دعوة لتدريس منظومة القيم في المدارس

mainThumb

05-11-2014 07:49 PM

الدكتور : شفيق علقم

في ظل دوامات العولمة وضجيجها وصخبها، حيث اخذت مفاهيمها واشكالياتها الفكرية تعصف بالشباب ،وتسوقهم  نحو اتجاهات مجهولة ، وتلقي بهم في مهب الريح مع فقدان الهوية وتحلل الشخصية، وتلقي  بهم في دياجير الظلام والفساد والاحباط والضياع ، ومع  اتساع دوائرها وعمق مجاهيلها وغزوها المقنع لمجتمعاتنا بلا هوادة ، لترفع درجات القلق والتوتر ، وتهز قيمنا واخلاقنا ، حيث اختلطت المفاهيم واضطربت القيم ، وفتح المغلق وكشف المستور، وتصاعد ايقاع التحول الى العالمية . لقد تجاوزت العولمة بدعواتها كل الحدود المحلية الاخلاقية  منها والامنية ، وفرضت علينا هذه الظاهرة الغريبة كاتجاه اجباري او قسري ،واخذت تجتاح الشباب لتثير فيهم مفاهيم فكرية مجهولة عقيمة  عديدة ، امتدت الى كل الميادين العلمية والتعليمية والثقافية والمعلوماتية والعلاقات الاجتماعية ؛ لقد كان تأثيرهاعلى جيل  الشباب عاما غامرا شاملا ؛ ذلك لان الشباب هم  اكثر فئات المجتمع تأثرا بحكم طبيعتهم النمائية ورغباتهم الثورية وافتقارهم للحنكة والتجربة والدراية ؛ فمهما كان مخزون امتنا القيمي كبيرا وقويا ؛ الا انه قد لايقوى على مجابهة عاتيات العولمة وعواصفها ، ولا يكون عاصما في ظل تجارب بشرية متناقضة متلاطمة معاشة بالمشاركة او بالمشاهدة ؛ فلقد طغت بعض تقاليد وقيم العولمة السلبية ، كاللانمالية وضعف التدين ،والتدخين لتوكيد الذات ،والادمان كمهرب من خطر الضغوط والاحباطات،والهروب من الواقع ، واضطراب علاقات الابوة والابناء وعقوق الوالدين، والكذب والتضليل والسرقة ،وغلاء المهور والعنوسة وغيرها من الانحرافات ، مع ما يرافق ذلك من عجز الشباب في ظل بطالة متفشية وغلاء فاحش.


 لقد ضاقت بها صدورنا ، وضجت منها اخلاقنا، واهتزت بسببها قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا ،فقد غزت بدكتاتوريتها كل الاماكن والمؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والتعليمية. وازاء ذلك ؛ واستجابة لنداء اجيالنا وحقوقهم في التربية القويمة الحقة، والاخلاق الحميدة السليمة، والقيم الاصيلة النبيلة ؛ فان على مؤسستنا التربوية والتعليمية مهام جد خطيرة ، فان ارتكاب الاخطاء والتغافل او الغفلة عن الدور الهام في تربية وتعليم النشء من ابنائنا تربية اسلامية قويمة؛ لمما يخرج اجيالا غير قادرة على الاسهام في التنمية او اصلاح مجتمعاتهم وقيادتها.


 لذلك ؛ فان على وزارة التربية والتعليم بكل مؤسساتها وكوادرها ان تتخذ من الاولويات موقفا عمليا سريعا وحاسما ، فبالاضافة الى الادوار التعلمية والتعليمية التي تؤديها هذه  المؤسسات ، يجب ان يناط بها ادوار تربوية اساسية عميقة ؛ فهي من هذا المنطلق يجب ان تكون معنية بالاسهام بادوار فاعلة لمواجهة  هذه التيارات الغازية واجتياحاتها الفكرية لنا في عقر دارنا ، لضرب قيمنا واخلاقنا ، كذلك لا بد من مواجهتها ومواجهة سلبيات هذا التطور التكنولوجي والمعرفي الهائل في مجال الاتصالات وتقنيات المعلومات ، اذا اصبح من الواجب المحتم على وزارة التربية والتعليم الاضطلاع بمهام تحصين ابنائها الطلبة ضد شرور هذه  الافكار الغريبة الهدامة من خلال اكسابهم السلوك القويم وربطهم بانتمائهم الى منظومة القيم والاتجاهات  السليمة الاصيلة المنبثقة عن ديننا الحنيف ،ومعتقداتنا وثقافتنا العربية الاصيلة ، وتراثنا الحضاري الغزير بما يشكل ملامح شخصياتهم ، ويحافظ على هويتهم الدينية والاخلاقية والوطنية .


     ففي ظل هذه التراكمات السلبية الدخيلة ؛ فان على وزارة التربية والتعليم بكل مؤسساتها واجهزتها ان تتداعى لتصميم منهاج خاص يقوم على بناء منظومة القيم الاسلامية والعربية الاصيلة اي قيم العقيدة ،وقيم المواطنة ،وقيم الهوية، وقيم حقوق الانسان ومبادئها الكونية ، تنطلق فلسفة هذا المنهاج  من كون هذه القيم والاخلاق والاداب هي مصدر أمن وأمان لمجتمعاتنا وسلامتها  من الانحراف ،ان دور المؤسسة التربوية يجب ان يتعدى الدورالاكاديمي الحالي في  تكديس وتقديم  المعلومات والمعارف والحقائق وحشو ادمغة التلاميذ بها لحفظها ، وبالتالي تركهم نهبا وضياعا مع غياهب قيم واخلاق غريبة دخيلة على مجتمعاتنا،   بل يجب على هذه المؤسسة  ان تتولى مسؤولية بناء منظومة متكاملة من القيم والسلوكات المرغوبة التي نتطلع ان يتحلى بها شبابنا وشاباتنا  ضمن  منهاج خاص يظل الهدف العام له تنمية اتجاهاتهم الايجابية نحو السلوكات القويمة المرغوبة ،التي تنبع من اصول ديننا وقيمنا وعروبتنا وعاداتنا وتقاليدنا، كما تهدف الى تنمية دافعية الطلبة نحو  التربية والتعلم والتعليم ،وبث روح التنافس بينهم في تقديم النفع للاخرين ، والاسهام في تنمية الانتماء والولاء للدين والوطن والامة، وحث الشباب على الانضباط السلوكي والمسؤولية الاجتماعية والجماعية،  وتحسين مستوى التحلي بالاخلاق القويمة والاداب الحميدة ، وذلك يتطلب ان يندفع جميع العاملين في ميدان التربية والتعليم  لتحقيق هذا الهدف الهام والغرض السامي.


ويتأتى ان يتضمن هذا المنهاج مواد ذات مفاهيم وحقائق وتعميمات  تتعلق  بمنظومة القيم  وممارساتها الحقة ، وممارسة مجموعات من باقات الاخلاق والاداب الاسلامية والعربية الاصيلة بالطرق  العملية الحقيقية ،وقصصا حقيقية من مثل تلك التي تروي سيرة اخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة اخلاق الصحابة والتابعين ،وكيف بنوا دولتهم ،ووصلوا بالاخلاق والقيم الصادقة الى اقاصى الدنيا وعمروها بالصدق والتسامح والمعاملة السمحة ،وكيف  دخلوا  قلوب الناس  وعمروها بالايمان والاخلاق السمحة  قبل ان يدخلوا البلاد ، ذلك لكي تساعد هذه المواد والموضاعات التلاميذ على الالتزام بتطبيق هذه القيم والاقتداء بها وممارستها  عن قناعة وايمان ؛ لتصبح جزءا من  سلوكهم اليومي وهويتهم الاسلامية ، مقترنة بالاهداف السلوكية الثلاثة:  المعرفية والوجدانية  والنفس حركية او (المهارية)،وان لا يكتفى باهداف معرفية تعتمد على التذكر  والحفظ والاسترجاع، وانما على اهداف مهارية او نفسحركية تعتمد على تنمية مهارات تطبيق القيم وممارستها العملية والتحلي بها  مع اثارة تفكيرالاقتناع  وترسيخ الهوية بها  ، فالمحتوى الدراسي يجب ان يمتلأ بمواقف وقصصا ومهارات تمثل القيم والاخلاق والسلوكات القويمة ،لكي يساعد على تنمية مهارات التلاميذ الدنيا والعليا في ممارسة هذه القيم ، كما يجب ان يتسق محتوى هذاالمنهاج القيمي مع الاهداف التي وضعت  من اجله،  وان يشتمل المنهاج المقترح على مجموعة  من الخبرات التربوية القيمية والخلقية المستمدة من ادبنا وتراثنا وديننا الحنيف ، وتهيئتها لكي تساعد التلاميذ على النمو الخلقي والقيمي نموا متكاملا شاملا يؤدي الى بناء سلوكهم او تعديله ، ويعمل على تحقيق الاهداف المنشودة  ، فالمنهاج الدراسي خبرات منظمة متسلسلة هادفة مقصودة لتحقيق غايات واهداف وامال تساعد التلاميذ على النمو الشامل المتكامل ليكون هذاالمنهاج المقترح مرجعا اساسيا يستقي منه المعلم المعلومات والخبرات والمهارات التي يستطيع تقديمها للتلاميذ باريحية ، ويستند اليه في اعداد دروسه اليومية ،ويتأتى ان يكون هذا المنهاج منظما متفاعلا متكافلا متكاملا  يراعي اسس بناء المناهج .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد