كل الحلوين (ثورجية) - مريم مشتاوي

mainThumb

31-10-2019 12:18 AM

 إنها انتفاضة شعبية.. أو عرس وطني.. لا فرق.. سموها كما شئتم.. كل منطقة من مناطق لبنان لها حصة فيها.

كل اللبنانيين نزلوا إلى الشوارع مطالبين بحقوقهم، كل حسب ظروفه وإمكانياته. ولكن الجامع بينهم هو حب الوطن والإصرار على العيش الكريم بعد أن امتهن السياسيون إذلالهم لعقود طويلة وبنوا لهم أحلاماً وهمية كلها ذهبت في مهب الريح.
طرابلس، التي أهملها المسؤولون، على الرغم من أهميتها التاريخية والحضارية والجمالية، صنعت مشهداً لن ينساه اللبنانيون لأمد طويل. فيديوهات كثيرة بثتها القنوات اللبنانية والعربية والعالمية، وتنقلت بسرعة البرق بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
لقد أسقطت المدينة الساحرة، النائمة على ذراع البحر السماء بنجومها عند هبوط الليل. فتمايل الآلاف على أنغام وطنية حاملين مشاعل وكأنها نجوم غافلت الظلام وهبطت لتضيء قصة مجد لبنان وعزة أبنائه.
اللبنانيون تعبوا من احتكارهم تحت راية الطائفية وتعبوا من أن يكونوا حاشية لزعيم وتابعين لظله، الذي لا يزيد الوطن إلا سواداً.
لم يكن الحراك اللافت أسير الليل وحده، ولكن النهار شهد أيضاً يوم الأحد الماضي سلسلة بشرية متماسكة امتدت من طرابلس حتى صور عابرة كل المناطق اللبنانية.
وكان لنساء الوطن كما لشبابه دور لا يستهان به في إشعال الثورة ودعمها على الأراضي اللبنانية وخارجها أيضاً…
ولكن مرض الذكورية المقيتة لبعض السطحيين ومحاولات الطابور الخامس الفاشلة كلها ركزت على شكل النساء اللبنانيات وجمالهن لتسخيف الثورة بدل التركيز على أفعال المناضلات الواقفات في الساحات كتفاً إلى كتف بجانب الرجال.
هكذا جاءت عناوين بعض الصحف العربية مسيئة بحق الثورة اللبنانية.
فعلى سبيل المثال وليس الحصر كان عنوان صحيفة “عكاظ” التابعة للديوان الملكي السعودي “حسناوات لبنان.. كل الحلوين (ثورجية)”!
وتداول بعض الإعلام العربي وكثيرون من رواد التواصل الاجتماعي صورا للبنات اللبنانيات الجميلات معلقين عليها بـ”ثورة اكستنشن” و”ثورة الحسناوات”، وانتشرت بعض النكات على الـ”سوشيل ميديا” تدور بمجملها حول شكل البنات ولباسهن.
وكأن الجمال يناقض الشموخ والعزة والكرامة ويتنافى مع الثورة وكأن اللباس هو ما يحدد شجاعة البشر ومواقفهم!
كثيرون أرادوا تشويه الثورة والاصطياد في الماء العكر فبدل أن يكتبوا عن تلك الفتاة التي سمتها قناة “أم تي في” اللبنانية بحارسة الجسر وهي نائمة لتحرس أحلام الوطن بمستقبل أفضل، وعن اللبنانية ندين أبو مطر، التي اختارت أن تتضامن مع شعبها فقفزت من الطائرة محلقة في الجو كحمامة سلام، وهي ترفع العلم اللبناني، أو تلك البطلة الشابة، التي جلست على الأرض تعطي الدروس للشبان والشابات على الهامش مظاهرات.
لقد اختاروا أن يكتبوا عن الراقصة، التي اقتحمت المظاهرات بهدف التشويش على الثورة، وتجاهلوا أبطالاً كثيرين صنعوا المشهد، نساء ورجالا.
كيف ننسى الشاب محمد، الذي كان ينظف ساحة التظاهر برجل واحدة من دون ملل أو تعب. حاورته الإعلامية الرائعة ديمة صادق من قلب الحدث في طرابلس طالبة من الجموع الجالسة حولها أن تقف له احتراماً!
لقد اضطر محمد ، ولسنوات طويلة، أن يعمل في الوقت نفسه في وظيفتين مختلفتين لمدة 18 ساعة متواصلة في اليوم الواحد، وهو يسند نفسه على رجله اليتيمة ليعيل أسرة من 4 بنات.
ومن يسمع قصة جنى جمال، الشابة الطرابلسية الشجاعة التي رفعت صوتها عالياً بفعل الحرقة المحتقنة منذ زمن، لازداد إصراراً على التمسك بإسقاط الحكومة والتخلص من الفساد والفاسدين.
قالت والدم يكاد ينفر من وجنتيها من شدة الأسى:
” كلن يعني كلن.. وعم احكي من حرقة قلب ووجع. صار لي سنتين موجوعة وما حدا سمعني ولازم صوتنا يوصل.. فقدت أمي يوم الانتخابات.. كانت رئيسة قلم.. وتوفت على صندوقها هي وعم تشتغل منتدبة عند وزارة الداخلية.. أصيبت بذبحة قلبية، لأنهم فرضوا عليها تنتخب ناخبين مش واردة أسماؤهم بالقوائم الانتخابية.. رفضت.. مارسوا عليها الضغط غصب عنها.. ما قبلت.. طلع الضغط معها.. انتقلت الى مستشفى حكومي ما بحطوا فيه كلاب.. ناشدتهم تلات أيام وأمي عم تموت.. ما حدا سمعنا.. ما ظل نائب ما اتصلت فيه من 8 و 14 آذار بس ما حدا رد.. كل ما قلن بدي انقل أمي . كانوا يردوا: ما فيك لازم تأمني غطاء سياسي. راحت الماما وتركتنا.. البابا متوفي.. بس تخرجنا من أهم جامعات.. بعنا الأرض لنتعلم.. رحنا لنتوظف صار يسألوني لمين تابعة؟”.
انتفاضة لبنان هي انتفاضة الموجوعين الفقراء والمهمشين والمهاجرين. انتفاضة وطن ينزف. وليست فرجة أجساد عارية وحلاوة نساء!
لقد لخصها رجل عجوز بدموعه وهو يمشي في المظاهرات قائلاً: “موجوع. والله العظيم موجوع. بطني خارطة.. وظهري خارطة.. موجوع. شو بدي قول للرؤساء التلاتة: في رب. لو بتعتبروني والدكم كنت دخلتوني مستشفى.. أو على شي مأوى.. إنتوا كبار.. الله وأكبر عليكم”.
شعرنا ونحن ننظر إليه وكأن لبنان يتلوى ألماً. وقد احدودب ظهره بعد أن نهبوه وسرقوه ودمروا اقتصاده.
لبنان سيرجع بإصرار أبنائه. سيعود شامخاً أبياً وسينفض عنه غبار الطائفية الكريهة والفساد.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد