تسريبات الاسد وقصة السقوط

تسريبات الاسد وقصة السقوط

13-12-2025 03:23 PM

دارت اصابع الاتهام اتجاهات عدة وهي تبحث عن ميناء وصول تفرغ فيه حمولة مواد التخدير ، التي لا فائدة ترجى منها ؛ ولو كان في الامر تشويه لصورة مشوهة لرئيس النظام السوري السابق وبعض موظفيه ، فمن السلطة الحالية الي تركيا فالسعودية حتى غيرها من الجهات التي طالتها تكهنات التحليل ، لكن الجامع المشترك بين هذه الفئات هو : الخشية من عودة ايران الى ساحة السيطرة على مفاصل يمكنها من خلالها اعادة التموضع في ارض المنطقة عموما والارض السورية خصوصا ، هذا التموضع الذي سيكون مختلفا هذه المرة متجاوزا اخطاء الماضي ، سيما مع تصاعد خطر توحد صفوف النظام السوري السابق ؛ حتى انها ـ اي التكهنات ـ لم تترك اجزاء النظام السابق ذاته ؛ على اعتبار تصاعد حدة النزاع الداخلي بينها في إطار التسابق حول قيادة مرحلة جديدة باسم استقلال اقاليم الأرض السورية .
هذه الحالة التي اكتسبت وزنا اضافيا بعد تقرير رويترز الاخير ، كل ذلك في مقابل عدم بناء هياكل دولة حتى اللحظة ، وفي ساعة تقديم تقرير جردة حساب عام كامل من خطب العدل وبطولات التخلص من الظلم و التحرير باسناد كل التصرفات الى سلوكات نظام الأسد ؛ على اعتبار تحوّله الى أداة قياس تمسح كل ما يوافقها بالظلم وتوسم كل ما يخالفها بالعدل .
بعد أن تبين بالدليل ان خطب المنابر وعبارات الشهرة ، ومقولات التاريخ التي صنعت لذات المناسبات والغايات ـ ان صدق التاريخ بها طبعا ـ ليست لغة للحكم والسياسة وبناء الدول ، فلا يتعدى كونها مواعظ تُنظم بطريقة فن الجذب لأتباع جهة ما يستعينون بها للتصديق ، غير أنها ليست طريقا لبناء الدول ، وهي تعني بالضرورة أنه : لا جديد حتى اللحظة لا في القول ولا في العمل ، ولا تغيير في أشخاص او افكار ، لا بل انه لن يكون .
أمّا عن السقوط : فإننا لن نطيل ـ لانعدام الجدوى من التفصيل في هذا المقام ـ وبالاختصار نقول: كل القصة ان الاسد سقط بضعفه الذي كان جليا لنا منذ تسلمه مقاليد الحكم ـ برغم قوة القبضة الامنية التي كانت رافعة لحكمه والتي عايشتها شخصيا ـ لقد تابعنا مسيرته منذ ايامه الاولى ، وشهدنا مع كل حركة من حركاته مشهد سقوطه قبل ان يراه الناس بعقود . تجلت شخصية الاسد الهزيلة للعوام من خلال التسريبات التي لم تقدم جديدا لهم بعد افتضاح تفاصيل حياته إثر هروبه.
لا تقنعنا فكرة الاتفاق الدولي والصفقات المسبقة وفكرة المطابخ الدولية التي تروق لم يحبون اكل الاوهام بشراهة ، كل ما في الامر : أراد أردوغان من تحريك الفصائل الموالية لتركيا الضغط على الاسد للاجتماع به ـ بعد قصة المرطبات ـ من اجل الاتفاق على الخلاص من الملف الكردي ؛ باعتبار اردوغان من جماعة " خوّف ولا تضرب " هذه المجموعات التي تقوم على اسس مثل : لا تجابه ، اسلك طريق الابتزاز والمواربة ، لا تضع نفسك في موقف يتطلب منك الالتزام ، وغير ذلك ؛ وهي سمة ما يعرف بالإسلام السياسي مع تحفظنا المطلق على العبارة . لم تتعدى أمنيات اردوغان مجرد مضايقة الاسد على حدود حلب أملا في تنازله والاجتماع به ، لكن حصل ما حصل ؛ بفعل هزالة شخصية الاسد وإدارته للحكم على طريقة " المعلم " او " الفهلوي " او صاحب المحل " او في احسن الأحوال" بزنس مان مع موظفين " ليس إلا .
لطالما كانت نظرتنا الى الاسد ـ و معه غيره - على أساس أنه : شخص لا يتعدى مستواه في أحسن الاحوال مجرد طبيب ساذج حصل على درجاته بالواسطة ، يتابع ـ بعد عودته من عيادته ـ شؤونه الاجتماعية "زيارة حماتو ومباركة لاخت المرة بنجاح ابنها وطلة لعديلو بالمستشفى وهيك شي " نحن لا نلقي التهم جزافا ، لقد شهدنا على مدار سنوات طوال طريقة حكم الاسد وغيره التي قامت على أساس تسفيه وتمييع وتسطيح وإراقة ماء وجه فكرة الحكم ؛ التي لا يرضى فيها الحكم ذاته أن يعبث فيه شخص كهذا هو ومن ماثله ، مع التأكيد على انها كانت في عين غيرنا تسجل في دفتر شرف الحكم باعتبارها ـ بالنسبة لهم ـ حضارة ومدنية وتقدما ، يجدر التنويه الى اننا سنذكر هذه العوامل لاحقا بالتفصيل حين تلوح المناسبة .
برأينا هذه التسريبات لا تخفي ضعف من يقف خلفها بل تفضحه ؛ فهي لا تقدم اي خدمة لصانعها اكثر مما قدمها الاسد ذاته لخصومه وهي خسارة كرسي الحكم ، إنها في حقيقتها ليست سوى ميدان تسلية وإلهاء ، يدور فيه أولئك الذين ينتظرون تقلّب الكون بمعجزة سمعوا عنها منذ سنوات طوال وعن صانعيها قبل ذلك ، يطلبونها الان وهم يرزحون تحت وطأة ظروف أسوأ من تلك التي فروا منها ، لقد سقطت افكارهم المقدسة عند اول اختبار لها .

ننهي بالتأكيد على أنه : تم استدراج الاسد و احتجازه في قاعدة حميميم من قبل الروس بعد استغفاله ودون أن يعلم ان نهايته فيها ، اما عن باقي قصص الهروب التي سمعناها فلم نجد في اي منها سوى استعراضا لاحتكار المواقف وتحقيق الشهرة وحجز المكان . قلنا سابقا انه : ليس حاكما كل من يجلس على كرسي الحكم ، الاسد لا يتعدى كونه مجرد موظف مكتبي دفتري يقرأ بسذاجة طالب ، ويخطط بعقلية شيخ كتاب ـ كغيره ـ أما مخاوف عودته الى الحكم - التي سأرجئ الحديث عنها الى موقع اخر - فأقول : إنه وأن عاد فلن يعود قائدا ، نعم سيحاول ، بطريقة مباشرة او غير مباشر ة، لكنه لن يفلح ، كل محاولات اركان حكمه بما فيهم ماهر الاسد لن تغير دورهم الذي لن يتعدى كونهم جنودا في جيش لا قادة له



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد