بداية أود التأكيد على وقوف الأردن دائمًا إلى جانب الشّعب الفلسطينيّ في مقارعة الاحتلال الظالم بالوسائل المتاحة كافة؛ حتى نيل حريته وإعلان دولته المستقلة على تراب فلسطين الطاهرة، وهذا لا يختلف عليه اثنان عاقلان ينتميان للأمة العربية والإسلامية، والقضية الفلسطينيّة هي بوصلتنا وأولوية أردنية رسميّة وشعبيّة.
وكما هي فلسطين في القلب، فالأردن القلب والوطن الذي لم يتوانِ ولن يتوانى ولو لحظةً واحدة عن القيام بدوره النابع من وحدة الدم تجاه الأهل في فلسطين، منذ عهد الاستعمار إلى الساعة وقيام الساعة، ولا نريد أن نستعرض ما قدمه ويقدمه الأردن، فهذا واجب وطنيٌ نابع من العمق العربي والإسلامي ووحدة الدم، وليس منة، فالأردني تقاسم رغيف الخبز مع أخيه الفلسطيني منذ سنواتِ 1948 و1967 و1991 وإلى اللحظة، وهو مستمر في الثبات على هذا الموقف، ولن يزعزعه أيّ محاولةٍ من هنا أو هناك لضرب هذا النسيج الأخوي.
الأردن الذي عاني وما زال يعاني من أزمات المنطقة وتبعاتها المأساوية، ابتداءً من مأساة الشّعب الفلسطينيّ، إلى احتلال العراق وتبعاته، والحرب الأهليّة السورية التي خلفت أكثر من مليون قتيل، و15 مليون إنسان شردوا في أصقاع الدنيا في غضون 10 سنوات فاضت بدماء الأبرياء، هذا المشهد الدموي الذي عاشته المنطقة وتعيشه اليوم في غزة، لا يرضي كلّ من لديه ذرة إنسانية، ويفجر الغضب في كل إنسان حر على ما يتعرض له الأبرياء في غزة من إبادة جماعية في ظل صمت عالمي مريب ودعم أميركي ظالم للكيان الصهيونيّ الذي قتل عشرات آلاف الأبرياء بقنابل أميركية في غضون أشهر قليلة.
والشارع الأردني، كبقية الشعوب الحرّة سواءً العربية أو العالمية، خرج إلى الشوارع من اليوم الأول للعدوان الصهيوني على قطاع غزة، وبشكل منتظم دون كلل أو ملل، وقد انسجمت هذه المسيرات والاحتجاجات مع الموقفِ الرسمي في صورة وحدت الخطاب الأردني في مواجهة هذا العدوان البربري غير المسبوق في التاريخ. ولغاية تلكَ اللحظة كان حراك الشارع الأردنيّ رائعًا ومنسجمًا مع القانون والحريات العامة ومواقف الدولة، لكن ما الذي يحدث اليوم في منطقة «الرابية»؟ ولماذا اشتد الخطاب «الهُتافي» في هذه الاحتجاجات؟، ولماذا تعدت وتحدت الثوابت ?لأردنية، ووصلت الى حد توجيه اتهامات الخيانة للدولة الأردنية، والدعوة إلى فتح الحدود وإعلان الحرب؟
لنخرج قليلًا من خارطة الأردن، وننظر بعين المُدقق على خارطة المنطقة، وما حلّ بها خلال السنوات القليلة الماضية، سنرى فعليًا تغيرات ديمغرافيّة وعقديّة وعسكريّة جميعها لا تصبُّ في مصلحة الأردن، بل وضعت الوطن في خطر شديد، أعتقد لم يمر بها الأردن منذ عهد التأسيس.
في مطلع القرن الحالي أطلقَ جلالة الملك عبدالله الثاني تحذيرًا استغربه الكثيرون، من تشكل هلال شيعيّ في المنطقة، يمتد من إيران إلى العراق وسوريا ولبنان، وعندما نتمحص في الخريطة سنشاهد هذا «الهلال» بكلّ وضوح، فبعد احتلال العراق وقتل رجاله في الشّوارع والمساجد واغتصاب النساء وتعذيبهن، دون أن يُصدر المرجعيّة الشيعية «السيستانيّ» فتوى بإطلاق رصاصة واحدة ضدّ المحتل الأميركيّ، في خدمة واضحة وكبيرة لمشروع الاحتلال بقصد تحقيق التشيُّع والتغيير الديمغرافيّ في المدن الرئيسية خاصة بغداد، وصولًا إلى سوريا التي غيرت المجازر ديمغرافيّتها، فيما تنتشر ميليشيات الحرس الثوريّ الايرانيّ جنوبَها، وتنشُرُ التشيّع تحت تهديد القتل أو التسليم للجيش السوريّ.
وفي لبنان، معروف للجميع الذي تصدر المشهد بكلّ قوة حزب الله لما يملكه من ميليشيات مدربة وأسلحة إيرانية، تستطيع أن تسيطر على الدولة اللبنانيّة خلال ساعات، فيما صمتت المقاومة والممانعة إلى اليوم على ما يتعرض له الشعب الفلسطينيّ من جرائم إبادة في غزة، واكتفى «السيد» حسن بخطة «مشاغلة العدو» وكأنها لعبة القط والفأر.
إذن، الأردن يواجه اليوم خطر الميليشات «الشيعية» في الجنوب السوريّ، وعلى حدود العراق التي تطالب بفتح الحدود لتحرير فلسطين، وما يشهده الأردن بين فينة وأخرى من إطلاق طائرات مُسيرة محملة بالمتفجرات بدأت تزداد وتيرتها في الفترة الأخيرة ما أقلق الناس والدّولة.
وعلى صعيدٍ آخر، فإنّ ضغط العدوان الوحشيّ على قطاع غزة وخطر التهجير، وضع الدولة الأردنية أمام مسؤولياتها التاريخيّة في التصدي لهذا العداون سياسيًا ودبلوماسيًا وإنسانيًا، وهذا واضح ومعلن للجميع ابتداءً من جولات جلالة الملك إلى عواصم القرار، وعمليات الإغاثة الجوية التي بدأها الأردن والتي ازدادت وتيرتها في الشهر الفضيل، وهو ما عجزت عنه دول كثيرة.
نعود للداخل الأردنيّ، فبعد أنْ تمعنا بالمشهد المحيط بنا، والأخطار المحدقة بالوطن، يخرج المتظاهرون في «الرابية» بحشودٍ، (لا نعارضُها طبعًا ما دامت سلمية وموجهة ضد العدوان الصهيونيّ)، هتفت بهتافاتٍ تجاوزت الثوابت الأردنيّة، واتهمت الوطن ورموزه بالخيانة، ودعواتٍ للجيش العربي بفتح الحدود وإعلان الحرب على «إسرائيل».
لماذا لم يستمرَّ المحتجون بمسيراتهم واحتجاجاتهم كما بدأت، لماذا انحرفَ «الهُتاف» عن مساره الطبيعي والمتفق والقانون، وطال رموز الدولة والأمن والجيش، وأطلق سهام التخوين؟، ماذا يريدون في ظل هذا الوضع الخطير الذي يمرُّ به الوطن؟، ألا ينظرون إلى المشهد العام في الإقليم، أم المطلوب دمج الأردن في هذه الفوضى، لتستغلها «اسرائيل» والميلشيات المسلحة في الجنوب السوريّ، وتنفِّذَ مخطط تهجير سكان الضفة الغربية إلى الاردن الذي تحلم به حكومة التطرف الصهيونيّة.
إن ما يحدث اليوم في «الرابية»، وإن كان ظاهره «نصرة لفلسطين» إلا أنها في الواقع تزيد من المخاطر التي تحيط بالأردن من كلِّ حدبٍ وصوب، فالوطن اليوم بحاجة إلى الوحدة والتلاحم، والوقوف مع الجيش والأمن في حفظ البلد، وصدِّ كل مخططات المتربصين بهذا الوطن.
وهذا يوجب وقف «الهتافات» المسيئة للوطن ورموزه ومحاسبة مطلقيها، مع توفير كل وسائل الحماية لهذه الوقفات، من أيّ عبث أو استغلال من أي طرف، وعلى جميع الأردنيين، أن ينتبهوا إلى أنّ وقفات «الرابية» ليست مظاهراتِ «ربيع عربي»، بل هي دعوات تهدد مستقبل الوطن والنسيج الاجتماعيّ، وأعتقد ربما تصل إلى حدّ الفتنة وإثارة الاضطرابات إنْ انحرفت أكثر عن أهدافها المعلنة في دعم غزة؛ فالمشهدُ العام لا يحتمل العبث أكثر من ذلك، وعلى العقلاء ألا يحولوا الأردن إلى بيئة خصبة للمتربصين على الحدود، وتنفيذ مخطط التهجير و«العاقل يفهم».. حمى الله الوطن من كل عابث...
بداية أود التأكيد على وقوف الأردن دائمًا إلى جانب الشّعب الفلسطينيّ في مقارعة الاحتلال الظالم بالوسائل المتاحة كافة؛ حتى نيل حريته وإعلان دولته المستقلة على تراب فلسطين الطاهرة، وهذا لا يختلف عليه اثنان عاقلان ينتميان للأمة العربية والإسلامية، والقضية الفلسطينيّة هي بوصلتنا وأولوية أردنية رسميّة وشعبيّة.
وكما هي فلسطين في القلب، فالأردن القلب والوطن الذي لم يتوانِ ولن يتوانى ولو لحظةً واحدة عن القيام بدوره النابع من وحدة الدم تجاه الأهل في فلسطين، منذ عهد الاستعمار إلى الساعة وقيام الساعة، ولا نريد أن نستعرض ما قدمه ويقدمه الأردن، فهذا واجب وطنيٌ نابع من العمق العربي والإسلامي ووحدة الدم، وليس منة، فالأردني تقاسم رغيف الخبز مع أخيه الفلسطيني منذ سنواتِ 1948 و1967 و1991 وإلى اللحظة، وهو مستمر في الثبات على هذا الموقف، ولن يزعزعه أيّ محاولةٍ من هنا أو هناك لضرب هذا النسيج الأخوي.
الأردن الذي عاني وما زال يعاني من أزمات المنطقة وتبعاتها المأساوية، ابتداءً من مأساة الشّعب الفلسطينيّ، إلى احتلال العراق وتبعاته، والحرب الأهليّة السورية التي خلفت أكثر من مليون قتيل، و15 مليون إنسان شردوا في أصقاع الدنيا في غضون 10 سنوات فاضت بدماء الأبرياء، هذا المشهد الدموي الذي عاشته المنطقة وتعيشه اليوم في غزة، لا يرضي كلّ من لديه ذرة إنسانية، ويفجر الغضب في كل إنسان حر على ما يتعرض له الأبرياء في غزة من إبادة جماعية في ظل صمت عالمي مريب ودعم أميركي ظالم للكيان الصهيونيّ الذي قتل عشرات آلاف الأبرياء بقنابل أميركية في غضون أشهر قليلة.
والشارع الأردني، كبقية الشعوب الحرّة سواءً العربية أو العالمية، خرج إلى الشوارع من اليوم الأول للعدوان الصهيوني على قطاع غزة، وبشكل منتظم دون كلل أو ملل، وقد انسجمت هذه المسيرات والاحتجاجات مع الموقفِ الرسمي في صورة وحدت الخطاب الأردني في مواجهة هذا العدوان البربري غير المسبوق في التاريخ. ولغاية تلكَ اللحظة كان حراك الشارع الأردنيّ رائعًا ومنسجمًا مع القانون والحريات العامة ومواقف الدولة، لكن ما الذي يحدث اليوم في منطقة «الرابية»؟ ولماذا اشتد الخطاب «الهُتافي» في هذه الاحتجاجات؟، ولماذا تعدت وتحدت الثوابت ?لأردنية، ووصلت الى حد توجيه اتهامات الخيانة للدولة الأردنية، والدعوة إلى فتح الحدود وإعلان الحرب؟
لنخرج قليلًا من خارطة الأردن، وننظر بعين المُدقق على خارطة المنطقة، وما حلّ بها خلال السنوات القليلة الماضية، سنرى فعليًا تغيرات ديمغرافيّة وعقديّة وعسكريّة جميعها لا تصبُّ في مصلحة الأردن، بل وضعت الوطن في خطر شديد، أعتقد لم يمر بها الأردن منذ عهد التأسيس.
في مطلع القرن الحالي أطلقَ جلالة الملك عبدالله الثاني تحذيرًا استغربه الكثيرون، من تشكل هلال شيعيّ في المنطقة، يمتد من إيران إلى العراق وسوريا ولبنان، وعندما نتمحص في الخريطة سنشاهد هذا «الهلال» بكلّ وضوح، فبعد احتلال العراق وقتل رجاله في الشّوارع والمساجد واغتصاب النساء وتعذيبهن، دون أن يُصدر المرجعيّة الشيعية «السيستانيّ» فتوى بإطلاق رصاصة واحدة ضدّ المحتل الأميركيّ، في خدمة واضحة وكبيرة لمشروع الاحتلال بقصد تحقيق التشيُّع والتغيير الديمغرافيّ في المدن الرئيسية خاصة بغداد، وصولًا إلى سوريا التي غيرت المجازر ديمغرافيّتها، فيما تنتشر ميليشيات الحرس الثوريّ الايرانيّ جنوبَها، وتنشُرُ التشيّع تحت تهديد القتل أو التسليم للجيش السوريّ.
وفي لبنان، معروف للجميع الذي تصدر المشهد بكلّ قوة حزب الله لما يملكه من ميليشيات مدربة وأسلحة إيرانية، تستطيع أن تسيطر على الدولة اللبنانيّة خلال ساعات، فيما صمتت المقاومة والممانعة إلى اليوم على ما يتعرض له الشعب الفلسطينيّ من جرائم إبادة في غزة، واكتفى «السيد» حسن بخطة «مشاغلة العدو» وكأنها لعبة القط والفأر.
إذن، الأردن يواجه اليوم خطر الميليشات «الشيعية» في الجنوب السوريّ، وعلى حدود العراق التي تطالب بفتح الحدود لتحرير فلسطين، وما يشهده الأردن بين فينة وأخرى من إطلاق طائرات مُسيرة محملة بالمتفجرات بدأت تزداد وتيرتها في الفترة الأخيرة ما أقلق الناس والدّولة.
وعلى صعيدٍ آخر، فإنّ ضغط العدوان الوحشيّ على قطاع غزة وخطر التهجير، وضع الدولة الأردنية أمام مسؤولياتها التاريخيّة في التصدي لهذا العداون سياسيًا ودبلوماسيًا وإنسانيًا، وهذا واضح ومعلن للجميع ابتداءً من جولات جلالة الملك إلى عواصم القرار، وعمليات الإغاثة الجوية التي بدأها الأردن والتي ازدادت وتيرتها في الشهر الفضيل، وهو ما عجزت عنه دول كثيرة.
نعود للداخل الأردنيّ، فبعد أنْ تمعنا بالمشهد المحيط بنا، والأخطار المحدقة بالوطن، يخرج المتظاهرون في «الرابية» بحشودٍ، (لا نعارضُها طبعًا ما دامت سلمية وموجهة ضد العدوان الصهيونيّ)، هتفت بهتافاتٍ تجاوزت الثوابت الأردنيّة، واتهمت الوطن ورموزه بالخيانة، ودعواتٍ للجيش العربي بفتح الحدود وإعلان الحرب على «إسرائيل».
لماذا لم يستمرَّ المحتجون بمسيراتهم واحتجاجاتهم كما بدأت، لماذا انحرفَ «الهُتاف» عن مساره الطبيعي والمتفق والقانون، وطال رموز الدولة والأمن والجيش، وأطلق سهام التخوين؟، ماذا يريدون في ظل هذا الوضع الخطير الذي يمرُّ به الوطن؟، ألا ينظرون إلى المشهد العام في الإقليم، أم المطلوب دمج الأردن في هذه الفوضى، لتستغلها «اسرائيل» والميلشيات المسلحة في الجنوب السوريّ، وتنفِّذَ مخطط تهجير سكان الضفة الغربية إلى الاردن الذي تحلم به حكومة التطرف الصهيونيّة.
إن ما يحدث اليوم في «الرابية»، وإن كان ظاهره «نصرة لفلسطين» إلا أنها في الواقع تزيد من المخاطر التي تحيط بالأردن من كلِّ حدبٍ وصوب، فالوطن اليوم بحاجة إلى الوحدة والتلاحم، والوقوف مع الجيش والأمن في حفظ البلد، وصدِّ كل مخططات المتربصين بهذا الوطن.
وهذا يوجب وقف «الهتافات» المسيئة للوطن ورموزه ومحاسبة مطلقيها، مع توفير كل وسائل الحماية لهذه الوقفات، من أيّ عبث أو استغلال من أي طرف، وعلى جميع الأردنيين، أن ينتبهوا إلى أنّ وقفات «الرابية» ليست مظاهراتِ «ربيع عربي»، بل هي دعوات تهدد مستقبل الوطن والنسيج الاجتماعيّ، وأعتقد ربما تصل إلى حدّ الفتنة وإثارة الاضطرابات إنْ انحرفت أكثر عن أهدافها المعلنة في دعم غزة؛ فالمشهدُ العام لا يحتمل العبث أكثر من ذلك، وعلى العقلاء ألا يحولوا الأردن إلى بيئة خصبة للمتربصين على الحدود، وتنفيذ مخطط التهجير و«العاقل يفهم».. حمى الله الوطن من كل عابث...
بداية أود التأكيد على وقوف الأردن دائمًا إلى جانب الشّعب الفلسطينيّ في مقارعة الاحتلال الظالم بالوسائل المتاحة كافة؛ حتى نيل حريته وإعلان دولته المستقلة على تراب فلسطين الطاهرة، وهذا لا يختلف عليه اثنان عاقلان ينتميان للأمة العربية والإسلامية، والقضية الفلسطينيّة هي بوصلتنا وأولوية أردنية رسميّة وشعبيّة.
وكما هي فلسطين في القلب، فالأردن القلب والوطن الذي لم يتوانِ ولن يتوانى ولو لحظةً واحدة عن القيام بدوره النابع من وحدة الدم تجاه الأهل في فلسطين، منذ عهد الاستعمار إلى الساعة وقيام الساعة، ولا نريد أن نستعرض ما قدمه ويقدمه الأردن، فهذا واجب وطنيٌ نابع من العمق العربي والإسلامي ووحدة الدم، وليس منة، فالأردني تقاسم رغيف الخبز مع أخيه الفلسطيني منذ سنواتِ 1948 و1967 و1991 وإلى اللحظة، وهو مستمر في الثبات على هذا الموقف، ولن يزعزعه أيّ محاولةٍ من هنا أو هناك لضرب هذا النسيج الأخوي.
الأردن الذي عاني وما زال يعاني من أزمات المنطقة وتبعاتها المأساوية، ابتداءً من مأساة الشّعب الفلسطينيّ، إلى احتلال العراق وتبعاته، والحرب الأهليّة السورية التي خلفت أكثر من مليون قتيل، و15 مليون إنسان شردوا في أصقاع الدنيا في غضون 10 سنوات فاضت بدماء الأبرياء، هذا المشهد الدموي الذي عاشته المنطقة وتعيشه اليوم في غزة، لا يرضي كلّ من لديه ذرة إنسانية، ويفجر الغضب في كل إنسان حر على ما يتعرض له الأبرياء في غزة من إبادة جماعية في ظل صمت عالمي مريب ودعم أميركي ظالم للكيان الصهيونيّ الذي قتل عشرات آلاف الأبرياء بقنابل أميركية في غضون أشهر قليلة.
والشارع الأردني، كبقية الشعوب الحرّة سواءً العربية أو العالمية، خرج إلى الشوارع من اليوم الأول للعدوان الصهيوني على قطاع غزة، وبشكل منتظم دون كلل أو ملل، وقد انسجمت هذه المسيرات والاحتجاجات مع الموقفِ الرسمي في صورة وحدت الخطاب الأردني في مواجهة هذا العدوان البربري غير المسبوق في التاريخ. ولغاية تلكَ اللحظة كان حراك الشارع الأردنيّ رائعًا ومنسجمًا مع القانون والحريات العامة ومواقف الدولة، لكن ما الذي يحدث اليوم في منطقة «الرابية»؟ ولماذا اشتد الخطاب «الهُتافي» في هذه الاحتجاجات؟، ولماذا تعدت وتحدت الثوابت ?لأردنية، ووصلت الى حد توجيه اتهامات الخيانة للدولة الأردنية، والدعوة إلى فتح الحدود وإعلان الحرب؟
لنخرج قليلًا من خارطة الأردن، وننظر بعين المُدقق على خارطة المنطقة، وما حلّ بها خلال السنوات القليلة الماضية، سنرى فعليًا تغيرات ديمغرافيّة وعقديّة وعسكريّة جميعها لا تصبُّ في مصلحة الأردن، بل وضعت الوطن في خطر شديد، أعتقد لم يمر بها الأردن منذ عهد التأسيس.
في مطلع القرن الحالي أطلقَ جلالة الملك عبدالله الثاني تحذيرًا استغربه الكثيرون، من تشكل هلال شيعيّ في المنطقة، يمتد من إيران إلى العراق وسوريا ولبنان، وعندما نتمحص في الخريطة سنشاهد هذا «الهلال» بكلّ وضوح، فبعد احتلال العراق وقتل رجاله في الشّوارع والمساجد واغتصاب النساء وتعذيبهن، دون أن يُصدر المرجعيّة الشيعية «السيستانيّ» فتوى بإطلاق رصاصة واحدة ضدّ المحتل الأميركيّ، في خدمة واضحة وكبيرة لمشروع الاحتلال بقصد تحقيق التشيُّع والتغيير الديمغرافيّ في المدن الرئيسية خاصة بغداد، وصولًا إلى سوريا التي غيرت المجازر ديمغرافيّتها، فيما تنتشر ميليشيات الحرس الثوريّ الايرانيّ جنوبَها، وتنشُرُ التشيّع تحت تهديد القتل أو التسليم للجيش السوريّ.
وفي لبنان، معروف للجميع الذي تصدر المشهد بكلّ قوة حزب الله لما يملكه من ميليشيات مدربة وأسلحة إيرانية، تستطيع أن تسيطر على الدولة اللبنانيّة خلال ساعات، فيما صمتت المقاومة والممانعة إلى اليوم على ما يتعرض له الشعب الفلسطينيّ من جرائم إبادة في غزة، واكتفى «السيد» حسن بخطة «مشاغلة العدو» وكأنها لعبة القط والفأر.
إذن، الأردن يواجه اليوم خطر الميليشات «الشيعية» في الجنوب السوريّ، وعلى حدود العراق التي تطالب بفتح الحدود لتحرير فلسطين، وما يشهده الأردن بين فينة وأخرى من إطلاق طائرات مُسيرة محملة بالمتفجرات بدأت تزداد وتيرتها في الفترة الأخيرة ما أقلق الناس والدّولة.
وعلى صعيدٍ آخر، فإنّ ضغط العدوان الوحشيّ على قطاع غزة وخطر التهجير، وضع الدولة الأردنية أمام مسؤولياتها التاريخيّة في التصدي لهذا العداون سياسيًا ودبلوماسيًا وإنسانيًا، وهذا واضح ومعلن للجميع ابتداءً من جولات جلالة الملك إلى عواصم القرار، وعمليات الإغاثة الجوية التي بدأها الأردن والتي ازدادت وتيرتها في الشهر الفضيل، وهو ما عجزت عنه دول كثيرة.
نعود للداخل الأردنيّ، فبعد أنْ تمعنا بالمشهد المحيط بنا، والأخطار المحدقة بالوطن، يخرج المتظاهرون في «الرابية» بحشودٍ، (لا نعارضُها طبعًا ما دامت سلمية وموجهة ضد العدوان الصهيونيّ)، هتفت بهتافاتٍ تجاوزت الثوابت الأردنيّة، واتهمت الوطن ورموزه بالخيانة، ودعواتٍ للجيش العربي بفتح الحدود وإعلان الحرب على «إسرائيل».
لماذا لم يستمرَّ المحتجون بمسيراتهم واحتجاجاتهم كما بدأت، لماذا انحرفَ «الهُتاف» عن مساره الطبيعي والمتفق والقانون، وطال رموز الدولة والأمن والجيش، وأطلق سهام التخوين؟، ماذا يريدون في ظل هذا الوضع الخطير الذي يمرُّ به الوطن؟، ألا ينظرون إلى المشهد العام في الإقليم، أم المطلوب دمج الأردن في هذه الفوضى، لتستغلها «اسرائيل» والميلشيات المسلحة في الجنوب السوريّ، وتنفِّذَ مخطط تهجير سكان الضفة الغربية إلى الاردن الذي تحلم به حكومة التطرف الصهيونيّة.
إن ما يحدث اليوم في «الرابية»، وإن كان ظاهره «نصرة لفلسطين» إلا أنها في الواقع تزيد من المخاطر التي تحيط بالأردن من كلِّ حدبٍ وصوب، فالوطن اليوم بحاجة إلى الوحدة والتلاحم، والوقوف مع الجيش والأمن في حفظ البلد، وصدِّ كل مخططات المتربصين بهذا الوطن.
وهذا يوجب وقف «الهتافات» المسيئة للوطن ورموزه ومحاسبة مطلقيها، مع توفير كل وسائل الحماية لهذه الوقفات، من أيّ عبث أو استغلال من أي طرف، وعلى جميع الأردنيين، أن ينتبهوا إلى أنّ وقفات «الرابية» ليست مظاهراتِ «ربيع عربي»، بل هي دعوات تهدد مستقبل الوطن والنسيج الاجتماعيّ، وأعتقد ربما تصل إلى حدّ الفتنة وإثارة الاضطرابات إنْ انحرفت أكثر عن أهدافها المعلنة في دعم غزة؛ فالمشهدُ العام لا يحتمل العبث أكثر من ذلك، وعلى العقلاء ألا يحولوا الأردن إلى بيئة خصبة للمتربصين على الحدود، وتنفيذ مخطط التهجير و«العاقل يفهم».. حمى الله الوطن من كل عابث...
التعليقات