قــد تختلــف النظــرة بيــن شــخص وآخــر ، في الحكــم على أهميــة الأحــداث التي جــرت خــلال هــذا العام ، وربمــا أيضــا تختلف التقييمــات والآراء حولــها ، بما حملتـــه من إيجـابيــات أو سـلبيـــات .
كـان عامـــا صعبــا ، وعامــا متحـركــا وحـافـلا بالأحــداث ، وفيــه شــهد العالــم العربـي أكثــر الثـورات الشـعبيــة وأهميتهــا ، لأنهــا جـاءت عفويــة وبــدون ســابق إنــذار ، وإن تسـلقها بعــد ذلك الوصـوليــون في مراحلها الأولــى ، أو بعـدما أوشـكت على الإنتصــار .
ولم تقـف الدول الأجـنبيــة وبالذات الغربيــة منها على الحيــاد ، أو متفرجــة ، وإن فغــرت فاههــا في البـدايـة غيــر مصــدقــة لما يحــدث ، ثم إسـتفاقــت بسـرعـة من الصـدمة ، وأخــذت تعمل من أجــل أن لا تضيــع مصـالحهــا في المنطقــة وهـي كثيــرة ، فركبـت الموجــة ، وأخـذت في بعض الثـــورات تقودهــــا وتوجههـــــــا .
إنتصــرت الثــورات في كل الدول العربيــة بدرجــات متفاوتــة ، ولكنهــا غيــرت أنظمــة إسـتعصى تغييـرهـا في السابق ، وجثمــت على صــدور شـعوبها ســنوات طويلــة ، وما تخللهــا من ظلــم واســتعبـــاد ، وفقــر كبيــر بين الشـعوب ، بالرغــم من الأشــخاص الذين إغتنــوا وغنمــوا وأصبحت أموالهــم الخاصــة واسـثماراتهــم بالملاييــن أو بالمليــارات .
وتــأثــر الأردن بكــل ما جـرى ، وما زال يجــري خاصــة على حــدوده الشـماليــة مع ســوريــا ، كونهــا دولــة شــقيقــة وجــار ، بيننــا وبينهــم مصــالــح وعـلاقــات متينــة وقديمــة ، وقــد تأثــر الوضــع منهــا ومن غيرهــا كثيــرا ، في معظــم المجــالات وخاصــة الاقتصــاديــة ، بضعـف الحـركة السـياحيــة ، وكذلك توقف ولو بقي القليل منها في تنقل المسافريــن والبضائــع بين البلديــن ، بالإضـافة الى نــزوح الآلاف من الإخــوة السـوريين الى الأردن ، الذي أولاهــم رعايتــه ، وقدم لهــم الخدمــات ، مهمــا كان في ذلك تأثيــرا سـلبيا على أحوال ومعيشــة المواطنيـــن فـي هـذه الظـروف الصعبــة.
وفي الأردن أيضــا كــانت ســنة صـعبــة وقاســية بكل معانـي الكلمــة ، بما تأثــرت به كما أسـلفنــا ممن حولهــا من أحــداث ، وما رافق ذلك من مسـيرات واعتصامات تطالــب بالإصــلاح ومكافحــة الفســاد ، والذي لم يتوقف منذ أشــهر طويلــة ، مع ما يسـببــه من خسـائــر على المواطنيــن وعلى ميزانيــة الدولــة ، التي هي في الأصــل ليســت بحاجــة الى خسـائر أخـرى تثقل مديونيتهــا ، وتعرقــل استثماراتها ، وتوقـف حركــة السـياحــة التي كانت تـدر عليهــا مبلغــا لا يستهــان بــــه .
وقــد حبـس الأردنيــون أنفاسـهـم لمدة ثلاثـة أيــام على الأقــل ، بعــد أن رفــعـت الحكومــة الدعــم عن المحـروقــات وتسـبب ذلك في رفـع أسـعارهــا ، بعــد أن خرجــت مظاهــرات عارمــة في جميــع المحافظــات ، رافضــة ومنــددة بذلك القــرار ، وقــد لطــف الله في الأردن وتوقفــت نتيجــة وعـي المواطنيــن وحرصهــم على وطنهـــم بأقـل الخســائــر . وقــد قامــت الحكومــة بدعــم مالــي لطبقــة كبيــرة من الناس تجاوزت حسب إحصائيــة الحكومــة السبعيــــن في المائــة .
وشــهدت الإنتخابــات النيابيـــة حيــزا كبيــرا في وجهــات النظــر حولهــا ، خاصــة قانون الصـوت الواحــد الذي واجــه وجهات نظــر متعارضــة ، ومقاطعــة للإنتخابــات من بعض الأحــزاب خاصــة حـزب الإخوان المسلميــن الذي يمثله جبهة العمل الإسـلامـي ، وإقــراره من الحكومــة ، وما رافقــه من تشـكيل الهيئــة المستقلــة للإنتخابــات ، التي تقـوم بمهامهــا على أكمـل وجــه ، من أجــل أن تكون هــذه السـنة مميــزة عن غيرهــا ، وكما يريدهــا ســيدنا أبا الحســين ، إنتخابــات نزيهـــة وشـفافـة ، ويضـع الشـباب عماد المستقبل ثقلهـــم فيهـــا .
أمــا القضيــة الفلـسطينيــة ، والتي هي القضيــة الرئيسـية الأولى للأمة العربيــة ، فقد ســارت في مسـاريــن متلازميــن ، كل منهما لطبيعــة المواقف التي تتمســك بهــا ، حيث ما زال العدو الصهيــوني يمارس مخططاتــه التهويــدية خاصـة في القــدس ، ويعمل على تغيير معالمهــا ، وزيادة المستوطنات حولهــا ، ومـا يمارســه مـن قمع واعتقالات في الضفة الغربيــة التي يجتاح مدنها وقراها باستمرار ، وتتعثـر المفاوضات بينهم وبين السلطة الفلسطينية منذ سنوات ، مما اضطــر رئيس السـلطــة السيد محمود عباس الى التوجــه الى الأمم المتحدة ويطالب بدولة فلسطينية مراقبــة حصــل على موافقة الأغلبية على ذلك ، والذي لم يثني الصهاينة عن تنفيــذ مخططاتهم والاسـتمــرار في تصرفاتهــم العنصـريــــــة .
أما غــزة المحاصــرة فقد تعرضــت لــعدوان وحشــي ، أسـفر عن خسـائـر في الأرواح والممتلكـــات، ولكن المقاومـة ردت عليهــم بقــوة وإرادة صلبــة طالــت صـواريخهــم ولأول مرة المـدن البعيــدة والمهمـة وبالذات تـل أبيــب ، مما جعل قادة الصهاينــة يطالبون بوقف القتال ، والذي توقف فعلا خاصــة بعد تدخل الحكومــة المصريــة وبقوة في هــذا الشــأن .
إن الأمــل معقــود على حيويــة هذه الأمــة ، أن يكـون العام القادم وما يليــه أعواما أفضل على دولهــا وشعوبهــا ، وأن يكــون الخيــر والأمــن والــسـلام ســائــدا بــإذن الله على جميــع أراضيهــــا .
عيد الجلوس ليس احتفالًا فقط .. بل تجديد لعقد العدالة الاجتماعية