ناجي العلي .. أرسم لأصل فلسطين

mainThumb

20-10-2019 12:31 AM

عمان – السوسنة – هدى ابو هاشم - "لم يكن ناجي العلي قائداً سياسياً أو عسكرياً كصلاح الدين، لم يكون متوقعاً أن يقودنا في معركة ننتصر على أعدائنا ونحرر فلسطين، ولكن رسومه تعبر عني، تجعلني أكتشف مشاعري والأشياء التي تثقل علي وتؤلمني، والأشياء التي أرغب في تحقيقها رسوم ناجي تعرّفنا بأنفسنا، وعندما نعرف نستطيع، ربما لذلك اغتالوه"
 
 
هكذا وصفت رضوى عاشور ناجي العلي ورسوماته في طنطوريتها، ناجي الرسام الفلسطيني الذي وُلد في قرية الشجرة الواقعة بين طبريا والناصرة، وبعد احتلال إسرائيل لفلسطين هاجر مع أهله عام 1948 إلى جنوب لبنان وعاش في مخيم عين الحلوة، اعتقلته القوات الإسرائيلية ومن بعدها الجيش اللبناني، فقضى غالبية وقته داخل الزنزانة  يلون ورسم على جدرانها، وعندما أُرج عنه رحل إلى طرابلس ونال فيها شهادة ميكانيكا السيارات، ليستقر بعدها أُسرياً مع زوجته وداد نصر التي أنجب منها أربعة أولاد وهم أسامة وخالد وليال وجودي، ابنه خالد أعاد إنتاج رسومات أبيه في عدة كتب جمعها من مصادر عديدة، وتُرجم العديد منها إلى الفرنسية والإنجليزية
 
 
عمل ناجي محرراً ورساماً ومخرجاً صحفياً في الطليعة، والسياسة، والقبس الكويتية، والسفير اللبنانية، ويُعتبر من أبرز الفنانين الفلسطينيين الذين عملوا على قيادة التغيير السياسي باستخدام الفن، حيث يُقدر عدد رسوماته الكاريكاتورية إلى أربعون ألف رسم  
 
 
كان الشهيد الصحفي والأديب الفلسطيني غسان كنفاني أول من اكتشف نبوغ ناجي العلي وإبداعه، عندما رأى ثلاثة أعمال لناجي أثناء زيارة له لمخيم عين الحلوة، فساهم كنفاني في نشر أول رسومات ناجي في مجلة "الحرية" عام  25 أيلول 1961، والتي صوّرت خيمة لاجئ تعلو قمتها يد تلوّح 
 
وفي عام 1969 ظهر "حنظلة" للمرة الأولى، الرمز الشهير لناجي والذي أصبح بمثابة توقيع له على رسومه الكاريكاتيرية. وبعد عام 1973 كتّف العلي يديّ حنظلة إلى الخلف في دلالة على رفضه كل الحلول المقترحة للقضية الفلسطينية ومشاريع التسوية الأميركية مع الاحتلال الإسرائيلي.
 
 
 
"حنظلة وفّـى لفلسطين" ناجي العلي 
 
بحسب ناجي العلي: "ولد حنظلة في العاشرة من عمره وسيظل دائماً في العاشرة. ففي تلك السن غادر فلسطين وحين يعود إليها سيكون في العاشرة أيضاً ثم يبدأ في الكبر. فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء، كما هو فقدان الوطن استثناء"
 
روت زوجة العلي، وداد نصر في حوارٍ لها على قناة (DW) أن "حنظلة" ولد عام 1969 في الكويت، وأن ردة فعلها الأولى عندما رأته -قبل أن تسمتع إلى ما وراء الشخصية-  كانت أنها ضحكت، 
 
 
وأدركت ما يحمله حنظلة أكثر عندما نوى العلي اعتماده كتوقيع له على جميع رسومه اللاحقة، رغبة منه حتى لا ينسى أصله بعد انتقاله إلى الكويت، وليُذكر نفسه دائماً بأنه" ابن المخيم، الحافي، الفقير الذي لن يهدئ حتى يعود إلى وطنه المحتل"
 "بحس حنظلة هو أنا"  ناجي العلي 
 
وعندما سُئل ناجي العلي عن موعد رؤية وجه حنظلة أجاب: عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته.
 
 
أما عن الشخصيات الأخرى التي رافقت "حنظلة" وشاركته في رسومات ناجي، يقول رسام الكاريكاتير السوري علي فرزات بأنها كانت فئات اجتماعية لها انتماء سياسي ووطني، وله معانٍ كبيرة أرادها ناجي أن تظهر، فالمرأة الفلسطينية التي لا تهادن حملتها "فاطمة" بعكس شخصية زوجها الذي ينكسر ويُهزم لهمومه أحياناً
وشخصية السمين مثلت القيادات الفلسطينية والعربية، أما شخصية الجندي الإسرائيلي تميزت بالأنف الطويل، والذي كان غالباً ما يكون مرتبكاً أمام حجارة الأطفال وشديد القسوة والخبث أمام القيادات 
 
“اللي بدو يكتب لفلسطين، واللي بدو يرسم لفلسطين، بدو يعرف حاله: ميت” ناجي العلي
 
أما في انتماء ناجي السياسي والوطني، فكان خير ممثل عن نفسه حين قال "أنـا متهم بالانحياز، وتلك تهمةٌ لا أنفيها. أنـا منحاز لمن هم "تحت". لمن هم ضحايا التكذيب، وأطنان التضليلات وصنوف القهر والنهب وأحجار السجون والمعتقلات"
 
ولأجل ذلك كانت التهديدات كثيراً ما تصله لتذكره على الدوام بأنه مراقب، أكثر التهديدات كانت من نصيب منظمة التحرير الفلسطينية، في هذا الشأن قالت وداد نصر"لم يكن ينتمي ناجي إلى أي جهة، ولا أي تنظيم" هذا ما أكدته وداد، لافتة إلى أنه لو كان منتمياً لأي جهة لما أُغتيل، بل وجد من يحمي ظهره."
 
وتابعت إنها كانت تقوم بتشغيل سيارته قبل نزوله من البيت، لتحميه من أي "تفخيخات" محتملة، وحين اكتشف الأمر قال "أنا ولا أنتِ، لأن وجودك لأولادنا أفضل من وجودي!"
 
في حين قال شقيقه جوهر العلي أن ناجي كان على خلاف شديد جداً مع السلطة وقرارهم بما يخص القضية الفلسطينية، أكثرهم منظمة التحرير الفلسطينية متمثلة برئيسها ياسر عرفات آنذاك، مشيراً إلى عدة محاولات لردع ناجي عن الانتقاد،  وانضمامه إلى المنظمة، لكن المحاولات كلها قوبلت بالرفض التام 
 
 
 اغتيل ناجي في لندن بتاريخ 22 يوليو عام 1987م بمسدس كاتم الصوت، أمام مبنى صحيفة القبس الدولة التي كان يعمل بها، وكان يومذاك يحمل مغلفاً فيه بعض رسومه، أحدها جسد دام مغطى بالكوفية الفلسطينية مع عبارة "لا لكاتم الصوت".
 
دخل في غيبوبة استمرت حوالي شهر حتى وافته المنية في 29 اغسطس 1987، ورغم رغبته في أن يدفن بمخيم عين الحلوة بجانب والده، إلا أن قبره استقر في لندن لصعوبة تلبية رغبته
 
عملية اغتيال ناجي فما زال الغموض يكتنفها، من جهة  يُتهم الموساد الإسرائيلي بشكل مباشر، لما كان لرسوماته تأثير على الكيان الإسرائيلي، ومن جهة أخرى تُتهم منظمة التحرير باعتبار أن رسومات ناجي تمس قياداتها بشكل مباشر 
 
“للكلمة و الخط المرسوم وقع أقوى من طلقات الرصاص” ناجي العلي
 
خالد أبو خالد، الكاتب والصحفي الفلسطيني يصف ناجي "شخصية لطيف جداً، متوترة دايماً، متواضع، فقير، لا يحلم بأكثر من رغيف الخبز، لم يستخدم فن الكاريكاتير لكي يثرى"، ويرى خالد أن هناك أشخاص معنيين متهمين في قتل ناجي، ودفنه في ضباب لندن، وحتى تفجير تمثاله في مخيم عين الحلوة بعد نصبه بعدة أيام فقط
 
صديق العلي، فواز عابدين، قال "الذي سيأخذ ثأر ناجي أننا ما زلنا نتحدث عنه، وأننا نكتب عنه، ونعدّ أفلام عنه، ولوحاته تعبر عنه، وحنظلة سيظل يطاردهم، وأنه استشهد استشهاداً يليق بصاحب مبدأ"
 
وعن فنه الكاريكاتيري وقضيته الصامدة عبّر الكاتب والروائي عبد الرحمن منيف "أن ناجي العلي شكل مدرسة خاصة في الكاريكاتير العربي، وحتى العالمي، وأصبح له تأثير مميز بحيث كون إضافة نوعية لهذا الفن. ومما يدعو الى التأمل والاعتزاز أن رسومه رغم مرور السنين لا تزال راهنة، وربما أكثر راهنة من الوقت الذي رسمت فيه وهذا يدل على شيئين: ان الوضع العربي والقضايا التي تصدى لها العلي لا تزال هي ذاتها، والشيء الآخر أن الفن الحقيقي والصادق له القدرة على التحدي والحياة والاستمرار."
 
 
“هكذا أفهم الصراع: أن نصلب قاماتنا كالرماح ولا نتعب” ناجي العلي
 
نال العلي في حياته تكريماً بإقامة معارض عديدة في بيروت ودمشق وعمان والكويت وواشنطن ولندن، إضافة إلى حصوله على الجائزة الأولى في معرض الكاريكاتير العربي بدمشق (المعرض الأول والثاني) عام 1979 و1980م
و في عام 1988 كان أول عربي يحصل على جائزة “قلم الحرية الذهبي” من قبل الاتحاد الدولي لناشري الصحف في باريس
 
كما اختارته صحيفة “أساهي” اليابانية كواحد من بين أشهر عشرة رسامين للكاريكاتير في العالم.
 
استمر التكريم حتى بعد وفاته، فقد أقيم مركز ثقافي في بيروت أطلق عليه “مركز ناجي العلي الثقافي”، وحمل اسم ناجي العلي اسم مسابقة أقامتها جريدة السفير
 
خلدت السينما العربية قصة ناجي العلي في فيلم حمل اسمه عام 1991، وأدى شخصيته الممثل المصري الراحل نور الشريف، وأخرجه عاطف الطيب، وشارك في بطولته ممثلون من سوريا ولبنان.
 
رحل ناجي العلي، لكن صوته الذي صدح لأكثر من ربع قرن في سبيل عدالة قضية فلسطين و حريتها لم يمت، وأصبحت رسوماته السياسية أرشيف للنكبات والنكسات والنضال ضد احتلال وفساد، في جميع الأقطار العربية لا فلسطين وحدها  .
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد