ما هي حقيقة المشاعر عبر الانترنت ؟

mainThumb

03-09-2014 09:30 AM

السوسنة - أثبتت بعض الدِّراسات النفسيَّة والطبيَّة، أنَّ الكتابة عن المشاعر تساعد على تقوية الجهاز المناعي والعصبي لدى الإنسان، وإزاحة جزء كبير من متاعب الحياة وضغطها اليومي، لكن مع تقدُّم العصر ووسائل الكتابة، التي أصبحت إلكترونيَّة في أغلبها، أصبح التعبير عن العواطف الإنسانيَّة ماراثوناً يتسابق فيه كل روَّاد الشبكة العنكبوتيَّة ويلهثون حوله، فما السبب، هل هو الفراغ العاطفي والمجتمعي الذي دفعهم لذلك، أم سهولة المنبر المتاح لهم؟



بدايةً، ترى الدراسات ، أنَّ في هذه النصوص شيئاً من الإيجابيَّة، وذلك لأنَّها تؤلف بين ذوي الاهتمامات المتبادلة، وتزيد التعارف بينهم، مما يؤدي إلى النماء، بيد أنَّها من الجانب الآخر قد تكون سلبيَّة؛ فقد تؤدي إلى الخلافات الأسريَّة في بعض الأوقات إذا ما أسيء فهمها، وقد تؤشر إلى أمور قد لا تلائم كل المراحل العمريَّة، وربما تكون مخالفة للشريعة أحياناً.

 

وأنَّ نشر هذه النصوص أمر حسن من الجانب الأدبي؛ إذ يساعد على تطوير الموهبة وإثرائها، كما أنَّ هذه الكتابات تفريغ للطاقة المكبوتة داخل النفس، وتستدرك بأنَّ الخطر الوحيد هو وقوع الفرد في دوامة حبِّ «اللا أحد» والاكتفاء بالمحبوب الخيالي أو الوهمي.

وبينت الدراسات  أنَّ خلف هذه النصوص، شخصيَّة تعيش في وهم، وقد يؤدي ذلك إلى تردي الأدب.


واكدت الدراسات  أنَّ السبب الأكبر لتفشي هذه النصوص عبر المواقع الإلكترونيَّة ووسائل التواصل الاجتماعيَّة خاصةً، أنَّ للكبار سلطة دائماً والـ«حبُّ» أمر يُمنع التعبير عنه في ثقافتنا حتى بوجود الأسلوب الجميل وغير المخل، كما أنَّ بعضنا ينظر لهذه النصوص من باب «الترف» أو «الدلال»؛ لذا يرونه أمراً غير جدير بالاحترام؛ و السلبيَّة الأبرز لا تكمن في النصوص؛ بل في أصحابها الذين يختلفون في طباعهم وأخلاقياتهم عمَّا ينشرونه من معانٍ سامية.


واشارت الدراسات ان حالة من الفصام؛ فنحنُ نمارس «الكُرْه» واقعاً و«الحُبَّ» افتراضاً، وهذه حالة طبيعيَّة لمجتمعات تُعاقب أفرادها إن أحبُّوا، بينما لا ترى عيباً إن وزَّعوا الكُره والعداء على سكان هذا الكوكب، وما هذا السيل الهادر، نثراً أو شِعراً أو طرباً، إلا محاولة من ذلك الإنسان التعس للعودة إلى فطرته؛ خصوصاً أنَّ ذلك يمنحه فرصة لحماية نفسه وحُبِّه إن وُجِّهت إليه أصابع الاتهام: أنت تحب؟ ليُجيب: خيال! فهل هناك أتعس من مخلوقٍ ينفي تُهمة الحبِّ؟!


ومنذ الأزل وما زال النص العاطفي يشكل شيئاً مهماً لدى الناس ممن يكتبونه أو يتذوقونه قراءةً وسماعاً وتداولاً؛ فالنص يكون أكثر عاطفيَّة بقدر ما لكاتبه من مصداقيَّة وروعة وخيال جميل يرقى بذائقة المتلقي له، ولعل ميل الذائقة الإبداعيَّة للنص العاطفي، وكثرة كتابته على الشبكة العنكبوتيَّة، ربما يكون بسبب الجفاف العاطفي وكثرة مشاغل الحياة، وربما البحث عن التسلية، ومن تأثيرات عولمة الإنترنت، أن أصبح النص ذا صيغة يصلح تداولها على الأجهزة الإلكترونية «نصاً عنكبوتياً» حاله كحال الملابس والأدوات المنزليَّة التي يتم تداولها اليوم عبر الفضاء الإلكتروني، لكن تلك النصوص العاطفيَّة لن تؤثر على مجتمع بأكمله، إلا إذا حولناها من حالتها الفرديَّة إلى ثقافة عامة جمعيَّة بواسطة الإعلام والتعليم.


اما الحبُّ هو سر رغبتنا في الحياة، وذلك كما قال الأديب الفرنسي ستاندال: «الحب أشدُّ أنواع السحر فعالية»، وانتشار النصوص العاطفيَّة عبر الشبكة إيجابي؛ فمن يريد إشباع عاطفته في الإنترنت، سوف يجد تلك النصوص على الشبكة لتلبي ذلك الاحتياج من دون الحاجة للجوء إلى أمر محرم؛ فكما أنَّ الفقير والغني يفرحان بقدوم العيد سواسية، كذلك الحب، البعض يكتفي بحالة الحبِّ التي يعيشها الآخرون، وذلك عبر رواية أو قصيدة شعريَّة، فقط علينا أن نضع بعض الحدود التي لا تتخطاها تلك النصوص، حينها سنستطيع التحكم في المخرجات.


وبينت الدراسات ان أفضل أنواع التعبير العاطفي، التعبير التلقائي البسيط، وإن كان مترهلاً، أو حتى محرجاً، أما كثرة النصوص المنمقة والمأخوذة أحياناً من اقتباسات متعدِّدة، فقد تكون نتائجها سلبيَّة.


  وأوضحت الدراسات أنَّ السبب في كثرة هذه النصوص، هو الجفاف العاطفي الأسري، والطبيعة المجتمعيَّة القاسية بعض الشيء؛ فعندما فقدوا فرصة البوح، توجهوا للبحث عن ذلك خارج نطاق الأسرة، وأصبح الأفراد يستحيون من النطق بعبارات الحبِّ، والجيِّد منهم من يبوح بتلك العواطف كتابياً، وهذا هو المشاهد الآن؛ فالتوازن العاطفي وعدم المبالغة مطلب رئيس، وذلك يتم من خلال غرس عادة البوح بالمشاعر لدى الأبناء، وعدم الاعتماد على الأوهام التي قد تنتج جرّاء كثرة الانغماس في تلك النصوص، كما يجب تجزئة مفهوم الحب فـ«الحب لله، وللوالدين، وللأقرباء والأصدقاء والعمل والحياة بأجمعها» ومحاولة استبعاد حصر ذلك المفهوم الواسع في شخصيَّة واحدة متمثلة في الجنس الآخر لكيلا يُحدث ذلك إشكالاً في قابل الأيام مع شريك الحياة، إذ إنَّ ذلك الوهم قد يودي بالفرد إلى عزلة اجتماعيَّة لا إراديَّة، ناتجة عن رؤية غير صحيحة للكمال غير الموجود.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد