معارك برلمانية الحلقة 38 / بقلم د. احمد عويدي العبادي ( حصري بالسوسنة )
وبعد أن انتهيت من خطابي جاء دور الخطاب لعدد من النواب، ومنهم من اثني على ما قلت , ومنهم من تلقى التعليمات من سيدهم المدير الباشا بمهاجمتي بعنف، وإن القارئ لخطابات النواب في وثائق الجلسة تلك (موازنة 1998) ليجد من خلال السياق من هم عملاء معالي الباشا وأزلامه وهم الذين هاجموني على أني عدوّ للوحدة الوطنية والأجهزة الأمنية وكان احدهم ابنا لرئيس وزراء سابق ,ولمصيبة التي ندمت عليها أنني امتدحت ذلك الرئيس رحمه الله في خطابي وكنت أتوقع من ولده أن يكون وفيا لوالده على الأقل ويتجنب الإساءة لمن ترحم على والده وامتدحه , وان من لا يكون فيل لوالده لا يمكن أن يكون وفيا للآخرين , وإنني قد أعدت حساباتي فيما يخص هذه النقطة برمتها , إلا أن تعليمات الباشا إليه والى من هم على شاكلته وقبولهم أن يكونوا احد أذناب الباشا ومطاياه , جعلتهم يتناقضون مع ضمائرهم هذا إن كان عندهم ضمائر .
وردد كثير من النواب الذين تحدثوا بعدي , وغالبيتهم من العربانيين للأسف الشديد , ولكنهم غير متنورين بل من الذين لا يفهم واحدهم الفرق بين كوعه وبوعه ولا بين العمالة والتعامل ولا بين أن يكون مطية او يركب المطايا , أقول رددوا كالببغاوات خطابات كتبها لهم حاقدون من أزلام الباشا وربما جاءتهم من مكتبه , وهم يريدون أخذ الثأر مني، وكنت أشتم رائحة أزلام المدير ومطاياه في تلك الخطابات . هكذا كان الاعتقاد السائد عندي وعند الكثيرين وكان هؤلاء النواب يتلعثمون بالخطاب، لأنهم يقرؤون كلاماً لا يعرفون مبناه ولا كلماته ولا معناه ولا فحواه، وفي حقيقة الأمر إنهم هم أعداء من يدعون الدفاع عنهما ( الوطن وأمن الوطن ) فقد اختصروا الأردن بشخص مدير المخابرات وكأنه صار أعلي من الأردن وأهله ونوابه , كانوا دمى ومطايا لا تستحق الاحترام إطلاقا وتتحرك بالخيطان/ الخيوط وليس بالأيدي .
أما النواب الذين وصلوا إلى القبة ببركات المدير الباشا المذكور ودعمه المالي والصندوقي ( تزويدهم بصناديق مزورة مليئة بالأصوات ) فقد طارت أنفسهم شعاعا وصاروا اجبن من أن يتحدثوا إلي أو ان يقفوا معي خشية أن يصل الخبر إلى سيدهم ومعلمهم المدير ويحاسبهم على ما اقترفوه من جريمة التعامل مع د احمد عويدي العبادي / عدو الوطن والنظام والوحدة الوطنية وامن الوطن ( هكذا صنفوني )لأنهم اختصروا الوطن ومكوناته بشخص المدير , للأسف الشديد .
كان شقيقي د عبد الله عويدي العبادي وهو الوحيد الذي أطلعته على الخطاب نصحني ألا أزيد الجرعة ضد مدير المخابرات وان يكون التعريض به / على الخفيف وبأسلوب سياسي وليس بوليسي , لكي لا تثور المدبرة وعش الأفاعي ضدي , وبحثنا سويا تبعات ما يمكن أن يحدث , ورأينا كلانا أن الاغتيال قد يكون خيار النظام والباشا ضدي إذا بقي الخطاب على حاله / كما قراناه أعلاه , لان المدير كان يتحكم بالأردن بإشارة ولا يجرؤ احد كائنا من كان أن يخض له الماء أو يهز له الغصن , ولان خطابي هذا محرج للنظام ان يبقى صامتا على مدير هذه مواصفاته جعل من نفسه مقاما يعلو مقام النظام .
وتوقعنا أنهما ( النظام والباشا ) سيثيران ألعبابيد والنواب والإعلام ضدي وأنهما سيدبران قضايا كيدية ضدي . كل ذلك وضعناه في حسباننا واحتمالنا أنا وشقيقي د. عبد الله إذا بقي النص على ماهو عليه , لذا نصحني أن اخفف اللهجة واستخدم كلمات أخرى على ما لدي من تمكن من اللغة العربية . قلت له : إنني أقوم بعملية استشهادية سياسية ستدخل التاريخ من أوسع أبوابه , فقال أخشى أن يلوث سمعتك في التاريخ من أوسع أبوابه أيضا فهذا شخص شمخ بأنفه على الأردن والدولة والنظام والشعب بحيث صار يرى نفسه أعلي من الجميع , وان على الجميع أن يطيعوه , والنظام يسير بتوجيه منه . قلت لهذا السبب أريد أن افرك خشمه وخشم من يدعمه دفاعا عن الأردن , وأخذا بالثار السياسي مما ضايقني به . قلت متوكلون على الله سبحانه وسوف لن أغير الحديث والخطاب وليكن ما يكون , واللي ينزل من السماء تتلقاه الأرض . فنحن أهل البلاد ومن حقنا أن نتحدث بما يناسبنا , لا أن نتقوقع ونتقلص لنتحدث بما يناسب مثلث الغم
وحمي وطيس النقاش تحت القبة بعد خطابي ، والكل يريد أن يسمع ويتحدث ، وإذا بالذين كانوا يُفشِلُون النصاب في اليومين الماضيين يريدون الإثبات لمعلمهم الباشا أنهم حضور وأنهم ضد د. أحمد عويدي العبادي شهارا جهارا نهارا . وانقلب ضدي الأصدقاء، حتى أولئك الذين مدحت إباءهم لأنهم كانوا مطايا ويسدّدون فواتير قذرة لمن هاجمتهم من الفاسدين.وصفوني بإثارة الفتنة والعصبية والعنصرية وأنني أفت بعضد الوطن , ووصفوني بأقذع الأوصاف , وكل ذلك مدون في سجلات المجلس لمناقشة الموازنة في هذا التاريخ .
يا للعار كيف تحول الذين كنت احسبهم رجالا إلى مطايا وطراطير وعلوج هزيلة واهية أوهى من بيت العنكبوت , بل هم كذلك كانوا ولا زالوا ولكنني عريتهم من ورقة التوت وإذا بهم سوءة نتنة والعياذ بالله , وهم يرون أن انتقاد الباشا طامة كبرى . ومع هذا صبرت على ما يقولون , لان رد فعلهم كان من باب التميز من الغيظ , فقد وصلت الرسالة وهزيتهم جميعا من أعماقهم , وسوف يلعنهم التاريخ , لان التاريخ لا يحترم المطايا الرخيصة التي تقبل بالمهمات القذرة لقاء متاع بخس وخسيس. فالتاريخ يحترم الرجال والمواقف وهذا هو الأدوم والأقوم وان كان الأمر يبدو خسارة لنا على المدى المنظور .
ما كنت يوماً من الأيام ولم أكن ضد أي جهاز أو مؤسسة أردنية كائنة ما كانت، لأنها وببساطة بنيت بدماء الأردنيين، وأنا واحد منهم، ولكنني لم أسكت عن الباطل الذي يتربع على رأس هرمها ويتخذها وسيلة لتحقيق أهدافه الشخصية . حتى اؤلئك الذين يقولون عن أنفسهم أنهم يحملون فكرا حزبيا أو وطنيا , كانوا مطايا للباشا وهاجموني بكل قذارة وحقارة . وان التاريخ لن يرحمهم , فقد اثبت القضاء فيما بعد ومتأخرا , تلك الجرائم التي ارتكبها معلمهم الباشا وأدانه القضاء بالقضايا التي سبق وأشرت إليها أنها من الفساد المالي والسلوكي , وأصبح المطايا يعانون من وصمة العار في دفاعهم عنه , وانقلبوا عليه وشتموه وحينها توقفت عن الشتيمة عليه لان أخلاقي البدوية الأردنية لا تسمح لي بمقاتلة الشخص إلا إذا كان في السرج . لا بد من إثارة نباح الكلاب عند العبور في الطريق التي فيها أو حولها قطعان ضالة من هذه الكلاب . ولكن تبقى المسيرة مستمرة والقافلة تسير رغم نباح الكلاب .
إن مصلحة الوطن تقتضي عدم السكوت عن أي فاسد أو ماكر أو مخرب يتسلل إلى المواقع المتقدمة أو العليا في هذه المؤسسات والأجهزة ليخربها، ويستبعد بل ويحاول حثيثا استعباد أبنائنا، ويسخرها لخدمته الشخصية وليس لخدمة الوطن وأهله . .
وأؤمن أيضا: أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، وأن منع الرقابة على أي جهاز أو شخص مسئول يعني المفسدة بعينها وإيذاء الوطن. وأؤمن أيضاً أن الثقة المطلقة، مفسدة مطلقة كذلك، وأنه لا بد من الرقابة مع الثقة، وإعطاء الفرص عند ارتكاب الخطأ لعل المخطئ يرعوي , ولكن ليس إعطاء الثقة تلو الثقة للخطأ تلو الخطأ . من هنا كانت المصيبة تلو المصيبة والطامة تلو الطامة على الوطن, ونحن ندفع الثمن.
وإذا كان مثلي أنا الأردني ابن الأردني ابن الأردني... عدد ما شاء لك الهوى أن تعدد من الأجداد في بلدي الأردن، نسباً وعصباً , أقول إذا كان مثلي لا يتكلم , فمن يتكلم ؟. لازالت في مخيلتي صور بعض النواب الذين جاءت إليهم الخطابات مكتوبة ولم يحسنوا قراءتها، ولم يفهموا فحواها، سوى أنها هجوم عليّ , ودفاع خفي أو علني عن معلمهم الباشا بدعوى الدفاع عن الأجهزة الأمنية والوحدة الوطنية؟!؟..
ترى ماهي علاقة الأجهزة الأمنية بطفيلي ( بضم الطاء )هنا أو متسلق أو لص هناك ؟ يتسنم زمامها من حين إلى حين على حين غرة أو غفلة من الزمن أو معاونة من النظام وبدعمه وحقنه بالهرمون المضخمة ؟ أليس من حقنا ومن حق الوطن وأبنائه وأجياله علينا أن نشير إلى مثل هؤلاء عندما يجنحون عن الطريق القويم ؟ أليس الوطن وقفا عاما للشعب كله ؟ وأموال المؤسسات وقفا عاما للأردنيين كلهم ؟ وإذا كان مثل هذا الباشا وأشكاله ينسون أنهم موظفين ويتصرفون كسلاطين وأباطرة وطواغيت , فإننا يجب أن ننبه أصحاب القرار والناس إلى هذه التصرفات , ونقول لهؤلاء المغرورين : رويدكم هذا الأردن وهو وطن له أهله , ولا بد من ظهور ولو شخص واحد يقول الحقيقة بشجاعة كما فعلنا . وهذا ما فعلته ليس إلا .
ونعود إلى خطابات العملاء المطايا من النواب الذين أدلوا بدلاء الباشا بعدي , واعتبروني سبب مآسي الأردن. وعنصر تطفيش الاستثمار، وأنني مسمار الدمار في نعش الأردن واقتصاده وأمنه واستقراره ، وأنه لولا وجودي بالبرلمان والأردن، لأصبح الأردن واحة الأمان والإيمان والازدهار والأعمار والثروات التي تتجاوز ثروات جزيرة العرب وأوروبا والأمريكتين ، أعشابها ذهب، ونوارها دنانير، وأنني الوحيد الذي عطّل تحقيق ذلك كله (؟!؟!).وقد كان يحزنني ويزيد من حزني أن الكثير من النواب العربانيين من أولاد العشائر، الذين كانت تربطني بهم علاقة احترام، قد وقفوا إلى جانب سيدهم المطاع المطلق وهو الغريب , ضدي وانأ ابن الوطن والعشيرة القريب ، ولم يقفوا مع الأردن، ولا ضد أعداء الأردن والأردنيين.انه نمط من الارتزاق الذي لا يجد احتراما عندي ولا في التاريخ. تخيلوا ماذا سيقال عنهم بعد قرن من الزمن ؟ , سيقال أنهم مرتزقة ومطايا وأصحاب المهمات القذرة وباعة المواقف وتجار النخاسة ولم يصلوا إلى مستوى تجار السياسة
ليس هذا فحسب، بل أن العديد منهم، التفاني خارج القبة يعتذر إليّ عن خطابه ضدي، وأنه إنما قال ذلك (لأن الجو هكذا)/ فلم يجرؤ على معاندة سيده |, ولم يجرؤ أن يخبر عنه , وإنما اكتفى بالقول : أن الجو هكذا ؟!؟). ويقولون لي فرادى : إن كل ما صدر مني ( أنا ) كان صحيحاً، ولكن الدنيا خربانة لا نستطيع تعميرها. وكان هؤلاء يقولون: أنهم يريدون الضحك على الأخوة الآخرين من أجل كسب أصواتهم، وكان بعضهم يقول تلميحاً، أو من خلال عينيه أنه ينفذ التوجيه القادم من معالي الباشا.
ترى كيف يعمر الوطن بالنفاق والمنافقين والجبناء والعملاء , أن العمالة مرفوضة لأي من أعداء الوطن سواء أكان الأعداء في الداخل أم في الخارج , بل أن عدو الداخل أكثر خطرا على البلاد والعباد لان جاسوس الداخل اخطر من ألف جندي محتل قادم من الخارج , فالوطن أضيع ما يكون عندما يدعي اعتماره الجبناء والمنافقون . ولو أن الجميع وقفوا وقفة رجل واحد أمام الفاسدين , لما وصلت البلاد والعباد إلى ما وصلوا إليه .
إن هذا هو النفاق بعينه، والخساسة والرخص والجبن والوهن وأنهم إنما فرزهم الباشا نوابا ولم يفرزهم الشعب إلى هذا المكان , وبالتالي فهم بلا شرعية بينما أتمتع أنا بالشرعية بكل ما تعني كلمة الشرعية . فهم وراء الكواليس معي، وأمام الناس ضدي لكي يكسبوا الحكومة ومعلمهم الباشا ويتكسبون منهم . إنها أصوات الأشقياء، ونسوا أن: «ذا الوجهين لا يكون عند الله وجيهاً».
كنت أحتقر هؤلاء، ولو أنهم صمتوا لكان خيراً لهم. لقد برهنوا أنهم دمى تحركها الخيطان، ومطايا وقطعان ضالة وليس رجالاً يهزون الجبال ولا يمسكون بالحبال . لقد حزنت أن أولاد العشائر من النواب قد استهانوا بأنفسهم وأهميتهم، واستمرءوا الانضواء تحت جناح مثلث الغم وأذرع الماسونية عرفوا أم لم يعرفوا... ولكنهم بعد سقوط الباشا صاروا يتحدثون علنا ضده، ويبدون ندمهم بوقوفهم ضدي.ولكن فات الميعاد ليس في الكلام وحده وإنما أيضا في مجريات التاريخ.ويكفيهم احتقارا أنني لا اذكر اسم أي منهم في كتابي هذا ولا غيره لان مجرد ذكري لهم يعني أنني خلدتهم , واترك الباحثين عن أسمائهم ان يعودوا إلى مناقشات الموازنة عام 1998وسط الركام والزحام .
لم أهاجم جهازاً, وإنما بينت فساد شخص افسد مهمة الجهاز , وثبت فيما بعد صدق مقالتنا فيه , وبينت أسلوبه في إدارة الجهاز لخدمة أغراضه وليس للتقيد بالقانون وخدمة الوطن وامن الوطن . ولم أتلقى تعليماتي من أحد , وأنا دقيق في استخدام الكلمات تحت القبة , وفي التصريحات السياسية , وفي مؤلفاتي وكلامي، لأنني متمكن من لغتي العربية والحمد لله ، ومن الموضوع الذي أتحدث فيه، وإلا فإنني لا أهرف مثلهم بما لا أعرف , ولا اقبل لنفسي أن أكون طائر ببغاء مثلهم يردد ما يسمع , دون أن يفهم الكلام أو أن يعرف معناه . ..كما أن أي خطاب كان ذلك يأخذ مني وقتاً من التنقيح والدراسة قبل خروج الملفوظ على السامعين . كان البعض نائحة مستأجرة، ونابحاً بالنيابة عن الآخرين , ورحما مستعارا لنقل الأحمال , ومقاتلا بالنيابة عن الأسياد الوهميين , وما قبلت لنفسي أن أكون كذلك يوماً من الأيام، ولن أقبل ذلك إطلاقاً إن شاء الله. كان هؤلاء للإيجار وأما أنا فلا ثمن لضميري وانه ليس للإيجار أبدا ولا للبيع والشراء .
وإذا قبل البعض لأنفسهم أن يكونوا مطايا، فما كنت ولن أكون يوماً مطية , وكان بعضهم ريشاً في مهب الريح، وما كنت يوماً كذلك. إنه فارق حضاري وأخلاقي بيني وبينهم . وفارق في الإيمان وفي الشخصية والذهنية ومفهوم الشرعية والثقافة بيني وبينهم.... «لا يستوي الخبيث والطيب، ولو أعجبك كثرة الخبيث».
ولم يقتصر الجنون على النواب والباشا وأبواق الأعلام , بل وصل الجنون إلى الحكومة أيضاً ( دائرة المهمات ) التي تأتمر بأوامر دائرة التحكم , والتي أثبتت فقدان وزنها السياسي بامتياز أمام الباشا الذي اعتبروه ضحية , هذا إذا كان لها وزن أصلا , وأثبتت ما كنت أقوله أنها تتلقى تعليماتها من الباشا وتنفّذها بحذافيرها , لا بل برهنت أنها تعمل بإشارة منه، وأنه لا توجد حكومة، بل غالبيتهم مجموعة من التنابلة والموظفين والمخبرين والمطايا الذين يعملون بإمرة المعلم الباشا.
ففي الليل، اتصل بي أحد أقاربي الذي أيقظني من النوم ( أنا أنام مبكرا بعد صلاة العشاء ) يسألني: فيما إذا كنت سمعت بيان الحكومة في التلفاز بالأردن؟ فأجبته بالنفي، وسألته لماذا ؟ فقال : بيان أصدرته الحكومة ضدك، (أي ضدي أنا ) وأنك، وأنك وأنك وأنك (أي د. أحمد عويدي العبادي) عدو الوحدة الوطنية، وأنك، وأنك ؟
قلت: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وضحكت، لأن شر البلية ما يضحك. ونمت ليلي مرتاحاً، فالأسود تنام ولو نبحت الكلاب، والصقور تأوي إلى أوكارها ولو كثرت الحدأة ( نوع من الطيور الجارحة ويسمى الرخم ) . وتذكرت قول المتنبي .
أنام ملء جفوني عن شواردها ويغضب الخلق جرّاها ويختصموا
ذكرني هذا المشهد بما حدث لي عام 1996، بعد تجمهر ألعبابيد والأردنيين أمام المحكمة مشكورين للحيلولة دون محاكمتي وتوقيفي، كيف أن الملك في حينه طلع على التلفاز يهاجمني بشدّة، بما اعتبره الكثير أنه كان يشكل تدخلاً وضغطاً على القضاء , ليصدر حكمه ضدي , وحينها اتصلت بالمحامي أحمد سعيد المومني فقال: هذه قضية قانونية ولا علاقة لنا بالسياسة ولا بتصريحات الملك ولا غيره . وأنني نمت ليلي مرتاحاً في حينه لأنني بهذه الأهمية أن أكون موضع اهتمام صاحب القرار المطلق وقادر على تحريك كلماته ومشاعره , بحيث أزعجت من لا أطاله (؟!؟).
أما في هذه المرة 14/1/1998 فأعتقد أن الحكومة ربما نفذت أوامر المعلم ( المقصود هنا مدير المخابرات المعني في حينه / المعلم ) حسبما كان يتردد في أوساط بعض النواب حيث كان لقب مدير المخابرات في حينه المعلم أو الباشا، أو الباشا المعلم أو المعلم الباشا . هذه الألقاب المتداولة بين أتباعه وأعدائه حيث كانوا يخشون التلفظ باسمه، أما أنا فكنت أسخر منهم جميعاُ واسخر منه . ترى هل للوطني أو للحر أو لمن عنده رجولة أن يخاف من شخص هكذا ؟ ولكن لا يخشاه إلا من كان غارقاً في الأخطاء والخطايا ، وقد حذرني بعضهم أنه قادر على افتراء الأخطاء والخطايا ضدي. وأنه قادر على وضعي في السجن، وعلى اغتيالي بحادث سيارة أو السم أو القتل، أو الاغتيال السياسي، ولكنني رفضت ذلك، وقلت: فليكن ما يكون.
كان بيان الحكومة ضدي بسبب الخطاب أعلاه أمراً غير مسبوق في تاريخ الحكومات بالأردن، وتساءلت ما علاقة الوحدة الوطنية بمجموعة من رموز الفساد الذين قمت بكشفهم بالوثائق والحقائق في خطابي الذي دوّنته أعلاه، والذي ألقيته في تلك الجلسة التاريخية 14/1/1998 ؟ من وزراء ومسئولين ومدراء ؟ , وما علاقة الوحدة الوطنية بالمرتزقة والمقاطيع وعناصر مثلث الغم؟ , وما علاقة الوحدة الوطنية بالمفسدة المطلقة ؟
مسكينة هذه التي يقولون عنها الوحدة الوطنية، إنها ضحية من يدعون الدفاع عنها، أنها مطية من لا مطية له وسلاح من لا سلاح له وثوب من لا ثوب له وقارب من لا قارب له وقناع من لا قناع له . إنها السيف الذي يمسك به الأعداء والجبناء والخبثاء وأعضاء مثلث الغم ودوائر الحكم والتحكم والمهمات وتأبى أيدي الكرام أن تمسها لأنها مشبوهة ومصيدة . إنها مشجب لتعليق الخطايا والفساد , وعريشة بطيخ يحتمي في كنفها وظلها الفاسدون والمفسدون، وهي لا تدري عن ذلك كلِّه , أنها مسكينة لكنها لا تتكلم ولكنهم يتكلمون باسمها .
أنهم هم الأعداء الذين يكررون تذكير الناس عن التباين في النسيج الاجتماعي بالأردن . لقد كانت هذه العجوز الواهنة والعظام النخرة والرفات المتطاير ( المسماة الوحدة الوطنية) هي المشجب الذي يتم تعليق كل شيء عليه، وكنت أتمنى استخدامها بطريقة أخرى، أن يكون عدوها من يستخدمها لمئاربه , أو يحتمي بكنفها أو يمارس تحت عباءتها صنوف الأسى والأذى والأخطاء والخطايا والكبائر والسوء ضد الأردن والأردنيين المحترمين، ولكنها كقطعة القماش يُفَصِّلُها كُل خيَّاطٍ على مقاسه، أما أنا فلم أكن ذات يوم ضمن أية درجة من عدم الثقة بالنفس , وان ما يسمى بالوحدة الوطنية ليست في قاموسي لأنها السلاح المصلت على أعناق الأردنيين وحدهم .
وللتاريخ أدرج فيما يلي خبر بيان الحكومة المشار إليه أعلاه في اليوم التالي من الخطاب, كما هو منشور في الصحف اليومية مأخوذاً عن وكالة الأنباء الأردنية الرسمية (بترا) وننشر ما هو في صحيفة (الرأي في 15/1/1998؛ بالعدد رقم 9992). العنوان الرئيسي يقول : دَاعِيَةً البرلمان لاتخاذ الإجراءات المناسبة (أي الحكومة تدعو مجلس النواب لمعاقبتي).
الحكومة تعرب عن استيائها لما ورد في كلمة أحد النواب وتعتبره تصرفاً لا يليق بالديمقراطية وأدبيات العمل السياسي
((عمان- بترا- صرح الناطق الرسمي بما يلي أن مجلس الوزراء وقد ساءه أشد الاستياء أسلوب النقاش الذي اتبعه أحد السادة النواب في مناقشة موازنة الدولة وخرج فيه عن الموضوع وجافى الحقيقة واتبع أساليب جارحة وشخصانية في تناول العاملين في العمل العام في شخصيات هذا البلد الذين عملوا بإخلاص في الماضي والحاضر.. وكان لذلك التعريض أبلغ الإساءة للوحدة الوطنية وفتح الباب على مصراعيه لمخاطر التطرف والتعصب بصورة غير مسئولة بعد أن وضعت الحكومة بتصرف السادة النواب أجهزة الإعلام في بث حي ومباشر ظنا منها أن هذه الثقة ستؤدي إلى الحرص على الكلمة المسئولة والعبارة النزيهة العاملة والنقاش الصادق.
ولكن وللأسف الشديد خاب الظن بأولئك البعض الذين خلطوا بين الديمقراطية والتهكمية وبين المحاسبة النزيهة والافتراء الظالم.
وإن الحكومة التي نالت ثقة مجلس النواب الكريم منذ أيام معدودة وهي ثقة نعتز بها لتطلب من المجلس الكريم الحريص على نجاح العمل الديمقراطي واضطراده وديمومته واستقراره ليكون البرلمان بذلك ضمير الشعب وقدوته ومثله الأعلى لتطلب أن يتخذ الإجراءات التي من شأنها تصويب المسيرة والحفاظ عليها.
هذا ولم تقتصر الإساءة إلى الأفراد والمخلصين العاملين من أبناء هذا البلد بل تعدته إلى مؤسسات وطنية خدمت بشرف ويقظة عبر عقود من الزمن وأسهمت في صمود هذا البلد وأمنه وتقدمه ومنعته حتى أصبحت من مفاخره وموضع اعتزازه وهو تصرف لا يليق بالديمقراطية أو أدبيات العمل السياسي )) . انتهى بيان الحكومة 15/1/1998
ومنذ تلك الجلسة قررت ألا أتحدث في نقاش عام تحت القبة إلا بعد أن يدلي نواب معينون بدلائهم , لأضيع الفرصة على الانتهازيين وما أكثرهم , ولكي أتمكن من قول ما أريد بحيث لا يستطيع احد من النواب التعقيب على مقالتي وخطابي . وكنت أتفق مع رئيس المجلس على ذلك، ويوافقني الرأي تجنّباً من عمل المشاكل له, وليس حبا بي, ولكي لا تتحول الجلسات إلى براكين, إنما يكون خطابي هو مسك الختام وكفى. وكان يوافق لأنه يعرف أن كلامي يثير الجميع، وهو أيضاً لا يريد وجع الرأس تحت القبّة ولا يريد مزيداّ من النقاش الساخن بعد خطابي . وعندما يأتي دوري في النهاية تكون الطيور طارت بأرزاقها، وكفى الله المؤمنين شَرَّ القتال ، وأقول ما أقول، ليسمع الجميع، ولكن لا ليهاجموني، وإن كنت أتحمَّل الاحتجاج بل الاحتجاج وحده.وبدأت حملات التشويه التي توقعتها وشقيقي د عبدالله عويدي العبادي عندما قيمنا الخطاب قبل إلقائه كما سبق وذكرت .
وللحديث بقية في الحلقة 39 إن شاء الله