الدراسة الاكتوارية للضمان الاجتماعي كعقد بين الأجيال: من يحمي من
في الغوص أعمق في نتائج الدراسة الاكتوارية الحادية عشرة، تتبدّى المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي كمنظومةٍ زمنيةٍ معقّدة، لا تُقاس سلامتها فقط بما تملكه اليوم من أرصدة، بل بقدرتها على إدارة التزامات لم تولد بعد، وديونٍ قائمة تشبه «تياراتٍ خفية» قد لا تُرى على السطح، لكنها تؤثر في عمق الاستقرار المالي، إن القراءة الاكتوارية، في جوهرها، ليست توصيفاً للحظة راهنة، بل محاولة جادّة لترويض المستقبل قبل أن يفاجئنا.
تشير نقطة التعادل الأولى في عام 2030 إلى أن النظام المالي للمؤسسة سيبلغ مرحلة توازن شكلي بين الاشتراكات والنفقات التأمينية، إلا أن هذا التوازن أقرب إلى توازنٍ حسابي منه إلى توازنٍ اقتصادي حقيقي، ففي تلك اللحظة، تكون المؤسسة قد استنفدت ميزة «الفائض التشغيلي» الذي طالما شكّل هامش أمان، لتدخل طوراً تصبح فيه أكثر حساسية لأي صدمة في سوق العمل أو أي تباطؤ في النمو الاقتصادي، إن هذا التحول يعني أن أي ارتفاع غير متوقع في معدلات البطالة، أو أي تراجع في الأجور الحقيقية، سيتحوّل فوراً إلى ضغط مباشر على التدفقات النقدية، دون وجود وسادة مالية كافية لامتصاص الأثر.
أما نقطة التعادل الثانية في عام 2038، فهي ليست مجرد تاريخٍ لاحق، بل تمثّل انكساراً في المنطق المالي للنظام التأميني، فعند هذه النقطة، لا تعود الإيرادات الجارية، حتى مع العوائد الاستثمارية، قادرة على تمويل الالتزامات، فيبدأ الاعتماد على السحب من الاحتياطيات المتراكمة، هذا التحول هو الأخطر، لأنه يغيّر طبيعة الضمان الاجتماعي من نظام قائم على الاستدامة الذاتية إلى نظام يستهلك رصيده التاريخي، ومن منظور تنبؤي، فإن استمرار هذا المسار دون تدخل سيؤدي إلى تسارع تآكل الموجودات، بحيث تتقلص قدرة المؤسسة على المناورة في مواجهة الأزمات، وتتحول كل صدمة اقتصادية إلى تهديد وجودي.
وفي قلب هذه المعادلة، تبرز مسألة ديون المؤسسة على الجهات المقترضة بوصفها ملفاً مسكوتاً عنه أكثر مما ينبغي، هذه الديون، وإن كانت تُسجَّل محاسبياً كأصول، إلا أنها عملياً أموال معطّلة أو منخفضة السيولة، لا تخدم الهدف الأساسي للضمان الاجتماعي في تأمين تدفقات نقدية مستقرة، إن بقاء هذه الديون دون جدول سداد واضح وملزم يشبه الاحتفاظ بمخزون ماء خلف سدٍّ لا بوابات له؛ هو موجود نظرياً، لكنه لا يُنقذ العطش عند الحاجة، ومع اقتراب نقطة التعادل الثانية، تصبح مسألة تحصيل هذه الديون أو إعادة هيكلتها ضرورة وجودية لا خياراً تفاوضياً، لذلك فالتفكير بسداد هذه الديون يجب أن يتجاوز منطق التسويات المؤجلة إلى رؤية مالية صارمة، تقوم على ربط الجدارة الائتمانية للجهات المقترضة بجدول زمني واضح للسداد، أو تحويل جزء من هذه الديون إلى أدوات استثمارية سائلة أو شبه سائلة، فاستدامة الضمان لا تتحقق بأصول جامدة، بل بأموال قادرة على الحركة والاستجابة لدورة النفقات، كما أن الإبقاء على ديون متراكمة دون عائد حقيقي أو دون التزام سداد، يحمل في طياته خطراً مزدوجاً: تآكل القيمة الحقيقية للأموال بفعل التضخم، وتراجع ثقة المؤمن عليهم بقدرة المؤسسة على إدارة حقوقهم بكفاءة.
ومن زاوية أعمق، تكشف الدراسة الاكتوارية أن التحدي ليس فقط مالياً، بل مؤسسيٌّ أيضاً، فالضمان الاجتماعي يقف اليوم عند مفترق طرق بين عقلية «الإدارة الدفاعية» التي تكتفي بالحفاظ على الوضع القائم، وعقلية «الإدارة الاستباقية» التي تُعيد تصميم النظام قبل أن يفرض الواقع شروطه القاسية، إن المستقبل، كما تشير المؤشرات، لن يكون امتداداً خطياً للماضي؛ بل سيكون أكثر تقلباً، وأكثر حساسية للتغيرات الديموغرافية والاقتصادية، ما يستدعي سياسات مرنة تتكيف بسرعة مع المستجدات، ومن هذا التحليل نخلص الى أن الوقت المتبقي حتى 2030 و2038 ليس زمن انتظار، بل نافذة إصلاح ثمينة، فأي تأجيل في معالجة اختلالات الاستثمار، أو في تحصيل الديون القائمة، أو في توسيع قاعدة الاشتراك، سيحوّل هذه التواريخ من مؤشرات تحذير إلى مواعيد استحقاق مؤلمة، فالضمان الاجتماعي، في نهاية المطاف، ليس مؤسسة مالية تقليدية، بل عقد أمان اجتماعي بين أجيال متعاقبة، وأي إخلال بتوازن هذا العقد اليوم سينعكس عبئاً أخلاقياً واقتصادياً على أجيال الغد.
في المحصّلة، لا تقودنا نتائج الدراسة الاكتوارية الحادية عشرة إلى مساحة اطمئنان بقدر ما تضعنا أمام قلقٍ مشروع يتجاوز حدود المؤسسة ليطال مستقبل الأجيال والسلم الاجتماعي برمّته، فالضمان الاجتماعي ليس حساباً مالياً يمكن إعادة تسويته عند الحاجة، بل هو ركيزة أمان وعمود توازن في البنية الاجتماعية والاقتصادية للدولة، وأي تصدّع في متانته المالية، أو أي تهاون في معالجة إشارات الإنذار المبكر التي تبعثها الأرقام، لن ينعكس فقط على قدرة المؤسسة على الإيفاء بالتزاماتها، بل سيمتد أثره إلى ثقة المجتمع بمنظومة الحماية الاجتماعية، وإلى استقرار العلاقة بين الأجيال، وربما إلى الأمن الاجتماعي ذاته، فالقلق الحقيقي لا يكمن في تواريخ التعادل بحد ذاتها، بل في خطر أن نستيقظ يوماً وقد تحوّل الإصلاح من خيارٍ عقلاني إلى ضرورة قسرية، تُفرض تحت ضغط الزمن وتكلفتها أفدح، هنا، يصبح الحفاظ على استدامة الضمان الاجتماعي مسؤولية وطنية وأخلاقية، لأن أي إخفاق في صون هذه المؤسسة هو إخفاق في حماية المستقبل، وتفريط صامت بأحد أهم صمّامات الأمان الاجتماعي في الدولة.
الشوبكي: كيف دخلت صوبة الشموسة الأسواق الأردنية
إطلاق نار على دورية سورية–أميركية قرب تدمر
الطاقة النيابية تحذر من مدافئ الشموسة وتعلن اجتماعًا عاجلًا .. تفاصيل
البدور: تثبيت مقر المجلس العربي للاختصاصات الصحية في الأردن
مياه اليرموك تحمل بلدية إربد مسؤولية انسداد خط إشارة بردى
هيئة الاعتماد تعقد دورة تدريبية في مجال الجودة
المدير العام للضمان الاجتماعي: إلغاء التقاعد المبكر مستحيل
تأجيل انطلاقة دوري كرة السلة الممتاز أسبوعا
إطلاق مبادرة مدن الدراية الإعلامية والمعلوماتية
تذبذب الأمطار يفاقم السيول ويعمّق الجفاف في الأردن
الشركس: سياسات نقدية حصيفة تحصّن الدينار وتدعم النمو
الدراسة الاكتوارية للضمان الاجتماعي كعقد بين الأجيال: من يحمي من
ميسي يعلّق على مواجهة الجزائر والأردن في مونديال 2026
سوريا وفلسطين إلى ربع النهائي كأس العرب .. خروج تونس وقطر
بلدية أم الجمال تعلن عن وظائف في شركة تغذية
وظائف في الصحة وجهات أخرى .. الشروط والتفاصيل
توضيح حكومي حول أسعار البنزين والديزل
وظائف شاغرة في وزارة العمل والأحوال المدنية .. تفاصيل
اكتمال ملامح ربع نهائي كأس العرب 2025 .. جدول المباريات إلى النهائي
تعيين الدكتور رياض الشياب أمينًا عامًا لوزارة الصحة
إعادة 6000 شخص إلى مناطقهم بعد ضبط الجلوة العشائرية
فصل نهائي ومؤقت بحق 26 طالباً في اليرموك .. التفاصيل
إطلاق أطول رحلة طيران تجارية في العالم
باراماونت تقدم عرضًا نقديًا مضادًا للاستحواذ على وارنر براذرز
إلى جانب النشامى .. المنتخبات المتأهلة إلى ربع نهائي كأس العرب 2025


