إفريقيا غيرُ القارَّةِ: الاستعمار بالوكالة

mainThumb

06-09-2023 07:14 PM

 

يبدو أنَّ (القارّة) الإفريقيّة ليسَ في نصيبها من معنى كلمة (قارّة) إلّا الاتّساع العظيم؛ فهيَ ليسَتْ (قارّةً) بمعنى مطمئِنّة وهادئةً ومستقرَّةً على حالٍ "وقَرْنَ في بيوتِكُنَّ"..، وليسَتْ مسرورةً ولا سارَّةً لنفسِهِا وأهلِها "وقَرْي عَيْنا"..، فمنذُ سنواتِ ما بعدَ الاستقلال، في خمسيناتِ وستينات القرن الماضي، شهدت القارَّةُ الإفريقيّةُ أكثرَ من 200 انقلابٍ أو محاولة انقلاب، وشكلت الانقلاباتُ في أفريقيا ما يقرُبُ من 36.5 في المائة من جميع الانقلاباتِ على مستوى العالم، حسبَ ما أفادت به مؤسّسات بحثيّة مؤخرًا.
انقلابُ الغابون الأخير، في 30 أغسطس (آب) الماضي، وقبلَهُ انقلابُ النيجر، في 26 يوليو (تمّوز)، رفَعا حصيلة الانقلابات العسكريّة في إفريقيا إلى ثمانيةٍ منذُ العام 2020، فيما تقفُ «ماما فرنسا»، المستعمِرُ السّابق.. والمستعمرُّ الحاليُّ «بالوكالة»، موقفًا صعبًا، فتصِرُّ على وصايتها المقدّسة على (الديمقراطيّة)، هذه الوصاية التي تُدخِلُ لفرنسا، بناءً على المعاهدات الاستعماريّة، كلَّ مقدّرات دول القارّة، من نفطٍ وغازٍ ويورانيوم وذهب وماس، وأيضًا، إلى خزينةِ فرنسا، كلّ الاحتياطِ النّقديّ لـ(14) دولةً إفريقيّة، في ظلِّ استمرار الاستعمارِ النقديّ عن طريق ربطِ هذه الدّول بـ«الفرنك الإفريقيّ»، الذي تطبعُهُ وتحدّد قيمته وقوّته الشرائيّة.
لستُ خبيرًا بالشأنِ الإفريقيّ، ولا بالشأنِ السّياسي عمومًا، ولستُ محللًا سياسيًا؛ لأنّ (السّياسيينَ) في بلادنِا (دول العالم الثالث!) هم محلّلون سياسيين أصلًا، وحتّى في بعضِ دول العالم الأخرى، ليسَ من بابِ (الهَوَس) الشّعبي بوجود مؤسّسة (ثالثة) دائمًا، خفية وغير معروفة هي التي تحكُم أصلًا (حكومة العالم، الماسونيّة، إلى آخره من خرافات)، بل لأنّ السّياسيّ فاقدٌ لرأيه المستقلّ، ومحكومٌ بالتّبعيّة لقوى إقليميّة ودوليّة، معروفة وواضحة، تُملي شروطها. وشُروطُها بسيطة تأتي على مبدأ المقايضة القديم: البقاءُ في السّلطة مقابلَ نهب الاقتصاد. ببساطة.
والتّبعيّة، تحتِّمُ عليَّ التفكير في الانقلاباتِ بطريقة أخرى، ففي الوقتِ الذي يرى فيه البعضُ أنّها انقلاباتٌ وطنيّة ضدَّ الاستعمار الفرنسيِّ ومخلّفاتِهِ ومعاهداتِهِ، أقفُ أنظُرُ إلى أمرينِ أساسيين: الأوَّلُ أنّني لا أثِقُ بأيِّ انقلابٍ يقوده الجيش، فهو ما يلبثُ أن يتحوَّل إلى صراعٍ دامٍ لا يتوقّف، والأمثلة أكثر من أن تُعدّ، (السّودان مثلًا.. نحو 5000 قتيل وملايين النازحين في الصّراع بين الجيش وقوات الدّعم السّريع الذي يدخل شهره الخامس). أمّا الأمر الثاني، فإنّه لا يمكن أن نُغفل مرحلة تاريخيّة استعماريّة (قبل الحرب العالميّة الأولى) سُمّيت بمرحلة التّدافع نحو إفريقيا.. أو السّباق نحو إفريقيا «Race for Africa»، وهذه المرحلة تتطوَّر الآن من جديد، في ظلِّ المتغيّرات العالميّة وموازين القوى والأقطاب، إذْ تسعى روسيا والصّين وحلفاؤهما لأخذِ حصَّتهم من خيراتِ القارّة (السّمراء)، وإلّا ما الذي تفعله قوّات «فاغنر» في إفريقيا، ولماذا هذا الوجود المتنامي للصّين؟.. ما أقصده ببساطة، أنَّ المطلوبَ سقوطُ الاستعمار كفكرة.. لا تَبَدُّلُ المُسْتَعمِر.
وعلى ذِكرِ الاستعمار، أجدُني مضطرًا لاستحضار الولايات المتّحدة الأمريكيّة، التي مرَّت في (15 أغسطس الماضي) الذكرى الثانية لانسحابِ قوّاتِها من أفغانستان، حيثُ استولت حركة طالبان على المُدنَ الأفغانيّة مباشرةً، وسقطت العاصمة كابول وبالتالي سقطت الدّولة وجيشها، وظلّت أسئلة كثيرة عالقة بلا إجابات، كأنّ الوجود الأمريكيّ استمرّ عشرين يومًا وليسَ عشرينَ عامًا!، والنتيجة بكلّ الأحوال كانت عودةً إلى نقطة ما قبل الصّفر، كان يمكن تَفَهُّم أن يسقط النّظام بعد عام أو عامين، وبعد قتالٍ شرس لكن مباشرةً وبهذه البساطة، هذا ربما يعني أنّ الشّعب الأفغانيّ في غالبيّته طالبان أو يدعمها ويدعَمُ حكمها على الأقل، وإمّا أنّ الولايات المتّحدة لم تكن تحارب هناك، ولم تكن تَعلم ما تفعل بعد أن غرقت وسط وضع جيوسياسي معقّد، أو أنّها كانت تنهبُ ما تيسَّر.. ثمّ سلَّمَتْ الحكمَ لطالبان بناءً على اتّفاق الدوحة واتفاقات أخرى غير مُعلنة وبضمانات تتعلّق بـــ(الاقتصاد) وتحالفات المنطقة، والحرب الباردة مع الصين؛ بعد أن اقتنعت بفشل الجيش الذي أنفقت المليارات على تشكيلِهِ، وها هي طالبان الآن.. بنفسِ مواصفاتِ طالبانِ التي كانت (مبرّرَ) الولاياتِ المتّحدة لغزوها في 2001. وعلى غرارِ أفغانستان لدينا العراق.. غارقًا حتّى الآن ومنهوبًا بتراثه وآثاره ونفطه واقتصاده، ولدينا.. (كومة) من الدّول المقتتلة داخليًا.. والمنهوبة خارجيًا.. والمستعمَرة.. «بالوكالة».

 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد