لغتنا العالية وعاشقها الفريد - حسام السكرى

mainThumb

02-06-2019 12:50 AM

 شدني صوته المحبب وأداؤه العذب في برنامج "اللغة العالية"، وذكرني بأول مرة التقيت فيها مع الإعلامي الأستاذ والصديق عارف حجاوي، عندما كان رئيسا لقسم المنوعات في إذاعة بي بي سي العربية.

 
كان هذا بعد بضعة شهور من إغلاق تلفزيون بي بي سي العربي الأول الذي كنت أعمل به معدا ومذيعا (ربيع 1996). ذهبت وقتها إلى إذاعة بي بي سي التي لم يكن لها علاقة وقتها بالتليفزيون لأعرض فكرة برنامج "حكايات المقهى الإلكتروني" على رئيس الإذاعة وقتها جيمون مكليلان، فأحالني بدوره إلى عارف الذي طلب مني إعداد حلقة تجريبية.
 
عدت بالحلقة بعد أيام، فشكل عارف "لجنة استماع" من عدد من مذيعي ومعدي بي بي سي المرموقين تصادف وجودهم وقتها. لم يحبذ أيهم إذاعة البرنامج الذي كان يهدف إلى إعداد المستمعين العرب لما كنت أعتقد جازما أنه سيكون تطورا غير مسبوق في العالم. كان برنامجا عن شيء غير معروف وقتها على نطاق واسع، اسمه"الإنترنت". أسلوب تقديم البرنامج كان خارجا عن المعتاد. كنت أشرح أفكار التشبيك والتواصل وتخزين المعلومات، وأعرض التطور المتسارع لشبكة الإنترنت وما يجري فيها، من خلال حكايات طريفة يتخللها حس الدعابة.
 
كان لدى الرافضين، أي كل الحضور، أسبابهم. بعضهم رأى أن برامج التكنولوجيا يصعب تقديمها إذاعيا، وذكروا الباقين بتجربة إذاعية سابقة فاشلة لبرنامج تكنولوجي. ورأى آخرون أن الدعابة والتبسط، أخلا برصانة الإذاعة ووقارها المعروفين ولا يصلحان لتقديم برنامج ينبغي أن يكون جادا. أما أكثر المتسامحين فقال إن الحلقة لطيفة وطريفة، وهو ما سيصعب تكراره بالتأكيد في حلقات تالية!
 
انتهى الاجتماع وانصرف المشاركون فصافحت عارف وشكرته. هممت بالانصراف فسألني: إلى أين؟
أجبته بأنني فهمت أن الفكرة رفضت. ضحك وقال: "كان اجتماعا استشاريا. استمعت لآرائهم لكن القرار قراري. أعجبني البرنامج وسأعتبر هذه الحلقة الأولى"
 
قد حدد عارف ميعاد البث الأسبوعي، وأوقات الإعادة، وتوقيت التسجيل، وموعد تسليم الحلقات. وعندما أعددت الحلقة الثانية، استمع إليها ثم طلب تسليمها لمسؤول البث. فعلت الشيء نفسه مع الثالثة فسألني باستغراب: هل ستأتيني بالحلقات لأسمعها أولا؟ سلمها لمسؤول البث مباشرة.
 
نجح البرنامج وكان سبقا بين الإذاعات. حظي بثقة المستمعين الذين جادوا عليه بالرسائل، كما كان له حظ وافر في استضافة وتقديم نجوم الإنترنت الصاعدين من عرب وغيرهم.
 
في الشهور التالية، والتي سبقت انضمام عارف كمحاضر ومدرس للإعلام في جامعة بيرزيت، تعلمت منه الكثير خلافا لهذا الدروس الأولى في الثقة، والتفويض، واتخاذ القرار، واستشراف المستقبل، ولا مركزية الإدارة. وهي دروس وعيتها وتمنيت دوما أن أكون قد أفدت منها عندما صرت بعدها بسنوات رئيسا للقسم العربي بمختلف وسائطه من تلفزيون وإذاعة وإنترنت وخدمات رقمية. وعندما اقتربت من عارف أكثر اكتشفت أنني أمام عازف موهوب للعود، ومحب وجامع للتسجيلات الموسيقية النادرة، إضافة إلى باقي جوانب شخصيته الثرية كإعلامي متفرد، ومثقف موسوعي، وأكاديمي له تلاميذ ومريدين. أما عشقه للغة العربية فترجمه وأثبته في برنامجه الأخير "اللغة العالية".
 
برنامج جميل يقدمه عاشق للغة وجمالياتها ومعانيها، برشاقة وعذوبة تليق بها وبه كإعلامي فريد.
 
البرنامج إضافة تسد احتياجا ملحا، ويمكن أن يكون له دور كبير في نشر حب اللغة العربية بين شعوب تتزايد المسافة بينها وبين لسانها. وحبذا لو ضمت وزارات التعليم في العالم العربي بعض حلقاته إلى مناهج التدريس، ليعرضها ويناقشتها المدرسون في حصص اللغة العربية.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد