائلته في تمام الصحة والعافية، كل ما يشكو منه هو (شويّة فواتير كهربا ومي بحوالي التسعين دينار وبنزين سيارة واقعة بحوالي السبعين وتصليحات شهرية بحوالي الثلاثين، ودخان بأربعين وقسط بنك بتسعين، ومصروف بنته بالجامعه ومواصلاتها بميّة وعشرين، ومواد تموينية للبيت برضه بميّة وعشرين، ومصروف ولدين بلا شغل ستين، وبنات ثنتين بالمدرسة ثلاثين دينار).
 
سالم ما عنده مشاكل أبداً إلا هاي المشاكل، وراتبه التقاعدي ثلاث ميّة وسبعه وأربعين دينار وخمسه وستين قرش.
 
سالم يعمل الآن سيكيوريتي في أحد المولات براتب شهري مقداره ميتين وخمسين دينار عدّاً ونقداً.
 
بعد انتهاء دوامه اليومي يعود إلى بيته وبعد الغداء يجلس في حوش الدار عصراً برفقة ابريق شاي بالنعنع و ينادي جاره أبو محمد ليتحدثا :
 
- كيف الحال اليوم يا سالم؟
 
- والله على ما انت خابره يا ابو محمد.
 
- يا رجل انداري عنك، بدل ما تقول الحمدلله، بكفي انك كل يوم بالمول بتشوف وجوه جديدة وبتتفرج على الرايحة والجاية، والله لو اني محل مرتك ما بخلّيك بالشغل دقيقة.
 
- وجوه شو يا ابو محمد، خلّيني بهمّي،يا رجل هو احنا عايشين، لو تيجي تقعد مكاني بتطلع من الملّة، المولات مش لاشكالنا، المولات للي معهم مصاري.
 
- أهم اشي الصحة يا سالم، و القناعه كنزٌ لا يفنى.
 
- آه، بس مش لمّا يكون برقبتك عيلة واثنين من اولادك عواطلية مش لاقيين شغل.
 
- يا زلمة ما تشوف نائبنا (سعيد الناجي) خلّيه يدبرهم بوظيفة، بقولوا صار معيّن ثلثطعشر واحد من قرايبه.
 
- بشرفك؟؟
 
- آه والله هيك سمعت.
 
- بتعرف؟؟ ذكّرتني،،، وقت الانتخابات زارنا ع البيت، ووعدني اذا فاز ما ينساني ويردلي معروفي، ولمّا حكيتله إني وعيلتي معه تناول المصحف من جيبته وخلّاني احلف عليه إنّا ننتخبه، شوفتك بعده متذكرني؟؟
 
- يا زلمة روحله وذكّره.
 
- بتعرف اني غلطت؟
 
- بشو؟؟
 
- كان لازم أنا كمان خليته يحلف ع القرآن يوظف اولادي إذا نجح، بس يلّا، الزلمة مبين عليه ابن عالم وناس، وما أظن ينكر المعروف.
 
- بكرا بتروحله، أقولّك؟ ليش بكرا؟ اليوم بعد المغرب روحله.
 
- بإذن الله تعالى.
 
في المساء يلبس سالم بدلته التي تجاوز عمرها العشر سنوات ويمضي إلى بيت سعيد الناجي الذي يستقبله استقبالاً فاتراً، وبعد أن يجلسا يبدأ سالم بالحديث :
 
- الله يعطيك العافيه سعادتك، والله إنك أسد المجلس.
 
- تسلم تسلم.
 
- مش متذكرني سعادتك؟
 
- والله الذاكرة شوي تعبانه، بتعرف، ال B12، وكثرة الناس اللي بتيجيني كل يوم.
 
- أنا سالم سعادتك اللي حلفتلك ع القرآن انتخبك أنا واولادي ووعدتني ما تنساني.
 
- سالم؟؟
 
- آه سالم سعادتك، اللي أكرم الزعبي بكل رمضان ما بلقى حد يكتب عنّه غيري.
 
- للأسف مش متذكر وما بعرف حد اسمه أكرم الزعبي.
 
- مش مهم سعادتك، اصلاً كمان هو مش مهم (يضحك سالم في محاولة منه لاضحاك النائب لكن وجه النائب لم يتغيّر) فيسارع سالم بالاستدارك :
 
- سعادتك عندي طلب وأرجو ما تفشّلني.
 
- اللي بقدر عليه ان شالله.
 
- سعادتك عندي اولاد اثنين بلا شغل وبتمنى من الله تدبرلي اياهم بأي شغلة و....
 
يقاطعه النائب (ماشي ماشي بكرا الصبح تعال ع المجلس وجيب أوراقهم معك).
 
تتلعثم الكلمات على لسان سالم الذي يبدأ بالشكر والدعاء (لسعادة) النائب ويغادر وهو يكاد يطير من الفرح.
 
في الصباح يقف سالم على باب المجلس الخارجي لكن الحرس يمنعوه من الدخول رغم محاولاته اليائسة بإقناعهم بأن (سعادة) النائب هو الذي اخبره بالقدوم إلى هنا، إلا أنهم رفضوا إدخاله وقالوا له (كان لازم أعطاك تصريح دخول مُوقّع منه).
 
يعود سالم إلى بيته خائباً، وعند العصر يشرح لجاره أبو محمد ما جرى معه، فينصحه الأخير بالعودة مساءًا إلى بيت النائب.
 
يعود سالم إلى بيت النائب في المساء ويشاهد سيارة (سعادته) أمام البيت فيقرع الجرس أكثر من مرّة وبعد دقيقتين يخرج عليه شاب :
 
- تفضل.
 
- بدي سعادة النائب إذا سمحت.
 
- والله بابا مش موجود.
 
- عفواً، بس هاي سيارته هون.
 
- بابا طلع مع صحابه بسياراتهم. 
 
- آآآآه، طيّب عمّو اعطيه هذول الأوراق واحكيله انهن من سالم.
 
- ماشي عمّو.
 
يغادر سالم وقد عاد إليه يأسٌ شديد، وبإلحاح من ابو محمد يتكرر نفس السيناريو مع سالم ستة مرّات في ستة أشهر.
 
ذات مساء وصل سالم إلى بيت سعيد الناجي فلم يجد سيارته فقرر أن ينتظره لأن الأمر طارئ ومهم.
 
ثلاث ساعات مرّت وسالم يقف على باب البيت دون كلل أو ملل، ولمّا وصلت سيارة (سعادته) وهمّ بالنزول منها ناداه سالم (سعادتك... سعادتك) فالتفت إليه سعادته وبدأ بالصراخ (يا أخي انتو بتفكروا إنه أنا وزير العمل، من وين اجيب وظايف ها؟ ، يا أخي انتو ما بتزهقوا؟). 
 
يحاول سالم مسح العرق عن جبينه رغم برودة الجو ويقول (سه سه سعادتك انت فاهم الموضوع غلط).
 
(يعني أنا ما بفهم؟؟) يقول النائب بصوت أعلى من السابق، فيرد عليه سالم (العفو سعادتك، بس أنا قصدي...).
 
(لا قصدك ولا مش قصدك، هو ظل فيها قصد، الله يسهّل عليك عمّي) يقول النائب ويمشي باتجاه درجات بيته، فيسرع سالم إلى القول (جاهة بنتي يوم الجمعة وبدي سعادتك ترد على الجاهة).
 
يلتفت إليه (سعادته) بعد أن هدأت ملامح وجهه ويقول (يا رجل ليش ما حكيت من الأول، على كل حال أي ساعة الجاهة ومين بده يحكي فيها عن أهل العريس؟).
 
(الجاهة الساعة ستة مسا وبده يحكي فيها وزير الدولة) قال سالم.
 
(رغم إنّي مشغول يوم الجمعه لكن مشان خاطرك ومشان الوعد اللي وعدتك اياه ايام الانتخابات رح أحضر).
 
يعود سالم إلى بيته وهو يكاد يطير من الفرح لأنّ جاهة ابنته سيحضرها ويتحدث فيها كبار القوم، خاصةً أنّ (سعادته) وافق على الحضور والحديث. 
 
#وبعدين مع سالم


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد