المفرق: بوابة الأردن الشرقية ومطار المستقبل

mainThumb

01-07-2025 12:39 AM

المفرق، تلك المساحة الواسعة التي تمتد على أكثر من 26,500 كيلومتر مربع، تشكل نحو ثلث مساحة الأردن، تقف اليوم على مفترق طرق بين ماضيها كمعبر حدودي هام، ومستقبلها كمحور تنموي وإقليمي استراتيجي، تقع هذه المحافظة في قلب مثلث جغرافي يربط بين عمان وبغداد ودمشق، هذا الموقع لا يمنحها مجرد قيمة جغرافية، بل يمنحها بوابة حقيقية نحو آفاق اقتصادية واجتماعية جديدة.

في ظل التحولات الجيوسياسية التي يشهدها الإقليم، وافتتاح العراق لمشاريع إعمار ضخمة بعد سنوات من التحديات، إلى جانب تراجع فعالية المعابر التقليدية مع سوريا، تبرز المفرق كحلقة وصل مثالية لا يمكن تجاهلها بين الأسواق والشعوب، و بناء مطار مدني وتجاري في هذه المحافظة لم يعد ترفًا أو حلمًا بعيد المنال، بل أصبح ضرورة وطنية ترتبط بشكل مباشر باستراتيجية الأردن في تعزيز البنية التحتية للنقل، وفتح قنوات اقتصادية جديدة تسهم في التنمية المتوازنة.

يمكن للمطار، إذا ما صُمم بطاقة استيعابية أولية تصل إلى مليون مسافر سنويًا، مع إمكانات توسعة مستقبلية، أن يصبح بوابة جوية رئيسية تستقبل حركة الركاب والبضائع، وتعمل كنقطة شحن جوية متقدمة تدعم شبكة النقل البري والسككي التي ترتبط بدورها بشبكات دول الخليج، هذه الديناميكية ستخلق حراكًا تجاريًا ولوجستيًا غير مسبوق في المفرق، يعزز دور الأردن كلاعب إقليمي محوري.

من الناحية الاقتصادية، تشير الدراسات الأولية إلى أن المطار سيكون مصدرًا مباشرًا لإيرادات مالية تقدر بأكثر من 30 مليون دينار سنويًا من رسوم الهبوط والخدمات الجوية والمناولة، إلى جانب تدفقات إيرادات غير مباشرة من خلال تحفيز قطاع الخدمات اللوجستية والنقل والصيانة. أكثر من ذلك، فإن تشغيل المطار سيخلق ما بين 3,000 إلى 5,000 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة خلال السنوات الخمس الأولى، وهي فرصة ذهبية لمواجهة معدلات البطالة المرتفعة في المحافظة التي تجاوزت 18%، هذه الوظائف ستعيد الحياة لسوق العمل في المفرق، وتساعد على إعادة توزيع السكان باتجاه الأطراف، بما يدعم تحقيق العدالة التنموية.

ليس هذا فحسب، بل إن بُنية المفرق الجغرافية تسمح بإقامة مناطق حرة متصلة بالمطار، ومراكز لصيانة الطائرات، ومراكز تدريب متخصصة في الطيران والصناعات الجوية، ما سيجعل المحافظة منصة إنتاج متكاملة. من خلال حوافز استثمارية ذكية، يمكن جذب شركات الشحن الإقليمية وشركات الطيران منخفضة التكلفة، لتكون المفرق مركزًا تشغيليًا إقليميًا، مما يعزز مكانتها على خارطة الملاحة الجوية.

ومع ذلك، فإن الطريق ليس خاليًا من التحديات. فالمشروع يواجه صعوبات مالية، إذ يتطلب استثمارات ضخمة تحتاج إلى شراكات حكومية وخاصة وربما دعمًا دوليًا، كما أن البنية التحتية الحالية تحتاج إلى تطوير متكامل يشمل الطرق والربط السككي، الأمر الذي يتطلب تخطيطًا مرحليًا واضحًا، لا يمكن أيضًا إغفال التحديات الإدارية والفنية، التي تستلزم بناء قدرات متخصصة وإدارة مهنية عالية الجودة لضمان التشغيل الأمثل. إضافة إلى ذلك، تتطلب الحالة الإقليمية السياسية والاقتصادية، والتي تتسم بتقلبات، خطط طوارئ مرنة تحمي المشروع من أي اضطرابات محتملة.

في الإطار الإقليمي، يلعب المطار دورًا محوريًا في دعم ممر الشام الجديد الذي يربط بين البصرة والعقبة مرورًا بالمفرق، ويجعل الأردن مركزًا أساسيًا للتكامل الاقتصادي الإقليمي، ومركزًا محوريًا لعمليات الإغاثة وإعادة الإعمار في دول الجوار التي تمر بتحديات متواصلة.

المفرق ليست فقط بقعة على الخريطة؛ هي رسالة وأمل ومشروع مستقبلي يحمل في طياته تحولًا جذريًا في مفاهيم التنمية الوطنية، المطار المزمع إنشاؤه هناك ليس مجرد منشأة إنشائية، بل هو تعبير عن عقلية جديدة توازن بين المركز والأطراف، وتعيد توزيع فرص النمو بشكل عادل، وتفتح أبوابًا للتنمية المستدامة.

في ظل التنافس الإقليمي المحتدم على الموانئ والمطارات والمراكز اللوجستية، فإن المفرق لا يمكن أن تبقى معبرًا فقط، بل يجب أن تتحول إلى مركز قرار يؤثر في خارطة النقل والتجارة في المنطقة. من تحت رمالها الصامتة ينبثق مشروع يُغير قواعد اللعبة، ويجعل من المفرق نقطة ضوء مشرقة في اقتصاد الأردن الحديث، فهل نملك الشجاعة لننطلق من هنا، ونحول هذه الرؤية إلى واقع يملؤه النشاط والازدهار، ويجسد طموح الأردن في النمو والتطور؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد