فنادق دمشق تستقبل النازحين بدلاً من السياح

mainThumb

04-09-2013 12:54 PM

السوسنة - باتت فنادق حي المرجة الشعبي في دمشق وجهة لـ "سياح" غير مألوفين، هم سوريون نزحوا إلى العاصمة هرباً من العنف في مناطقهم، وباتوا يشغلون غرفاً لا تتجاوز مساحتها 15 متراً مربعاً، يضطرون فيها لإعداد الطعام في الحمامات.

ومنذ بدء النزاع في سورية قبل نحو عامين ونصف عام، وصل عدد النازحين داخل البلاد إلى 4,25 ملايين شخص، يضاف إليهم أكثر من مليوني لاجىء في الدول المجاورة، بحسب أرقام جديدة أعلنتها المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة.

في أحد الفنادق المتواضعة في حي المرجة، تستعيد هناء ذكريات منزلها القديم المبني من الحجر البركاني الأسود اللون في حي بستان الديوان، أحد الأحياء القديمة وسط حمص، ثالث مدن سورية.

وتقول الأرملة البالغة من العمر 30 عاماً لوكالة فرانس برس، إنه "كان في المنزل فناءاً جميلاً ونوافذ عدة مطلة على الشارع، لكن قيل لي إنه دمر بشكل كامل"، قبل أن تصمت برهة محاولة حبس دموعها.

خلال عامين، تنقلت هذه الأم لثلاثة أولاد (فتيان وبنت) بين 3 فنادق، لينتهي المطاف بالعائلة الصغيرة في غرفة ضيقة، تلتصق فيها 4 أسرة جنباً إلى جانب في مقابل جهاز التلفزيون.

وتضيف هناء: "نمضي الوقت في مشاهدة التلفزيون أو إعداد الطعام"، قبل أن تشير إلى "المطبخ"، وهو كناية عن موقد صغير موضوع داخل الحمام.

وفي غرف أخرى من الفندق، بات ورق الجدران باهتاً بفعل الرطوبة، ومصابيح "النيون" شبه المعطلة تبعث نوراً متقطعاً، والمياه ترشح  من أجهزة التكييف.

وبحسب الموظفين في الفندق، "يشغل نازحون من حمص وريف دمشق نحو نصف غرفه الأربعين، علماً أن الفندق اعتاد قبل بدء الأزمة ان يمتلأ بالسياح الإيرانيين القادمين لزيارة مقام السيدة زينب جنوب شرق دمشق".

وتقول هناء: "عندما أفكر في الأوضاع، يكاد رأسي ينفجر. في بعض الأحيان، لجأت إلى الحبوب المهدئة".

فقدت هناء زوجها منذ بداية النزاع السوري، إذ قتل بعد أن خطفه مجهولون.

وتشرح وهي تعدل حجابها الملون، وعلى وجهها ابتسامة حزينة، أن زوجها "كان سائق سيارة أجرة، ويوفر له عمله مدخولاً جيداً جعلنا غير محتاجين إلى شيء".

حتى أشهر خلت، كانت هناء تستفيد من مساعدة تقدمها لها إحدى المحسنات، إلا أن هذه الأخيرة غادرت البلاد، وباتت هناء في حال من العوز الشديد. وتقول: "أدين للفندق ببدل إقامة لثلاثة أشهر".

يعمل نجلها الأوسط، البالغ من العمر 16 عاماً، في تحضير النراجيل في أحد المقاهي المجاورة للفندق، وهو "يحصل أحياناً على بقشيش يومي يعادل نحو 500 ليرة سورية (نحو دولارين أميركيين)، وهذا ما يمكننا من العيش".

يسود لدى غالبية النازحين شعور مؤلم بفقدان مكانتهم الاجتماعية.

ويقول أبو عامر، المقيم في الفندق الدمشقي الذي تعيش فيه هناء نفسه: "كنت أملك محلاً لبيع الهواتف الخليوية، وأشعر بأنني شخص مهم. حالياً، عندما نذهب لطلب المعونة من مؤسسة خيرية، نشعر بأننا متسولون".

ويضيف الرجل المتحدر من حي الخالدية في حمص: "أتدركون من يقدم لنا أكبر كمية من المساعدات؟ كنائس باب توما"، في إشارة إلى الحي ذي الغالبية المسيحية في دمشق القديمة.

وقد تحول رواق الفندق وسلالمه فسحة لأبناء النازحين الباحثين عن اللهو، عبر التزحلق على منحدرات السلالم، أو من خلال الجلوس أرضاً لتبادل الأحاديث.

وفي قاعة الطعام التي تفتقر إلى أي خدمة، يجلس أبو عامر وأصدقاؤه النازحون من حمص كل يوم حول الطاولات الفارغة للعب الورق.

وقد خفضت غالبية هذه الفنادق، التي هجرها السياح باستثناء بعض التجار العرب، من تعريفاتها، علماً أن بعضها يؤكد استضافة النازحين مجاناً.

وعلى رغم إثبات هذه الفنادق كرمها في استضافة أبناء بلدها، إلا انها ما زالت مضطرة إلى تغطية بعض المصاريف.

ويقول أبو عامر: "كنا ندفع 25 ألف ليرة سورية شهرياً (نحو 125 دولاراً أميركياً). حالياً يطالبنا الفندق بثلاثين ألف ليرة نظراً لارتفاع أسعار المازوت".

وفي حال خفضت الفنادق تعرفتها، أو ألغتها أو أبقتها كما هي، فإن غالبية النازحين في العاصمة ما زالوا يفضلون هذا النمط من الحياة، على أن يختبروا مرارة اللجوء إلى دول أخرى. وتقول هناء: "على الأقل نحن في بلدنا".



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد