عربة الاسعاف .. صورة لواقع معاش

mainThumb

13-03-2012 12:46 PM

 عمان - السوسنة - زياد الرباعي - يحكى ان طفلة في الرابعة من العمر ادخلت لاحدى مستشفيات اطراف المملكة بعد ان علق شيء ما في فمها ، فعجز اطباء الاسعاف عن انقاذها ، فاستعانوا باخصائيين اطفال وانف واذن وحنجرة دون جدوى ، فاستقر رايهم بعد ساعة من الجدل على نقلها الى عمان ، فتأخرت سيارة الاسعاف التي استدعيت على عجل نصف ساعة عن الموعد المحدد لوصولها.

وما ان هم السائق بالانطلاق حتى تذكر ان الاطار الاحتياطي غير موجود ، فاستعان بسائق اخر ، فاقرضه اطارا ، وما ان بدات السيارة بالانطلاق حتى اكتشف الممرض ان انبوبة الاكسجين فارغة ، فاحضرت انبوبة بديلة بعد ساعة ، وكل ذلك والطفلة تلتقط انفاسها بصعوبة بالغة .
 
وقبل انطلاق السيارة تعارك الطاقم الطبي مع اهل الطفلة .. من يريد ان يركب معها وجرت اتصالات عدة عبر الخلويات .. فركب قريب الوزير وصهر النائب وعديل العين والاقتصادي والموصى عليه من فلان وعلان وغيرهم من المتنفذين ، فازدحمت سيارة الاسعاف متجاوزة لكل القوانين .
 
ومع انطلاق السيارة بدأت رحلة المعاناة ، فمع كل مطب أو حفرة – عجزت البلديات عن صيانته – تفقد الطفلة توازنها ، فتبتعد كمامة الاكسجين عن فمها .
 
وتدور الاحاديث في سيارة الاسعاف بين الطاقم الطبي خلاصتها .. الطالب الفاشل ارسل في بعثة دراسية ،والسائق اللامبالي عين ردا لجميل مرشح دعمه بالانتخابات واحد الركاب يشهر شيكا منحته اياه احدى الحكومات اعطية من رئيس وزراء .
ويعقب احد الركاب على السوء الاداري الذي رافق علاج الطفلة .. هكذا حالنا الاداري والاقتصادي والسياسي .. الخ .
 
فالحكومات واصحاب النفوذ لا يريدون التخلي عن استفرادهم بامور الوطن ، والاشتغال عن ذلك بحجج شتى يؤخر أي تنمية منشودة او تحقيق اصلاح اداري فاعل واقتصادي يجلب الاستثمار ، فان ارادوا تنفيذ امر حسبوا حساب المتنفذين واصحاب المصالح ، ويبطئون السير في زمن لا يقبل التلكؤ أو استمرار النظر الى الخلف .
 
ويخرج من أخر السيارة صوت : كثير ما عين فلان دون وجه حق – كحال طاقم سيارة الاسعاف – وكثير ما جير القانون لخدمة اشخاص بعينهم ، واغلب التعيينات لم يكن لديوان الخدمة المدنية فيها راي ، والواسطة والمحسوبية اساسا لكل اعمالنا .
وطال الهرج وتنوعت الاحاديث لكن الاغلب ينادي بضرورة الخروج من الوضع المأزوم ولا بد من جهة تضع حدا لهذه الفوضى الادارية والاقتصادية والسياسية التي تتناسى الوطن لتبحث عن المصلحة والشخصنة والتنافس لتصفية الحساب .
وما ان وصلت سيارة الاسعاف منتصف عمان – بجانب القطار الخفيف وخط الباص السريع ومرورا بالفوسفات والبوتاس والكازينو ..الخ ، وبعد تحويلات بسبب الاعتصامات والاضرابات واحتراق الاطارات - حتى دار شجار بين المستائين من الاوضاع العامة والمستفيدين من هذا الواقع ، واثناء التدافع داخل سيارة الاسعاف انتزع احدهم كمامة الاكسجين ليضرب بها آخر ..فاذا بشهقة للطفلة تعلن لفظ الانفاس الاخيرة بعد معاناة مع حبة فستق علقت في حنجرتها ، فعادت بها السيارة من حيث اتت ، جثة هامدة .
وبعد التحقيق سجلت القضية قضاء وقدر . فالطفلة تشردقت بحبة فستق بينما الكثيرون لا يتشردقون بمئات الملايين .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد