في الذكرى العاشرة لرحيل أخي الحسين .. فلسطين : المركب "الصعب المستصعب" بقلم : الحسن بن طلال

mainThumb

08-02-2009 12:00 AM


يقول الإمام علي (كرّم الله وجهه): "ر?Zحًم?Z الله امْر?Zءًا س?Zمًع?Z حُكْمًا ف?Zو?Zع?Zى. ودُعًي?Z إلى ر?Zشادْ ف?Zد?Zن?Zا.... جع?Zل?Z الصّ?Zبْر?Z مطيّ?Zة?Z نجاتًه والتّقوى عُدّ?Zة?Z وف?Zاتًه. ر?Zكًب?Z الطريقة?Z الغ?Zرّ?Zاء ، ول?Zزًم?Z الم?Zح?Zجّ?Zة?Z البيْضاء?Z. اغتن?Zم?Z الم?Zه?Zل?Z وباد?Zر?Z الأج?Zل?Z وتزوّ?Zد?Z من العم?Zل".

(نهج البلاغة: شرح الأستاذ الإمام محمد عبده ، ج1).

رحم الله أخي الحبيب الحسين الذي تمر الذكرى العاشرة لرحيله والأحداث المأساوية في غزة تتْرى تحت أنظار العالم. وإذ تغمرني مشاعر الأسى والفقدان ، أجدني أتأمل الصلة التاريخية للهاشميين بتحديات النهضة العربية في شتى مراحلها.

لقد رفض جدّي الأكبر الشريف الحسين بن علي أي تسوية تهدّد وحدة فلسطين. وكانت ثمرة هذا الموقف الثابت الراسخ أنْ خسر عرشه ونفي إلى قبرص.

كما قبل جدّي الملك المؤسس دور حامي الضفة الغربية ، التي ائتمنه عليها الشعب الفلسطيني. ولا ننسى دور شهداء الجيش العربي الأبرار في تخليص جزء غالْ من فلسطين ، وعلى رأسها القدس الشريف ، من براثن العدو. لكن حال الأمة آنذاك في أعقاب النكبة الكبرى سبّب ما سبّب من العبثية والمرارة والمضاضة. فقضى الجد المؤسس شهيدًا على عتبات المسجد الأقصى وروت دماؤه الزكية الأرض الطهور.

أما والدي الملك طلال ، أبو الدستور الأردني ، فقد عزّز دور الأردن كدولة مساندة من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من فلسطين التاريخية.

وحدد أخي الكبير الحسين دور الأردن ومسؤولياته بالنسبة للتسوية النهائية للصراع الفلسطيني العربي مع إسرائيل في إطار معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية في عام ,1994 ولم يكن ذلك إلا ضمن سيرورة الممكن والمأمول في حل دائم شامل يستند إلى ثوابت الكرامة الإنسانية والسلام والعدالة.

لا ينظر الهاشميّون إلى التاريخ على أنه سلسلة من الأحداث المنفصلة وغير المترابطة ، لكنهم يعتبرون التاريخ عهدة الأجداد. من هنا ، فإن التفاعل بين الجانبين الأردني والفلسطيني ، ناهيك عن التلاحم والتراحم ، يدفعنا إلى التساؤل: ما العوامل التي أدت إلى الوضع المأساوي الذي يعيشه الآن الشعب الفلسطيني؟ وماذا بمقدورنا أن نفعل لإنهاء هذه المعاناة المتفاقمة؟.

ينتاب الواقع السياسي والاجتماعي للشعب الفلسطيني حالة من الجمود يبدو تجاوزها أمرًا صعب المنال. فلا يأخذ هذا الواقع صفة الدولة ، التي وُعدوا بإقامتها ، ولا صفة المحميّة الدولية. ووفقًا لخطة التقسيم الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة عام 1947 ، كان التصور الأصلي لدولتين تتمتعان بسيادة متساوية. لكن ما حدث على أرض الواقع كان اشتراط إحدى هاتين الدولتين - إسرائيل - ضمان أمنها مقابل إقامة الدولة الأخرى - فلسطين - مع ادعائها امتلاك الحقّ في تحديد الشريك المفاوض من الجانب الفلسطيني.

إلا أن هذا الموقف اللامنطقي واللامتماثل أضحى ، لسوء الحظ ، الركيزة في مواقف القوى الكبرى والصغرى ، التي احتلت موقع الأمم المتّحدة كمصدر نهائي بالنسبة للشرعية والالتزامات القانونية. وإذ قُسم الفلسطينيون إلى فئتين ، "المعتدلين" و"المتطرفين" ، فإن تلك القوى صادقت على موقف إسرائيل بشكل غير موضوعي ، وحرمت الفلسطينيين من حقّهم في اختيار ممثليهم.

لقد نشأ هذا الوضع لأن الشرعية الدولية ، التي مثّلتها سابقًا قرارات الأمم المتحدة ، لم تتصوّر وضعًا "مؤقتًا" لفلسطين يدوم لأكثر من نصف قرن. إن تلك القوى في مجلس الأمن التي نهضت بدور وسيط السلام ، لم تعالج أبدًا مسألة السيادة في ما يتعلق بوضع الأراضي التي خضعت إداريًّا للأردن وإسرائيل بعد حربي 1948 - 49 و,1967 وبما إنه لم تكن هنالك دولة فلسطينيّة ، مارس الأردن سيادة قانونية معترفًا بها دوليًا على الضفة الغربية. وحين احتلّت إسرائيل الضفة الغربية ، رفضت الاعتراف بأن الأردن احتفظ بالضفة الغربية سابقًا كوديعة ، وادعت أن الأردن "ضمّها" إلى أراضيه. وفي الوقت الذي قامت فيه السلطات الأردنية بحماية أملاك السكان الفلسطينيين ، وظف الإسرائيليون قوانين الاحتلال لخدمة مصالحهم الخاصة ، وأصبح الشعب الفلسطيني ، وفق سياساتهم ، في وضع الأجانب الفاقدين للحماية.

شكلت صيغة "الأرض مقابل السلام" ، المتضمنة في قراري مجلس الأمن 242 338و ، الأساس لكل محاولات تسوية الصراعات الفلسطينية العربية مع إسرائيل. وقد استعملت في هذه الصياغة مصطلحات يشوبها الغموض. وفي الوقت نفسه ، نشطت حركة المهجّرين داخليًا واللاجئين تحت تفويضات مختلفة (اللجنة العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ، ووكالة الغوث الدولية لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين وغيرها). ولحد الآن ، لم يتم استيعابهم ضمن سياق دولي ، ولم يتم التصدي لقضايا حقوقهم. كما أن أعداد الأفراد من فئة "البدون" ، الذين لا يحملون جنسية ، آخذة في الازدياد بكل ما يعنيه ذلك من مرارة ويأس.

في مؤتمر الرباط في عام 1974 ، التزم الحسين بمطلب جامعة الدول العربية إعلان منظمة التحرير الفلسطينية "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني": الأمر الذي عزز الوضع السياسي للمنظمة. إلا أننا خسرنا نقطة قانونية صارخة تتمثل في أنه إذا تخلت إسرائيل عن الأراضي المحتلة ، فلا بد أن يتم ذلك لكيان ذي سيادة. وتمثلت المفارقة الكبرى في أنّ وضع منظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد للشعب الفلسطيني أثار تساؤلات الشعب الفلسطيني نفسه.

نوقشت معاهدتا فيرساي وسايكس - بيكو قبل تسعين سنة. واليوم ، يقترح الروس والفرنسيون عقد مؤتمر دولي. لكن أيًا كان الأمر ، فقد آن الأوان لتأسيس وكالة دولية مؤقتة لبسط الاستقرار في الإقليم. فالشرق الأوسط يشهد تطوير مؤسسات انتقالية تدير شؤونها بنفسها. كذلك ، يجب على المجتمع الدولي أن يضمن لكل سكان فلسطين وإسرائيل حياة يسودها السلام يتم فيها تأمين الحماية الكافية لكلا الطرفين.

كان للقواسم الإقليمية المشتركة دور مهم في رؤيا الشريف الحسين بن علي من خلال مفهوم الولايات العربية المتّحدة. فوفقًا لهذه النظرة ، تحظى المناطق والمجتمعات كافة بالاعتراف بخصوصياتها التاريخية والثقافية في ضوء الاحترام المتباد?Zل. لقد كانت النهضة العربية بالنسبة إليه ميثاقًا مع الفقراء والمهمّشين في إدراك حقوقهم الثابتة كلها. إن السياسات القائمة على الاستقلال المتكافل والتبادلية توفر فرصًا أفضل لنشر السلام وسيادة العدالة وتحقيق الازدهار والأمل بمستقبل أفضل للأجيال القادمة.

حرص أخي الحسين دومًا على إرثه العربي وعلى كرامة أمته ووقارها. وخص باهتمامه وعنايته الذين حُرموا طوال القرن الماضي من حقّ تقرير مصيرهم. كما حظي موقفه هذا بالاحترام والإجلال اللائقين. وفي معرض إشارته إلى معاهدة السلام مع إسرائيل ، التي وقّعت في تشرين الأول ـ أكتوبر عام 1994 ، أكد كونها عنصرًا أساسيًا في سيرورة بناء سلام عادل ودائم وشامل بين إسرائيل وجيرانها. فلا يمكن للأردن أن يتدخّل في رغبات الشعب الفلسطيني أو أن يوجهها ، ولن ينهض بهذا الدور. لقد فهمت معاهدة السلام على أنها حجر الزاوية في تركيبة إقليمية مكوّنة من دول ، بما فيها فلسطين. وسيكون في هذه البناء مكان لكلّ شعوب المنطقة على أساس التبادلية السياسية ، واحترام التنوع الثقافي ، وتسهيل تطوير بنى فوق قُطرية ، مثل مجتمع إقليمي للمياه والطاقة ينهض بدور أساسي في البيئة الإنسانية بما يحافظ على كرامة الإنسان.

نحن جميعًا ، فلسطينيين وعربًا وإسرائيليين ، معنيّون بالبحث عن السلام الدائم الشامل. فهذه قضية القضايا وهاجسنا ليل?Z نهار.

"إن أمرنا صعب مستصعب ، لا يحمله إلا عبد مؤمن امتحن الله قلبه بالإيمان ، ولا يعي حديثنا إلا صدور أمينة وأحلام رزينة".

(الإمام علي: نهج البلاغة).

رئيس منتدى الفكر العربي وراعيه: عضو في لجنة التمكين القانوني للفقراء: رئيس شرف منظمة المؤتمر العالمي للأديان من أجل السلام: سفير الإيسيسكو للحوار بين الثقافات والحضارات. رأي



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد