موافقة بالطبع… ولو تأخر البطل
قبل أن تُولد روايته العظيمة «الجريمة والعقاب» إلى العالم، وجد فيودور دوستويفسكي نفسه عالقًا في مأزق يشبه إحدى حبكاته الروائية الملتوية. كان مدينًا ومثقلًا بخسائر القمار وإرهاق الليالي البيضاء، حتى وجد ناشرًا جشعًا أقنعه بعقدٍ ظاهره النجاة وباطنه الفخ؛ إذ ألزمه بأن يسلّمه رواية جديدة في فترة قصيرة جدًا، وإذا أخفق في ذلك فسيصبح من حق الناشر نشر أعمال دوستويفسكي كاملة – القديمة منها والجديدة – طيلة تسع سنوات بلا أن يدفع له فلسًا واحدًا!
كان الكاتب الروسي العظيم يدرك أنه إن لم يفرّ من هذا الفخ بعبقريته فسوف يُسحق تمامًا. ومع ذلك، لم يكن الانغماس في الكتابة وحده كافيًا. احتاج إلى حيلة تُسابق الوقت. وهكذا لجأ إلى استئجار فتاة شابة تجيد الاختزال؛ سكرتيرة خاصة كانت في العشرين من عمرها تُدعى «آنا سنيتكينا». كان هو حينها في منتصف الأربعينيات، مثقلًا بذكريات المعتقل والمنفى وبقايا أوهامه على طاولات القمار. جلست آنا أمامه ساعاتٍ طويلة، تسجل ما يمليه حرفًا حرفًا، وكأن الرواية لم تُكتب بل أُملِيت من روح إلى أخرى، من عقل مثقلٍ بالجنون والعبقرية إلى يدٍ صغيرة تُعيد صياغة قدره.
انتهت النسخة في الليلة الأخيرة قبل انقضاء الموعد بيومٍ واحد، بينما حاول الناشر تأخير التسليم مدّعيًا أنه مسافر. فما كان من دوستويفسكي إلا أن حمل أوراقه وذهب بها إلى مركز الشرطة ليُثبت تسليمها قانونيًا، كأنه يحمي طفلًا مولودًا للتو من لصّ يتربص به. هكذا، نجا دوستويفسكي من السقوط في براثن الناشر، واستعاد حقه في أن يكون سيّد كلماته.
لكن الأهم من ذلك، أنه عثر على حبٍّ خالص وسط هذا العناء. لقد أسَرَته آنا؛ لم يفتنه شبابها وملامحها فحسب، بل ذكاؤها وإخلاصها وصبرها على مزاجه العاصف. غير أنه لم يمتلك شجاعة البوح المباشر. كيف لرجلٍ في منتصف العمر، محطم الروح، أن يقول لشابة: «أنا أحبك»؟ لجأ إلى حيلته الأثيرة: حيلة الراوي الماكر. جلس قبالتها وسألها كمن يحكي حبكةً لرواية جديدة: «لنفرض أن هناك مؤلفًا كبيرًا في السن، مريضًا ومثقلًا بالديون، أحبّ فتاة صغيرة ذكية جميلة تشبهكِ. لو قال لها: أنا أحبكِ وأريد الزواج بكِ، كيف سيكون ردّها؟».
ابتسمت آنا وقالت، دون أن تتردد لحظة: «موافقة بالطبع. فأنا أحبك أيضًا، وسأظل مخلصة لهذا الحب طوال حياتي». كان ذلك الجواب كافيًا ليحرره من حيرته، ولتبدأ أعظم قصة حبّ واقعية في حياة ذلك الذي طالما كتب عن القلوب المعذبة. تزوجها، وفتحت آنا بابًا لحياة جديدة؛ نظمت فوضاه، حمته من إدمانه القمار، صارت حارسة عبقريته. ولولاها، كما يقول كثيرون، لخسر الأدب الروسي جزءًا من أجمل كنوزه، ولربما توقّف قلب دوستويفسكي قبل أن يُنجز أعماله الخالدة.
لمدة أربعة عشر عامًا، ظلت آنا تكتب ما يُمليه عليها، لا كسكرتيرة مأجورة بل كزوجةٍ عاشقة تُترجم أنفاسه على الورق. ومع كل رواية جديدة، كانت تحفظه من نفسه. ولما مات «نبي روسيا» كما أطلق عليه جمهوره، مات بين ذراعيها بعدما صار اسمه يحلّق في كل بيت وكل مكتبة.
أحيانًا أتأمل هذه الحكاية فأقول: ليتني أملك شخصية مثل دوستويفسكي لأبتكر لها حبًا مُنقذًا بهذا القدر من النُبل والجنون معًا. في روايتي الثانية «فوق جسر الجمهورية»، هناك بطلة مراهقة تتعلق بأستاذها في الجامعة. لكن أستاذها ليس دوستويفسكي، ولا حتى يحلم بكتابة عشر صفحات من «الإخوة كارامازوف» أو «الأبله». لذلك، لم يكن أمامي إلا أن أضع في طريقها منحدراتٍ عاطفية وعوائق كثيرة، كأنني كاتبٌ يختبر أبطاله.
يقول فلوبير: «مدام بوفاري هي أنا». وأكاد أوقن أن كل أبطالنا هم نحن بدرجةٍ ما. نُحمّلهم تناقضاتنا وأحلامنا المكسورة، ونختبر معهم خيباتنا الصغيرة. نُحبّهم حتى لو ختمنا حياتهم بنهايات موجعة. نكتبهم كي نُنقذ ما يمكن إنقاذه من أرواحنا التي لم تجد «آنا» الخاصة بها بعد.
عندما أستحضر مقولة نيتشه: «إن معرفتي بدوستويفسكي هي أعظم حدث في حياتي»، أبتسم بمرارة. لم أخلق بعد بطلة تقول لبطلٍ خائبٍ منكسِر: «موافقة بالطبع، فأنا أحبك وسأبقى مخلصةً لك ما حييت». لكنني، رغم ذلك، أواصل الحفر في طبقات نفوسهم، وأرجو أن يجد كل بطل، مهما كان مريضًا أو مكسورًا أو خاسرًا، من يقول له: «موافقة بالطبع» لعلني بذلك أُرضي في النهاية الكاتب الوحيد القابع في أعماقي.
الاعتداء على الصحفي فارس الحباشنة أمام منزله في عمّان .. صور
اتفاقية شراكة ثقافية أردنية - عراقية في عمّان
نتنياهو يصل إلى البيت الأبيض والغضب يتملّكه قبيل لقاء بترامب
حصيلة فيضانات تكساس تتجاوز 90 قتيلاً
أول تعليق من القسام على هجوم بيت حانون
إيران توجه تحذيراً مباشراً إلى أمريكا
تفاصيل مقتل 5 جنود إسرائيليين وإصابة 10 في غزة
ارتفاع عدد الشهداء في غزة منذ فجر الاثنين إلى 61 شهيداً
ليلو وستيتش يكتسح إيرادات 2025
محمد عطية يطلب حذف فيلمه بعد الوفاة
محمد رمضان يرقص على الحصان ويشعل كواليس من ضهر راجل
حبس وغرامة تصل لـ 500 دينار لمرتكب هذه المخالفة
مطالبون بتسديد أموال مترتبة عليهم لخزينة الدولة .. أسماء
الأشغال تدعو مرشحين للإمتحان التنافسي .. تفاصيل
وقف ضخ المياه عن مناطق في المملكة .. أسماء
مهم بشأن ارتفاع أسعار اللحوم والزيوت ومنتجات الألبان
1039 قطعة أرض للمعلمين في سبع محافظات
بيان عاجل من السفارة الأميركية في عمّان
بحيرة طبريا تقترب من أسوأ مستوى في تاريخها
التسعيرة المسائية للذهب في الأردن .. تفاصيل
التربية .. بدء استقبال طلبات التعليم الإضافي الخميس
الحكومة تمنح قروضاً بلا فوائد لهذه الفئة
منح الجنسية الأردنية لكل مستثمر يعمل على تشغيل 150 عاملاً أردنياً
محافظ الكرك يوقف برد الشفا بسبب منشور الكحول